شرح حديث الذي ذكره سعد - رضي الله عنه - لسلمان - رضي الله عنه - لمَّا قَدِمَ عليه يعوده . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث الذي ذكره سعد - رضي الله عنه - لسلمان - رضي الله عنه - لمَّا قَدِمَ عليه يعوده .
A-
A=
A+
الشيخ : الحديث الآتي حديث حسن وهو قوله : وعن أبي سفيان عن أشياخه قال : قَدِمَ سعد على سلمان يعوده ، قال : فبكى . فقال سعد : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟! تُوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنك راضٍ ، وترد عليه الحوض وتلقى أصحابك . فقال : ما أبكي جَزَعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عَهِدَ إلينا عهدًا قال - العهد هو يفسِّره بقوله قال : ( لِيكُنْ بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ) ، وحولي - هذا حديث الرسول يرويه سلمان لسعد - ( ليكُنْ بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ) . انتهى الحديث . قال سلمان : وحولي هذه الأساود . قال : وإنما حوله أُجَّانة وجَفْنَة ومِبْخَرَة ، فقال سعد : اعهد إلينا . فقال : " يا سعد ، اذكُرِ الله عند همِّك إذا همَمْتَ ، وعند يديك إذا قسمْتَ ، وعند حكمِك إذا حكمْتَ " . رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد . كذا قال .

سنتكلم من الناحية الحديثية فيما بعد ؛ بعد أن نشرح بعض الشيء هذا الحديث .

لما دخل سعد وهو صحابي جليل ، بل هو أحد العشرة المبشرين بالجنة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ؛ لما دخل على سلمان الفارسي يعوده ، وكأنه كان في مرض موته - رضي الله عنهما - بكى سلمان الفارسي ، فقال له سعد : ما يبكيك يا أبا عبد الله . أبو عبد الله كنية سلمان الفارسي ، يعزِّيه ويسليه ، ويقول له : تُوفي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو عنك راضٍ ، ليه الحزن ولِمَ البكاء ؟ وترد عليه الحوض ؛ لأنك من أصحاب الرسول - عليه الصلاة والسلام - ومن الذين فارَقَهم الرسول - عليه السلام - وهو عنهم راضٍ ؛ لذلك قال : توفي رسول الله وهو عنك راضٍ ، وترد عليه الحوض وتلقى أصحابك ؛ فلِمَ الحزن ولِمَ البكاء ؟ قال : ما أبكي جَزَعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عَهِدَ إلينا عهدًا ، فأنا أخشى أن أكون لم أَفِ له بهذا العهد . ماذا قال الرسول له ولأصحابه : ( ليكُنْ بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ) ؛ أي : ليكُنْ ما يحصِّله ويبلِّغه إلى هدفه وإلى غايته من الزاد بمقدار زاد الراكب ، زاد الراكب يومئذٍ ما هو ؟ مهما حمَّل الراكب دابَّته من الزاد فهو عبارة عن قليل من التَّمر ، وقليل من الماء بحيث لا يستطيع أن يعيش بهذا الزاد وبذلك الماء إلا أيامًا قلائل . ( ليكُنْ بلغة أحدكم من الدنيا ) يعني ما يقتنيه ويجمعه ليقتاته ويعيش به كزاد الراكب ؛ يعني شيئًا قليلًا ، كما سيأتي في بعض الأحاديث الآتية القريبة - إن شاء الله - ، يعني ليكن ما يجمعه أحدكم من الدنيا كفافًا ، رزقًا كفافًا قوتًا ، ما يقتاته ويعيش ، ولا يكن قصده أن يتزوَّد زيادة على ما هو بحاجة إليه .

أنا حين أقول هذا أتصوَّر بأنَّ كثيرين من الحاضرين وغيرهم سَيُلقى في أنفسهم هل معنى هذا الكلام أنه لا يجوز إذًا نتوسَّع في الطعام والشراب ؛ لا سيَّما في هذا العصر الذي تفنَّن فيه الناس كلُّ الناس مسلموهم وكافروهم بالتوسُّع في المطاعم والمأكل والمشارب ؟ هل معنى هذا توجيه من هذا الحديث وأمثاله من الأحاديث الآتية أنه لا يجوز في الإسلام التوسُّع في كلِّ ما ألمحنا إليه آنفًا ؟

الجواب : لا ، ليس الموضوع الآن موضوع حرام وحلال ، وإنما الموضوع الآن تربية النفس على القناعة وعلى عدم الاهتمام بحُطام الدنيا وبالتزوُّد منها بأكثر من اللازم ، أما من أراد التوسُّع فهذا التوسُّع له قيوده وله شروطه ، ولست أنا الآن في هذا الصَّدد ؛ لا سيَّما وأذكر أني كنت توسَّعت في هذه الناحية أول ما طرقنا هذا الباب وهو " الترغيب في الزهد في الدنيا " ؛ ولذلك فيجب أن تربطوا أذهانكم بأن البحث هنا ليس الغرض منه تحريم الإكثار من جمع المال الحلال ؛ لا .

مواضيع متعلقة