الدعوة السلفية من منهجها توقير الأئمة والعلماء وإجلالهم ، وأن أقوال العلماء وسيلة لمعرفة الحق لا غاية ، والكلام على الإلهام عند الصوفية . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الدعوة السلفية من منهجها توقير الأئمة والعلماء وإجلالهم ، وأن أقوال العلماء وسيلة لمعرفة الحق لا غاية ، والكلام على الإلهام عند الصوفية .
A-
A=
A+
الشيخ : نحن حينما نوقِّر الأئمة ونعظِّمهم لعلمِنا بأنهم هداة ودعاة إلى هذا الذي نحن ندعو إليه من الكتاب والسنة ، وبالنظر إلى أنهم وسائط بيننا وبين نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فإننا لا نعتقد أن هناك طريقًا لطلب العلم سوى الطريق الذي يعرفه كلُّ الناس ؛ وهو أن يتلقَّى الجاهلُ العلمَ عن العالم ، فليس لدينا طريق يدَّعيه بعض المنتسبين إلى بعض الطرق الصوفية أنه يمكن للإنسان لو كان أمِّيًّا لا يقرأ ولا يكتب أن يتلقَّى العلم بغير هذا الطريق المُتَّبع في تلقي العلم ، وهو ما يسمُّونه بالإلهام .

الإلهام عند كثير من الصوفية يكاد يشبه الوحي ، ومن المؤسف أن نذكر هذه الحقيقة المرة ؛ وهي أن الإمام " الغزَّالي " يذكر شيئًا من هذا الطريق الإلهامي في أول كتابه " إحياء علوم الدين " ، فيذكر " أن الإنسان مع مجاهدته لنفسه ومراقبته لربِّه ومناجاته إياه في خَلَوَاته يمكن أن يتلقَّى من الإلهام علمَ ما لم يعلم " ، ويذكر هو وغيره طريقة خاصَّة ؛ أن يجلس في غرفة مظلمة ، وأن يضع رأسه على ركبتيه ، وأن يُغمض عينيه ، ويجلس هكذا في ظلمات ثلاث ، ظلمة الغرفة وظلمة غمض العين وظلمة المشرب نفسه والاتجاه الذي يتَّجه فيه على خلاف تلقِّي العلم ، فيترقَّب أن ينزل عليه شيء من الوحي الذي يسمُّونه بالإلهام ، من هنا جاءت عبارة يردِّدها كثير من الصوفية المتقدِّمين منهم والمتأخِّرين ، وهي قولهم : " حدَّثني قلبي عن ربِّي " ، لا يقول أحدهم كما يقول أئمة الحديث : حدثني فلان عن فلان ، ولا يقول أحدهم كما يقول علماء الفقه : قال فلان في كتابه عن فلان ، وإنما فورًا يقول : حدثني قلبي عن ربي ؛ أيضًا هذا مجال للبحث طويل لا أريد أن أخوض فيه ؛ لأنني في صدد بيان نقطة الاختلاف بيننا نحن السلفيين الذين نشترك مع جماهير المسلمين في تفضيل الأئمة واحترامهم .

نفترق في هذه النقطة ؛ نحن نعتبر الأئمة وسائل ووسطاء لِيُبلِّغونا العلم عن الله ورسوله ؛ فنحن لا نتَّبعهم لذواتهم ، ولا نجعل اتِّباعنا إياهم غايةً من غايتنا ؛ لأن الغاية الوحيدة هي أن نعرف ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مما أيَّدَه ربُّه عليه في كتابه أو بيَّنه هو - عليه الصلاة والسلام - في سنَّته ، فهؤلاء العلماء الأجلَّاء نحن نتخذهم وسائط لِيُبلِّغونا دعوة الكتاب والسنة ، أما الجماهير من الذين يشتركون معنا في تقدير العلماء هؤلاء واحترامهم ؛ فهم قَلَبُوا هذه الحقيقة ، وجعلوا اتباع العلماء - إن صح إطلاقنا هذه اللفظة فيهم - جعلوا اتباعهم إنما هم جعلوا تقليدهم لهؤلاء الأئمة هي الغاية ، والدليل قال : " وبضدها تتبيَّن الأشياء " ، الدليل أن كلًّا منهم رَضِيَ بإمام وتمسَّك بكل أقواله ، ولا يتمسَّك بشيء من أقوال الأئمة الأخرين وهي أكثر وأكثر ؛ لأن قول أئمة ثلاثة أو لأن أقوال أئمة ثلاثة هي بلا شك أكثر وأكثر من أقوال إمام واحد ؛ فلذلك فكل مقلِّد لإمام من هؤلاء الأئمة فهو خاسر أكثر ممَّا ربح من تقليده وفي القسم الذي أصاب الإمامُ الحقَّ في ذاك الذي يقلِّده هذا المقلد .

أما نحن فقد عرفنا منزلة الأئمة في علمهم من جهة ، وعرفنا أنهم وسائل ووسائط ليسوا مقصودين بالذات في الاتباع كما هم بيَّنوا ذلك بوضوح في تلك الأقوال التي أشرنا إليها من مقدمة كتابنا " صفة الصلاة " ، فهم يقولون - مثلًا - لأتباعهم وأصحابهم : " خذوا من حيث أخذنا " ، فـ " خذوا من حيث أخذنا " تأكيد لهذا الذي نقول أنهم ليسوا مقصودين بالاتباع ، وإنما المقصود بالاتباع هو الله ثم رسول الله ، وهو - عليه الصلاة والسلام - الوحيد الذي يجب اتباعه دون سائر الناس ، وهو النبيُّ الوحيد الذي جَعَلَ اللهُ - عز وجل - اتباعه دليلًا أو الدليل لمحبَّة الله - عز وجل - كما في الآية المشهورة : (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )) .

مواضيع متعلقة