كيف تكون " التصفية والتربية " في واقع المسلمين اليوم ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كيف تكون " التصفية والتربية " في واقع المسلمين اليوم ؟
A-
A=
A+
السائل : مرض المجتمع من حيث الشَّوائب ... المعتقدات العلاج هو تصفية الدين والتربية ؟

الشيخ : صح .

السائل : لكن مع الواقع اللي عم نعيشه هلق كيف السبيل ؟ مثلًا أنا حتى أصفِّي الدين بيلزمني أني أرجع إلى مجموعة مجلدات ، ومجموعة كتب وكذا ، وهذا لا يتسنَّى ... مع العمل ... ؟

الشيخ : هذا - أخي - بيرجع لبحثي السابق مع الأستاذ الفاضل الذي كان جالسًا هنا ؛ أنُّو كل واحد لازم ... فكان الجواب أنُّو في هناك فروض عينية وهناك فروض كفائية ، فليس من الواجب العيني على كلِّ فرد من أفراد المسلمين أن يكونوا علماء لا سيَّما علماء في كل شيء ، في الحديث في التفسير في الفقه في اللغة في في إلى آخره .

السائل : لكن ... .

الشيخ : لكن ، إذا سمحت .

السائل : عفوًا .

الشيخ : لكن واجب على كل مسلم أن يسعى ليتعرَّف على ما يجب عليه أن يتعرَّف عليه ، والناس في هذا كما في القرآن الكريم حيث جَعَلَهم طائفتَين : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، فالآية صريحة بأنَّ المسلمين المخاطبين بهذه الآية قسمان عالم وغير عالم ، فواجب غير العالم أن يسأل العالم ، وفي ذلك إيماء من الله - عز وجل - بأنه لا يجب على كلِّ فرد أن يكون عالمًا ، وإلا لَمَا أقَرَّ هذه الحقيقة وهذه القسمة العادلة ، على ذلك فنحن نقول لك : لا يجب عليك عينيًّا أن ترجع بقى وتدرس الإسلام وتنفض الكتب القديمة اللي بيسمُّوها الكتب الصفراء ، وفي هناك كتب ما هو أصفر من ذلك بكثير إن صح التعبير ؛ حيث هناك كتب مخطوطات رانَ عليها الغبار والعثار ، وعشَّش عليها العنكبوت يمكن مضى عليها عشرات إن لم أقل مئات السنين لم يُفتح منها كتاب !

نقول : لا يجب عليك هذا ، ولكن يجب عليك على الأقل إن لم تكن كما تريد أن تكون أي : عالمًا ؛ (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، وهذا حلُّ مشكلة ، ولا تؤاخذني ؛ لأنُّو من دعوتنا أن نكون صرحاء مع إخواننا جميعًا . أنا أستغرب مثل هذا السؤال الذي أسمعه بمناسبات شتى ، فأستنبط من مثله - أي : هذا السؤال - أن هناك تيار عايم شامل لأفكار طائفة كبيرة من الشباب أنُّو هدول السلفيين بدهم كل فرد من ثمان مئة مليون مسلم يكون أبو حنيفة زمانه في الفقه ، وبخاري زمانه في الحديث ، وسيبويه زمانه في النحو ، وإلى آخره ، لا والله هذا في المنام ما نراه ، وهذا أمر لا يمكن .

السائل : وأنا أعرف هذا ... يا أستاذ .

الشيخ : أنا ما أنا ما ألومك ، بل أقول : يجب أن تسأل ، لكن أنا أستغرب ما الذي يدفع على هذا السؤال سوى أنه في فكرة هنا قائمة ، وَهْم يعني ، أنُّو هدول السلفيين بدهم كل إنسان ، يا أخي ، نحن سلفيين مع الأسف الشديد دائمًا نتحدث مع إخواننا ونحثهم مثل الأستاذ " عيد عبَّاسي " و " علي خشان " وغيرهم يا أخي تفرَّغوا لنا للعلم ، ما في عندنا ناس يعني يُلجأ إليهم الذين يتبنَّون المبدأ هذا فضلًا عن غيرهم ، فنحن ما فينا هالأشخاص اللي أنت عم تقول إذًا أنا لازم أفعل كذا وكذا ، فيجب أن يكون هناك طائفة كما في القرآن الكريم ، طائفة يتفقَّهون في الدين مش كل الأفراد ، لكن التقصير الآن الذي يحصل في الواقع ليس هو أنك لم تدرس الفقه على الوجوه وعلى المذاهب وأدلة كلِّ قول ، وما أكثر الأقوال ، وإنما اللَّوم إن كان هناك لوم عليك هو أنك قانع إما بما قرأته في المدرسة الابتدائية وشوية معلومات هيك سريعة ، أو بكلية الشريعة مسألة مشرَّقة ومسألة مغرِّبة ، ما يأخذ فقه متسلسل باب الصلاة - مثلًا - أو الطهارة أو النكاح ... بجميع أحكامه ، ولو أخذته تأخذه كمذهب حنفي هو الغالب في هذه البلاد في زمن الخلافة العثمانية ، وتوارثنا ذلك إلى عهد قريب ، والآن بدأ خليط مليط شوية فقه حنفي ، شوية فقه شافعي إلى آخره .

