ما هو الطريق السليم لعودة المسلمين إلى دينهم ؟ وفيه بيان أن أعظم سبب هو حديث : ( حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، ومعنى ذلك . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما هو الطريق السليم لعودة المسلمين إلى دينهم ؟ وفيه بيان أن أعظم سبب هو حديث : ( حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، ومعنى ذلك .
A-
A=
A+
السائل : لا يوجد ... كثيرة من العلماء والدعاة والجماعات الإسلامية المتعدِّدة لعودة المسلمين إلى دينهم .

الشيخ : نعم .

السائل : لكنَّ كلَّ هذه الجهود تذهب بددًا ، ولا يعود المسلمون ، ولا يزدادون إلا سوءًا .

الشيخ : نعم .

السائل : ومشاكلهم تزداد ... عامًا بعد عام سواء كانت هذه المشاكل سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو وحدوية على أساس من الدين ؛ فما الطريق السليم لعودة المسلمين إلى دينهم ؟

الشيخ : هذا الذي كنا ندندن حوله بارك الله فيك ، لقد ذكر الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث العلاجَ صراحةً ، ولكن الناس لا يدقِّقون في المقصود من الدين ، ( إذا تبايعتم بالعينة ) وقد تبايعنا بالعينة ؛ أليس كذلك ؟

السائل : بلى .

الشيخ : ونَكَحْنا نكاح التحليل ، واستحلَلْنا ما حرَّمَ الله ، فكثير من علماء المسلمين اليوم يستحلُّون آلات المعازف ؛ علماء المسلمين فضلًا عن غيرهم !! ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( ليكونَنَّ في أمتي أقوام يستحلُّون الحر والحرير ، والخمر والمعازف ، يمسون في لهوٍ ولعبٍ ، ويصبحون وقد مُسِخُوا قردةً وخنازير ) .

السائل : لكن لا شك أنه في علماء .

الشيخ : إذا سمحت ، إذا سمحت .

فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول في هذا الحديث : ( إذا تبايعتم بالعينة ) وقد تبايعنا بالعينة وبغيرها بما استحلَلْنا به ما حرَّم الله بأدنى الحيل ، ( وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ) ؛ فقد أخذنا أذناب البقر ، ورضينا بالزرع ، وهذا طبعًا له مجال وتفصيل آخر ، فالرسول - عليه السلام - مثلًا يقول : ( إنَّ لكل أمة فتنة ، وإن فتنة أمتي المال ) ، مَن يُنكر هذه الحقيقة النبوية ؟ فتنة الأمة اليوم المال ، وبعض البلاد الإسلامية التي أنعَمَ الله عليها بالمال وأغرَقَها في هذا المال بحيث لا تدري كيف تتصرَّف في هذا المال ، وتنسى حقَّ الشعوب الإسلامية الأخرى في هذ المال ؛ قد كان هذا المال فتنة .

الشاهد : ( إذا تبايَعْتُم بالعينة ، وأخذتم البقر ، ورضيتم بالزرع ) كلُّ هذا وقع ، ( وتركتم الجهاد في سبيل الله ) قد وقع هذا قبل هذا الوقت ؛ لأنكم تعلمون أن الجهاد على قسمين ، فرض عين وفرض كفاية ، ففرض الكفاية هو الجهاد في سبيل نقل الدعوة ، وهذا تُرك منذ القديم ، وفرض العين هو الآن ها نحن مقصِّرون في القيام به ، كل الأمة الإسلامية آثمة الآن ، ( وتركتم الجهاد في سبيل الله ) ؛ فماذا يكون عقاب هذه الأمة ؟ ( سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، الرجوع إلى الدين ، كل الخطباء ، كل الوعَّاظ والمرشدين و وإلى آخره يقولون : إنما ذُلَّ المسلمون لأنهم تركوا الكتاب والسنة ، ولكنك سرعان ما تفهم من هذا الخطيب أنه يخالف الكتاب والسنة ، أوَّل مَن يخالف هو ؛ لماذا ؟ لشبهةٍ قامت في نفسه ، لانحرافٍ استقرَّ في فكره وعقله ، فكان هو من جملة أسباب إيش ؟ هذا الذل الذي أصاب المسلمين .

إذًا العلاج يقول الرسول - عليه السلام - : إذا فعلتم هذا وهذا ( سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، فقل لي - يا فضيلة الشَّيخ - مَن الذي يدعو المسلمين اليوم كتابةً وخُطَبًا ومواعظ وإذاعة إلى وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة ؟ وإلى وجوب تحكيم الكتاب والسنة في كل ما اختلفوا فيه ، بين أنفسهم وبين شعوبهم وبين حكوماتهم ؟ هذه الدعوة - مثلًا - التي هي التي تحقِّق السبب الذي به يستحقُّون رفع الذُّلَّ وهو الرجوع إلى الدين بالمفهوم الذي كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين ، هؤلاء صحيح كما قلتم يعملون العلماء على اختلاف اختصاصاتهم ، ولكنهم لا يلتقون على كلمة سواء ؛ وهو أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة حينما يختلفون ، والاختلاف - كما نعلم جميعًا - هو من أسباب الضعف وانهيار الأمة ، (( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )) ، (( وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )) .

