معنى قوله - تعالى - : (( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا )) ، والجمع بين هذه الآية وحديث عائشة السابق ، والكلام على تفسير السنة للقرآن ، وذكر الأمثلة على ذلك . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
معنى قوله - تعالى - : (( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا )) ، والجمع بين هذه الآية وحديث عائشة السابق ، والكلام على تفسير السنة للقرآن ، وذكر الأمثلة على ذلك .
A-
A=
A+
الشيخ : فهنا لما وجدنا هذا الخلاف وَجَبَ علينا الرجوع إلى ما أمَرَنا الله - عز وجل - بالرجوع إليه الكتاب والسنة ، الكتاب وجدنا فيه آية : (( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ )) ، وهي التي تمسَّك بها الإمام الشافعي حين قال : " يجب الوضوء من لمس النساء " ، والسنة وجدنا حديث عائشة هذا الصريح في أن الرسول - عليه السلام - كان لا يتوضَّأ ، ليس فقط إذا مسَّ زوجته ؛ بل وإذا قبَّلها أيضًا ، فالتقبيل مسٌّ وزيادة ؛ لأن المسَّ هذا قد لا يكون مقرونًا بشهوة ، أما التقبيل فهو دائمًا وأبدًا بالنسبة للزوجين مقرون بالشهوة .

فاختلف علماء الفقه في التوفيق بين الآية والحديث ، الآية تقول : (( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ )) ، ظاهرها هذا اللَّمس ، الحديث يقول : لا ، لا ينقض الوضوء ، والآية نفسها علماء التفسير القدامى اختلفوا ؛ منهم مَن أخذ بظاهرها (( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ )) ؛ مجرَّد ما تمسُّ المرأة انتقض الوضوء ، ومنهم مَن قال : لا ، ليس المقصود من هذ اللمس المذكور في هذه الآية إلا الجماع ، فاللمس أو (( لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ )) كناية عن الجماع ، وهذا قول ابن عباس ترجمان القرآن ، وهذا قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن الآية لا تعني المسَّ العادي ، وإنما تعني الجماع ، وابن عباس بصورة خاصَّة يقول : إن القرآن لطيف في الكناية ، بيجيب عبارة ناعمة جدًّا ؛ وهو يعني شيء يُستقبح عادةً التصريح به ، فهو يقول : (( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ )) وهو يعني الجماع ، هذا قول ابن عباس بالضبط ، وعلي بن أبي طالب - أيضًا - فسَّر الآية بمعنى الجماع .

وهذا الذي رجَّحَه علماء التفسير بالنظر إلى أن الله - عز وجل - لما ذكر النواقض هنا في الآية ذكر - أيضًا - ما يوجب الغسل ؛ ألا وهو الذي كنَى عنه باللَّمس .

ومن قواعد علماء التفسير في تفسير القرآن الكريم أنهم يرجعون في فهم القرآن إلى السنة ؛ لأن الله - عز وجل - قال مخاطبًا نبيَّه في القرآن : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ، يا رسول الله ، أنزلنا إليك الذكر ؛ أي : القرآن ، وأمرناك وولَّجنا الأمر إليك لتوضِّحَه وتفسِّرَه وتبيِّنَه للناس ، فبيان القرآن هو شيء آخر غير القرآن ، هذه حقيقة يجب أن ترسَخَ في أذهان المسلمين جميعًا حتى يتمكَّنوا من فهم الشريعة فهمًا صحيحًا ، (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ )) أي : القرآن ، (( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ )) ما أُنزِلَ في القرآن ، أنت تتولَّى بيانه ؛ حتى ما يجيء كل إنسان يقول : معنى الآية كذا ، معنى الآية كذا ، فيفسِّر القرآن برأيه فيَضلُّ ويُضلُّ .