هذا إن كان عندك دراسة قنعت بهذا ، تسمع صوت جديد للشَّيخ فلان - مثلًا - في بلدك أو في غير بلدك يقول : المسألة الفلانية يجب الأخذ بها ؛ لأن الرسول قال كذا وكذا ، لا تلقي لذلك بالًا ، أنتم ما تفهموا أنُّو أنا أعنيك بشخصك ؛ لأنُّو لا مؤاخذة ما سبق أن اجتمعت بك وعرفتك ، لكن هذا واقع أكثر شبابنا المسلمين ، تسمع أنُّو العقيدة الفلانية يتبرَّأ منها الإسلام ، بل هي وثنية وشرك وضلال لا تهتم بذلك ، وهناك جنس آخر يقول : بحث هذه المسائل أمور تفرِّق الصَّفَّ ، فنستغرب أيُّ صفٍّ هذا والمسلمون متفرِّقون ؟! ليس هناك تفرُّق أكثر من هذا التفرُّق في الواقع ؛ لذلك فالطريق كما قلنا أن نبدأ بـ " التصفية والتربية " معًا ، لكن هذا ليس بالواجب على كل إنسان يكون عالم ، لكن كما قيل في بعض الآثار عن السلف الصالح : " كن عالمًا أو متعلِّمًا أو مستمعًا ، ولا تكن الرابعة فتهلك " ، أكثر الشباب المسلم اليوم الواعي - دَعْك والعامة - ما يتفقَّه في الدين ، ما يسأل .

السائل : شو هي الرابعة سيدي ؟

الشيخ : نعم .

السائل : شو هي الرابعة ؟

الشيخ : يعني لا عالم ولا متعلِّم ولا مستمع ؛ يعني عايش هَمَلًا هكذا في الحياة .

السائل : لا ... درجتين لسَّا .

الشيخ : يعني خمسة ؟

السائل : ... لَكان ، كن عالمًا أو متعلِّمًا أو مستمعًا أو محبًّا ، ولا تكن الخامسة فتهلك .

الشيخ : هَيْ حاشية يعني هيك ؟

سائل آخر : رواية .

السائل : هَيْ أنا أحفظها .

سائل آخر : أو متَّبعًا .

الشيخ : على كل حال ليس حديثًا .

الغرض - يا أستاذ - خلاصة القول : أنُّو من استطاع أن يحقِّق فهو واجب يقوم به ويدعو الناس إليه ، ومَن لم يستطع (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، هذه عقيدتنا .

السائل : ... سؤال أنُّو أهل الذكر اليوم أنا في عندي في بلدي عشرات المشائخ ؛ ما يُعتبرون أهل الذكر ؟

الشيخ : كيف ؟ هذا يحتاج إلى بحث .

السائل : نعم .

الشيخ : وهذه فرصة في الواقع طيِّبة حين قال - تعالى - : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ )) ؛ تُرى عنى بأهل الذكر يعني أهل الرقص في الذكر ؟ طبعًا أنت ستقول بسرعة : لا . طيب ، إذًا بدنا نمشي خطوة ثانية ، الأمر السلبي ليس علمًا ... فلما بتقول لي جواب عن سؤالي : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ )) يعني أهل الرقص في الذكر هم ؟ تقول لي : لا . أجبت ، لكن ليس في هذا الجواب علم ، إلى أن تقول : أهل الذكر هم هؤلاء ، من هم ؟ نسمع منك أو تسمع مني كما تشاء يعني ؛ فهل تريد أن تجيب أم أجيب أنا ؟

السائل : تفضل .

الشيخ : طيب .

السائل : أعرفهم أهل السنة .

