ذكر حديث أنس - رضي الله عنه - في الرَّهط الذين جاؤوا يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - والكلام عليه . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكر حديث أنس - رضي الله عنه - في الرَّهط الذين جاؤوا يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - والكلام عليه .
A-
A=
A+
الشيخ : وفي تأييد هذه الناحية الثانية - أي : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن يسبق إلى ذهن مؤمن أنه أتقى لله وأخشى لله وأعبد لله منه ؛ هذا أمر مستحيل - نذكر الآن لدعم هذا ما جاء في " صحيح البخاري " وفي " صحيح مسلم " بالسند الصحيح يقينًا : عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - أن رهطًا جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فسألوا نساءَه ؛ حيث لم يجدوه هو نفسه - عليه السلام - ، سألوهنَّ عن عبادته ، عن قيامه في الليل ، وعن صيامه في النهار ، وعن إتيانه للنساء ؛ فذكَرْنَ لهم ما يعلَمْنَ من ذلك من هديه - عليه السلام - .

والهدي هذا خير هدًى على وجه الأرض كما تسمعون منَّا ومن غيرنا في افتتاح خطبنا : " وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - " .

ذكَرْنَ لهم أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يصوم ويفطر ، وكان يقوم الليل وينام ، وكان يتزوَّج النساء . قال أنس : لما سمعوا ذلك من نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تقالُّوها ؛ أي : وجدوا عبادته - صلى الله عليه وآله وسلم - قليلة ، تقالُّوها بناءً على ما كان قد قام في أذهانهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا بد أن يقوم الليل كله ، وأن يصوم الدهر كله ، وأن يكون راهبًا لا يقرب نساءه ، ففُوجئوا بما لم يكُنْ في خاطرهم ، فعلَّلوا ذلك بعد أن تقالُّوا عبادته - عليه السلام - ، عادوا إلى أنفسهم فعلَّلوا تلك القلَّة التي زعموها خطأً منهم ولا شك فقالوا : هذا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر ؛ فكأنهم يقولون - عفا الله عن قولهم وخطئهم - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما اقتصر على هذه العبادة التي تقالُّوها ؛ لأن الله قد غفر له فلم يبقَ لديه وازعٌ يحمله على أن يُكثِرَ من عبادة ربِّه - عز وجل - .

هذا خطأ منهم ولا شك ؛ لأنهم لم يعلموا أن تلك العبادة التي تقالُّوها كانت عبادةً لا يستطيعها أعبد البشر حتى ولو كان داود - عليه الصلاة والسلام - الذي صح في " صحيح البخاري " عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ( كان داود أعبدَ البشر ) ؛ لم يعلم هؤلاء الرهط أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في تلك العبادة كان أعبدَ الناس ، وكانت عبادته لا يستطيعها أعبدُ الناس كما ذكرت آنفًا ، وذلك ممَّا استدعى أنه سُئِلَ وقيل له - عليه الصلاة والسلام - لمَّا وجدوه ، وجده العارفون بعبادته وليس أولئك الرَّهط الجاهلون بعبادته ؛ العارفون بعبادته - عليه الصلاة والسلام - أشفَقُوا عليه ؛ لأنهم رَأَوه قد قام حتى تفطَّرت قدماه ، فقالوا له : يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر ؛ أي : يعنون اشفُقْ يا رسول الله بنفسك وارفُقْ بها ، فقد تعبْتَ وتشقَّقَت قدماك ، فكان جوابه - عليه السلام - ( أَفَلَا أكون عبدًا شكورًا ؟! ) . هذا ردٌّ للتعليل الفاسد الذي صدرَ من أولئك الرهط حيث علَّلوا قلة عبادته - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر ، لم يعلموا أن النبيَّ قد قام حتى تشقَّقت قدماه ، فلما قيل له ما سبق قال : ( أَفَلَا أكون عبدًا شكورًا ؟! ) .

بناءً على ما توهَّموا من قلة عبادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وما علموا من أن الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر ؛ قام في نفوس كلِّ واحد من أولئك الرهط أنه يجب على كلِّ واحد منهم أن يبالغ في العبادة ، وأن يزيد على ما سَمِعَ من عبادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من صيامه وقيامه وقربانه لنسائه ، فتعاهدوا بينَهم على ما يأتي ، أما أحدهم فقال : إني أقوم الليل ولا أنام . وقال الثاني : أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر . أما الثالث فقال : إني لا أتزوَّج النساء . لماذا ؟ لأنهم ظنُّوا أن التزوُّجَ بالنساء مشغلة وصارف عن تمام العبادة لله - عز وجل - .

مواضيع متعلقة