فإذًا يجب على أهل العلم خاصَّة أن يدعو إلى الإسلام الذي كان هو السبب في قلْبِ حياة العرب الأولين ، وسيكون هو السبب بلا شك - والتاريخ يعيد نفسه - إلى قلب حياة العرب وسائر المسلمين من هذا الذُّلِّ إلى العزِّ الذي هو طبيعة المسلمين ، (( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )) ؛ فهذا الذي نراه نحن سبب عدم ظهور فائدة هذه الحركات وهذه الدعوة ؛ لأنهم باختصار لا يلتقون على كلمة سواء .

السائل : أهل الغيرة على الإسلام في حيرة ، كيف الخلاص ؟

الشيخ : هذا هو الطريق .

السائل : ... رجال الدين هم من يقومون ... وقتل المسلمين لا ... ولا شيء .

الشيخ : هذا شيء آخر ، نحن يجب أن نعرف الطريق ، ( حتى يرجعوا إلى دينهم ) ، الدين له مفهومان ؛ مفهوم خاطئ في بعض النواحي فيجب أن يُصحح ، مفهوم واضح وصحيح فيجب أن يُطبَّق ، فأنت دَعْك من أهل العلم ، انظر نفسك ؛ هذا الدين الذي عرفته هل تُطبِّقه في نفسك وفي أهلك ؟ لا ، طبِّقه إذًا ، النوع الآخر الذي فهمْتَه خطأ كبعض الأمثلة التي ذكرتُها آنفًا ، وهناك أمثلة أقرب وأمسُّ بحياة أفراد المسلمين لكثير وكثير ، ولعلي أذكِّر بهذه الأمثلة قريبًا - إن شاء الله - ، فصحِّح هذه المفاهيم وطبِّقها في نفسك ؛ حينئذٍ يأتيك المدد من السماء ، ويأتيك النصر من الله - تبارك وتعالى - ، أما ما دَمْتَ أنت وأنا وفلان وفلان ما نفهمه خطأً نُصرُّ عليه ، ولا نرجع في فهمه إلى ما كان عليه السلف الصالح ، وما نفهمه صوابًا لا نُطبِّقه ولا نحمل أنفسنا عليه ؛ فمن أين يأتي نصر الله ؟ فالأمر كما يقول العامة عندنا : " دود الخلّ منه وفيه " ، العلة منَّا وفي أنفسنا ، ولكن يجب أن نعرف ، إذا عرف الطبيب علة المريض فرُبَّما استطاع وصف العلاج ، أما إذا لم يعرف العلة فسوف لا يعرف العلاج .

أكثر علماء المسلمين اليوم - أقول علماء ولا أعني مَن دونهم - لا يعرفون علة المسلمين ، كلهم مطبقون على القول : تركوا الإسلام ؛ لا يا سيدي ، ما تركوا الإسلام ، ولكن فَهِمُوه مقلوبًا ، خذ - مثلًا - عقيدة القضاء والقدر ، عقيدة القضاء والقدر حينما فَهِمَها الصحابة انطلقوا في سبيل الله يجاهدون ويبيعون أعزَّ شيء لديهم من أنفسهم وأموالهم وأولادهم ، كلّ ذلك رخيصًا في سبيل الله ، لماذا ؟ لأنهم فهموا أن القدر ليس معناه ترك العمل ، وإنما على العكس من ذلك ؛ أن المقدرات مربوطة بأسبابها ، فأنت - مثلًا إذا عملت صالحًا دخلت الجنة ، وإذا عملت طالحًا دخلت النار ، فانقلب هذا المفهوم ، " يا سيدي الله غفور رحيم " ، " وما هو مكتوب على الجبين لا بد ما تشوفه العين " .

عيد عباسي : " ليس في الإمكان أحسن مما كان " .

الشيخ : نعم ؟

عيد عباسي : " ليس في الإمكان أحسن ممَّا كان " .