وهكذا اتفق علماء المسلمين جميعًا على أنَّ القرآن لا يجوز تفسيره إلا بالاعتماد على السنة ، وهي ثلاثة أقسام : إما قوله ، وإما فعله ، وإما تقريره ، أما قوله - عليه السلام - فواضح إذا نطق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحكم كان ذلك بيانًا لما أُجمِلَ بيانه في القرآن ، مثلًا : (( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ )) ؛ أي : وصلاة الفجر ، فذكر هنا في هذه الآية إقامة ثلاثة أوقات . =

سائل آخر : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله .

= (( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ )) دلوك الشمس زوالها في منتصف النهار ، (( إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ )) إلى دخول الظلام ، (( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ )) أي : صلاة الفجر ، هَيْ ثلاثة أوقات ، وين الخمس أوقات ؟ عندنا نحن خمسة ! بيَّنَها الرسول - عليه السلام - في أحاديث كثيرة لسنا الآن بصددها .

فهذه الآية تُفسَّر على ضوء السنة : (( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ )) دلوك الشمس ؛ أي : زوالها بعد مَيْلها إلى جهة الغرب ، يدخل فيه وقتا الظهر والعصر ، وغسق الليل ظلام الليل يدخل فيه وقت المغرب والعشاء ، مِن أين جئنا بهذا التفصيل ؟ من السنة ، من حديث صلاة جبريل بالرسول إمامًا ، صلى الظهر بين الظهر والعصر في أول الوقت ، ثم صلى ثاني يوم الظهر قريبًا من العصر ، ثم صلى العصر في أول الوقت ، ثم صلى العصر قُبَيل اصفرار الشمس ، ثم صلى المغرب في أول الوقت ، ثم صلى المغرب في آخر الوقت ، ثم العشاء ، وفي كلِّ ذلك يقول - عليه السلام - : ( الوقت بين هذَين ) ، لسنا في هذا الصدد ، إنما القصد أن القرآن يفسِّره الرسول - عليه السلام - إما بقوله كما قال هنا : ( الوقت بين هذَين ) ، وإما بفعله ، والأمثلة على ذلك كثيرة كما هي مبسوطة في كتب التفسير .

ومن أشهر هذه الأمثلة : (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )) ، انظروا كيف أن السنة تبيِّن الآن هذه الآية ؛ لأن كلمة السارق لغةً تُطلق حتى على مَن سَرَقَ قرشًا فلسًا لا قيمة له اسمه سارق ، سرق بيضة اسمه سارق ، سرق دجاجة اسمه سارق ، أي شيء ؛ فهل تقطع يده ؟ الآية قال : (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا )) إذا أخذنا باللغة فقط ولم نستنِدْ إلى بيان الرسول - عليه الصلاة والسلام - ضَلَلْنا ، وهذا هو المثال : (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ )) ، قال - صلى الله عليه وسلم - في بيان هذا السارق الذي تُقطَع يده : ( لا قطعَ إلا في رُبْع دينار فصاعدًا ) ، مَن سرق ما قيمته أقل من ربع دينار لا يجوز قطع يده ؛ مع أن الله - عز وجل - : (( وَالسَّارِقُ )) ، لكن الرسول بيَّنَ أن السارق الذي عَنَاهُ الله هو الذي يسرق ربع دينار فصاعدًا ، ثم أين تُقطع يده ؟ قال : (( فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )) السارق والسارقة ، أتقطع يده هنا ؟ أم هنا ؟ أم هنا ؟ بيَّنت السنة أن اليد تقطع من هنا ، ليس من المرفقين ولا من الإبط ، وإنما من هنا ، هذا بيان بالفعل ، ذاك بيان بالقول : ( لا قطعَ إلا في ربع دينار فصاعدًا ) بيان بالقول ، هذا بيان بالفعل ، وما نحن فيه الآن من هذا القبيل ، " كان يقبِّل بعض زوجاته ثم يقوم يصلِّي ولا يتوضأ " ؛ إذًا هذا التقبيل بيان أن قوله - تبارك وتعالى - في القرآن : (( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ )) ليس هو هذا اللمس ، ولا هذا اللمس ، وإنما هو كناية - كما قال علي وابن عباس - عن الجماع .

مواضيع متعلقة