الشيخ : أنا بأقول : أهل الذكر هم أهل القرآن ، والرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول : ( أهل القرآن هم أهل الله وخاصَّته ) ، وإذا كان أهل الذكر هنا أهل القرآن ولو مع هذه الفضيلة التي ذَكَرَها الرسول في الحديث الصحيح هم خاصَّة الله ، فأهل الذكر هم أهل القرآن ؛ لأن الله يقول : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ )) ، وقطعًا الذكر هنا هو القرآن الكريم ، والقرآن يفسِّر بعضه بعضًا كما هو من أصول علم التفسير كما بيَّن ذلك العلماء ، وبخاصَّة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في " مقدمة التفسير " رسالة له ، إذًا فأهل الذكر هم أهل القرآن ، لكن هل يعني أهل الذكر هم أهل القرآن فقط ؟ أي : هل يكون العالم بالقرآن فقط هو عالمًا وهو من الجنس الذي أحالَ الله الجُهَّال إليهم في الآية السابقة : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) أم هناك شيء آخر ؟

هناك بلا شك شيء آخر أجبت أنت بجواب مختصر حين قلت : هم أهل السنة ، لكن يجب أن نعرف ما الحجَّة على هذا الكلام أهل السنة ؟ قال - تعالى - : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ؛ إذًا هذه الآية لنا فيها دليلان على مسألتين ؛ إحداهما يتعلَّق بالجواب عن سؤالنا السابق أهل الذكر ، قال هنا : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ )) ، وفي الآية الأخرى : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ )) ، ففي كلٍّ من هذه وهذه المقصود بالذكر قطعًا هو القرآن ، إذًا أخذنا دليلًا آخر من هذه الآية على أنُّو أهل الذكر هم أهل القرآن . طيب ، السنة من أين جئنا بها ؟ من تمام الآية السّابقة : (( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ؛ إذًا أهل الذكر هم أهل القرآن والسنة مش القرآن وحده .

أنا أعتقد جازمًا بدون أيِّ شك أو ريب مَن أراد أن يتمسَّك بالقرآن وحدَه ويجعله إسلامًا فليس مسلمًا ؛ لأنه لا يؤمن بالقرآن ، والقرآن يأمرنا باتباع الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ويصفه بأنه أُنزِلَ عليه القرآن لِيُبيِّنه للناس ؛ فإذًا أهل الذكر هم الذين يجمعون بين القرآن وبين السنة ، لكن هنا ضميمة من عندي بيانًا للحقيقة والواقع ، من هم أهل السنة ؟ سَيُقال أهل الحديث يعني العارفين بالحديث ، لكن هل كل أهل الحديث هم أهل السنة ؟ جوابي قد يكون فيه شيء من الغرابة ، أقول : ليس كل أهل الحديث هم أهل السنة ؛ ذلك لِمَا هو معلوم عند الجميع لكن الناس غافلون عن هذه الحقائق أن السنة كما قلنا سابقًا قد دَخَلَ فيها ما ليس منها ، وعلماء الحديث من حيث هذه الحقيقة المرَّة وهي أنه دخل في السنة ما ليس منها طائفتان ، طائفة - وهي الأغلبية الساحقة من علماء الحديث - تروي ما هبَّ ودبَّ ، حسبُ أحدهم أن يقول : حدثني فلان ، قال : حدثني فلان ، قال : حدثني فلان ، إلى أن يصل إلى الرسول - عليه السلام - ، وفي هذه السلسلة رجل كما قيل عن بعضهم : " لو شَهِدَ على بقلة لم تُقبَلْ شهادته " !! فما فائدة هذه السلسلة إذا ما انقطعت عند مَن يشهد على بقلة لا تُقبل شهادته ؟! هذا شأن أكثر المحدِّثين المعروفين ، والقليل منهم هم المحدِّثون النَّقَّادون مثل البخاري ومسلم والإمام أحمد ويحيى بن معين وغيره ، هؤلاء هم أهل الذكر ، هذا النوع الثاني هم أهل الذكر ؛ لذلك ونحن ندعو للكتاب والسنة وإلى العمل بالحديث نريد أن نصفِّي هذا الحديث حتى ما نقدِّم للناس داءً باسم الدواء ، نقدِّم إليه حديث عن رسول الله وهو مفترى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقدَّمت إليه في الظاهر دواءً وهو في الحقيقة داء ، وأكثر الأحاديث ، عفوًا ، الكثير من الأحاديث التي تتداولها الألسنة والخطباء والوعاظ إلى آخره تدور بين حديث ضعيف وموضوع .

إذًا واجب مَن يريد أن يكون من أهل الذكر ليس أن يفهم القرآن فقط ، بل وأن يدرس السنة ، وأصعب العلوم علوم الشريعة كلها دراسةً هو علم الحديث ؛ لِمَا فيه من طرق وأسانيد وتراجم رجال ، منذ عهد قريب وقفت على نقل عن بعض الكُتَّاب الغربيين يقول ويمجِّد للمسلمين فيقول : إن عند المسلمين علم الجرح والتعديل تفرَّدوا به في عهد التاريخ كله دون الأمم كلها ، فعندهم ترجمة - والله ما عاد أذكر الآن أكثر من أربعين ألف خمسين - لا والله أكثر بكثير - ترجمة ، يقول لعلمائهم أكثر من أربعين خمسين ألف ترجمة ... .

مواضيع متعلقة