ذكر تفسير بعض المتأخِّرين لبعض الآيات حسب المذهب والرَّد عليهم . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكر تفسير بعض المتأخِّرين لبعض الآيات حسب المذهب والرَّد عليهم .
A-
A=
A+
الشيخ : هناك بعض الآيات تُفسَّر بالرأي ، ولم يأتِ في ذلك بيانٌ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرةً ، فيستقلُّ بعض المتأخِّرين في تفسيرها تطبيقًا للآية على المذهب ، وهذه نقطة خطيرة جدًّا حيث تُفسَّر الآيات تأييدًا للمذهب ، وعلماء التفسير فسَّروها على غير ما فسَّرها أهلُ ذلك المذهب .

يمكن أن نستحضر على ذلك مثالًا من قوله - تبارك وتعالى - في سورة المزمل : (( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ )) .

(( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ )) فسَّرَتْه بعض المذاهب بالتلاوة نفسها ؛ أي : الواجب من القرآن في كل الصلوات إنما هو آية طويلة أو ثلاث آيات قصيرة ، مع ورود الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حيث قال : ( لا صلاةَ لِمَن يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، وفي الحديث الآخر : ( مَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداجٌ ، فصلاته خداجٌ ، فصلاته خداجٌ غير تمام ) . رُدَّت دلالة هذين الحديثين بالتفسير للآية السابقة بدعوى أنها أطلقت القراءة ، فقالت الآية : (( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ )) ، فقالوا - هؤلاء بعض المتأخِّرين من المذهبيين - قالوا : لا يجوز تفسير القرآن إلا بالسنة المتواترة ، عودًا إلى بحث الحديث المتواتر ، لا يجوز تفسير القرآن إلا بالسنة المتواترة ؛ أي : لا يجوز تفسير المتواتر إلا بالمتواتر ، فردُّوا الحديثين السابقين اعتمادًا منهم على فهمِهم للآية على ما يبدو للقارئ لها أوَّل وهلة : (( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ )) .

لكنَّ العلماء بيَّنوا - كل علماء التفسير لا فرق بين مَن تقدَّم منهم ومَن تأخَّر - أن المقصود بالآية الكريمة : (( فَاقْرَءُوا )) أي : فصلُّوا ما تيسَّر لكم من صلاة الليل ؛ لأن الله - عز وجل - ذكر هذه الآية بمناسبة قوله - تبارك وتعالى - في سورة المزمل : (( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ )) إلى أن قال : (( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ )) أي : فصلُّوا ما تيسَّر لكم من صلاة الليل ، فليست الآية متعلِّقة بما يجب أن يقرأ الإنسان في صلاة الليل بخاصَّة ، وإنما يسَّر الله - عز وجل - للمسلمين أن يصلوا ما تيسَّر لهم من صلاة الليل ، فلا يجب عليهم أن يصلوا ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي كما تعلمون إحدى عشر ركعة ، هذا هو معنى الآية ، وهذا في الأسلوب العربي من إطلاق الكل وإرادة الجزء ، من باب إطلاق الكل وإرادة ؛ عفوًا ، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل ، (( فَاقْرَءُوا )) أي : فصلُّوا ، الصلاة هي الكل ، والقراءة هو الجزء .

مواضيع متعلقة