الشيخ : " ليس في الإمكان " - في كتب علم الكلام - " ليس في الإمكان أحسن مما كان " إلى آخره ، ففهمنا ، فهمنا فكرة القضاء والقدر وهو إيش ؟ من شروط الإيمان ، من أركان الإيمان ، مطلوبًا تمامًا ، وما أبدع المثال الذي مثَّل بهذا الموضوع فيه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما جاء من المدينة إلى الشام ، فسمِع بالطَّاعون قد نزل في أرض الشام ، فعقد مجلسًا استشاريًّا ؛ ماذا تقولون ؟ نُقدِمُ على الطاعون أم نرجع ؟ فاختلف أصحابه على قولين ؛ منهم مَن يقول : ندخل ونتوكَّل على الله ، منهم مَن يقول : لا نرجع ، ولم يستقرَّ رأي عمر على شيء ؛ لأن أصحابه اختلفوا ؛ حتى دخل عليهم عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - ، فلما فهِمَ نقطة الخلاف قال : عندي علمٌ من ذلك ؛ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( إذا سَمِعْتُم بالطاعون في أرضٍ فلا تدخلوها ، وإذا وقَعَ الطاعون بأرضٍ أنتم فيها فلا تخرجوا منها ) ، فرجع عمر بن الخطاب لما سمع الحديث ، وكان وقَّافًا عند كتاب الله وعند حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .

لما رجع اعترض سبيلَه رجلٌ يمثِّل أفكار جماهير المسلمين اليوم ، من هؤلاء الاتِّكاليين لا المتوكلين ، قال له : يا عمر ، أفِرارًا من قدر الله ؟! قال له : نعم ، فرارًا من قدر الله إلى قدر الله . وضرب له مثلًا على ذلك من أبدع الأمثلة ؛ قال : أرأيت إن كان لك ماشية بين عُدْوتي الوادي ، وكانت إحدى العُدْوتين مخضرَّة ، والأخرى مُجْدبة ، أكنتَ تراعاها في المجدبة أم في المخضرَّة ؟ قال : لا ، قد كنت أرعاها في المخضرَّة . قال : فأنتَ إن رعيتَها في المجدبة فبقدر الله ، وإن رعيتَها في المخضرَّة المخصبة فبقدر الله ، فنحن نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله ؛ لذلك هذا عمر الذي فَهِمَ هذه الحقيقة لما قال الرسول - عليه السلام - حينما سُئِلَ أنُّو هذا الذي يعمل الناس فيه من سعادة وشقاء ؛ هل هو بما سبق أم الأمر أُنُف ؟ قال : ( إنما الأمر فيما سبق ) . قال : فَفِيمَ العمل ؟ قال - عليه الصلاة والسلام - : ( اعملوا ؛ فكلٌّ ميسَّر لِمَا خُلِقَ له ، فمَن كان من أهل الجنة فسيعمل بعمل أهل الجنة ، ومَن كان من أهل النار فسيعمل بعمل أهل النار ) ، فَهِمَ عمر أن الله - عز وجل - بحكمته رَبَطَ المسبَّبات بأسبابها ، وأنه جعل لكل شيء سببًا ؛ فما دام أنُّو الجنة سببها العمل الصالح والإيمان كما قال - تعالى - : (( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) ؛ إذًا نعمل عملًا صالحًا ، إذا كنا نحن نريد نكون من أهل الجنة نعمل عملًا صالحًا ، وإلا فنعمل عملًا طالحًا ؛ فماذا كان جواب عمر لما قال الرسول - عليه السلام - : ( اعملوا ؛ فكلٌّ ميسَّر لِمَا خُلِقَ له ، فإن كان من أهل الجنة فسيعمل بعمل هل الجنة ) ؟ قال : إذًا نجتهد .

إذًا نجتهد ، المسلمون اليوم لا يفهمون هذا الفهم ، بل لسان حالهم يقول : إذًا نتواكل ، ما دام فريق في الجنة وفريق في السعير ؛ إن كنت من السعداء فلا يُضرُّني العمل السَّيِّئ ، وإن كنت من الأشقياء فلن ينفَعَني العلم الصالح ، هذا مَثَله مَثَل مَن يجوع ويعطش حتى يكاد يموت ، يقول : إن كان الله - عز وجل - كتب لي الموت فما فيه فائدة أكلت أو شربت ، هذه مكابرة ؛ لأنه يعلم أن الله - عز وجل - جعل ترك الأكل والشرب سبب للهلاك والدمار والموت ، وبالعكس ؛ جعل كما قال - تعالى - : (( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ )) ، فجعل الماء سبب الحياة ، فالذي يترك الأخذ بأسباب الحياة يموت ، وليس له أن يحتجَّ بالقدر ؛ لأنُّو من تمام القدر كما أشار عمر الأخذ بأسباب الحياة والنجاة .

المسلمون اليوم هذه العقيدة عقيدة القضاء والقدر التي كانت حافزةً للسلف الأول على العمل كما سمعتم من عمر بجوابه للرسول أوَّلًا : إذًا نجتهد ، وكما قال للسَّائل : أفرارًا من قدر الله ؟ قال : نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله ؛ هكذا فهم السلف الصالح ، أما الخلف الطَّالح فعكسوا هذا المفهوم الصالح إلى أنُّو ما فيه حاجة للعمل ، وإنما هو القدر .

إذًا نحن بحاجة إلى تصحيح المفاهيم التي أساءَ فهمَها جماهير المسلمين .

مواضيع متعلقة