يقال : إن الداعية الى الإسلام لا بد أن لا يكون متشدِّدًا في أمور السنة ، وأن يتجنَّب الأمور التي تثير الفتنة ؛ فهل هذا صحيح ؟ وكيف نوفِّق بين هذا وبين الحرص على السنة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
يقال : إن الداعية الى الإسلام لا بد أن لا يكون متشدِّدًا في أمور السنة ، وأن يتجنَّب الأمور التي تثير الفتنة ؛ فهل هذا صحيح ؟ وكيف نوفِّق بين هذا وبين الحرص على السنة ؟
A-
A=
A+
عيد عباسي : يُقال بأن الداعية إلى الإسلام يجب أن لا يكون متشدِّدًا بأمور السنة ، وأن يتجنَّب أكثر ما يمكن التي تثير الأمور ... .

الشيخ : شو أوَّلًا ؟ يخالف ؟

عيد عباسي : يُقال بأن الداعية إلى الإسلام يجب أن لا يكون متشدِّدًا بأمور السنة . وأنه يجب أن يكون له سياسة بعيدة تقريبًا عن السنة فهل هذا صحيح ومفيد في أمور الدعوة ؟ وإن كان كذلك ؛ فهل يجوز لنا اتِّباعه ؟ وكيف التوفيق بينه وبين السنة ؟

الشيخ : وبين ؟

السائل : الحرص على السنة يعني .

الشيخ : الحقيقة أن السنة لا سيَّما في معناها العام فلا يجوز لمسلم أن يعرض عنها ولو مؤقَّتًا ، المسلم لا سيَّما إذا كان يقول أو يُقال عنه إنه داعية ؛ فيجب أن يدعو إلى الإسلام ، الإسلام كلًّا لا يتجزَّأ ، أن يبيِّن للناس كل ما يتعلق بالإسلام ، لكن الأمر كما قيل :

" العلم إن طلبْتَه كثيرُ

والعمرُ عن تحصيلِه قصيرُ

فقدِّمِ الأهمَّ منه فالأهمَّ "

أن يهتم الداعية بالدعوة إلى أهمِّ شيء ، ثم الذي يليه وهكذا ، ولكن إذا كان في مناسبةٍ ما بَدَتْ له خطيئة من بعض الناس تُخالف الشريعة في بعض الأحكام التي ليست من أصول الشريعة ، لكن الوقت وقت بيان ووقت أمر بمعروف ونهي عن منكر ؛ فلا يجوز له أن يكتمَ ذلك باسم السياسة ، وإنما يدعو إلى السنة التي يعرِفُها في تلك المناسبة ، ولكن كما قال الله - عز وجل - : (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) ، فما قال الله - عز وجل - ادع إلى شيء واترك شيئًا ، وإنما أَمَرَ بالدعوة بالحكمة والموعظة وبالتي هي أحسن .

فمثلًا إذا كان هناك إنسان يصلي في مسجد ، فرأى بجانبه شابًّا في مقتبل العمر يصلي وهو متختِّم بخاتم الذهب ، فقد يرى بعض الناس من السياسة في الدعوة أن يسكت وأن لا ينصح هذا المصلِّي لهذه المخالفة ؛ فهذا من السياسة الشرعية ، ومتى ينصحه يا تُرى وهو قد يفوته ولا يراه مرَّة أخرى ؟ لذلك والمسألة والصور تتعدَّد وتتكرَّر ، وخاصَّة من الشخص كما قلت في أول الجواب : إذا كان قد نَصَبَ نفسه للدعوة إلى الإسلام ، فهو لا يجوز أن يدعو إلى بعض الإسلام ويترك البعض الآخر ، لكن يجب أن يهتمَّ بالأهمِّ فالأهمِّ هذا لا بد منه ، لكن يرى المنكر ويسكت عنه ليوم ويومين وثلاثة وأربعة والشهر والشهرين بزعم أن هذه من سياسة الدعوة ؛ فلم يكن الأمر كذلك في عهد الرسول - عليه السلام - ولا في عهد السلف الصالح ، وإنما القاعدة في ذلك من ناحيتين ؛ من حيث الأسلوب فقد سمعتم الآية السابقة ، ومن حيث عموم الأمر فهو شامل لكل شيء ؛ لأن هناك نصوص كثيرة جدًّا ، ومن أشهرها ما هو معروف لدينا جميعًا : ( مَن رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده ؛ فإن لم يستطع فَبِلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبِه ، وذلك أضعف الإيمان ) .

رأى منكرًا لم يستطع تغييره بيده ، فينزل إلى المرتبة الثانية ؛ يغيِّر ذلك المنكر بلسانه بالتي هي أحسن كما في الآية السابقة ، إن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ، ما قال : إن اقتضت حكمة الدعوة أو سياسة الدعوة تسكت ؛ لا ، قال : إن استطعت ، فما دمت تستطيع أن تغيِّر المنكر مهما كان ما دام أنه كما جاء في السؤال مخالف للسنة فعلينا البيان ، ثم (( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ )) .

الواقع أن المشكلة ليست مشكلة تفريق ... الإسلام وجعله قسمين ؛ قسم ندعو إليه عاجلًا ، وقسم آخر ندعو إليه أجلًا أو لا ندعو إليه بتاتًا ؛ ليست هذه المشكلة ؛ لا سيَّما أنه ليس هناك كتاب مصنَّف في بيان الإسلام الذي يجب أن ندعو إليه عاجلًا والإسلام الذي يجب أن ندعو إليه آجلًا أو لا ندعو إليه مطلقًا بزعم هيك سياسة الدعوة تقتضي ، ليس هناك كتاب ، ولا يمكن أن يوجد مثل هذا الكتاب ؛ فهذا الذي يزعم ويريد أن يقسم الإسلام إلى قسمين ؛ قسم ندعو إليه مباشرةً ، وقسم نؤجِّل أو نُنسِئ ؛ فمن أين له هذا التقسيم ؟ وما دليله ؟ هذا في الواقع ينبغي أن يكون من أكبر علماء المسلمين حتى قد يُسمح له بهذا التقسيم ؛ فأين هؤلاء ؟ نحن نعرف الذين يتولَّون الدعوة لا يعرفون من الإسلام إلا شيئًا قليلًا ، ثم هم أنفسهم يخالفون هذه القاعدة .

أنا أقولها صريحةً : الذين نظريًّا يدعون إلى تقسيم الإسلام إلى قسمين قسم هام يُبدأ به ، وآخر لا يشغل به ؛ نحن نعرف أن هؤلاء يدعون إلى أمور قد لا تكون من الإسلام في شيء مطلقًا فضلًا عن أن تكون من الإسلام الذي هو من القسم الأول الهام . ونحن تكلمنا في هذا كثيرًا وكثيرًا ؛ ولذلك نقتصر على هذا ، وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .

مواضيع متعلقة