تتمة شرح حديث أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط رضي الله عنهم : ( ... فَيَقُولُ خَيْرًا، أَوْ يَنْمِي خَيْرًا ). - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تتمة شرح حديث أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط رضي الله عنهم : ( ... فَيَقُولُ خَيْرًا، أَوْ يَنْمِي خَيْرًا ).
A-
A=
A+
الشيخ : كان آخر حديث قرأناه في الدرس الماضي حديث : ( لَيس الكَذَّابُ الَّذِي يُصلِحُ بَينَ النَّاس ) وبقيت علينا جملة لم نتكلم عليها ولذلك فلا بد من إعادة قراءة نص الحديث ثم الوقوف عند الجملة المشار إليها : هذا الحديث رواه المصنف - رحمه الله - كما كنا ذكرنا من طريق أم كلثوم ابنة عقبة ابن أبي مُعيط أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : ( لَيسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصلِحُ بَينَ النَّاسِ ، فَيَقُولُ خَيرًا ، أَو يَنمِي خَيرًا ) .فتكلمنا عن الكذب في سبيل الإصلاح بين اثنين بما تيسر يومئذ ، ففي هذا الكذب يقول هنا في الحديث : ( يقول خيرًا أو يَنمي خيرًا ) والواقع أن الشاهد في هذا الحديث في جواز الكذب للإصلاح بين الناس إنما هو في قوله : ( أو يَنمي خيرًا ) ليس في قوله : ( فيقول خيرًا ) لأن قول الإنسان الخير أمر مشروع وفيه كل خير فلا غرابة فيه أن يقول الإنسان خيرًا أي : مطابقًا للواقع في سبيل الإصلاح بين اثنين ، وإنما الذي قد يُستغرب بادئ الرأي هو ما جاء في هذا الحديث بعد قوله : ( فيقول خيرًا أو يَنمي خيرًا ) أي يزيد في كلامه أي : كما قلنا في الدرس الماضي : ما يخالف الواقع ، كأن يقول : إن فلان يحبُّك ليش أنت نافرٌ منه ، وما يشبه هذا الكلام ، والواقع أنه ما في هذه المحبة ولكن هو يزيد في الكلام في سبيل تقريب القلوب النافرة بعضها من بعض ، والجملة التي لا بد من الكلام عليها بعض الشيء هو تمام قولها راوية الحديث أم كلثوم : ( قَالَتْ : وَلَم أَسمَعْهُ ) يعني هي لم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ( يُرَخِّصُ فِي شَيءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ مِنَ الكذب إلا في ثلاث : الإِصلَاحِ بَينَ النَّاسِ ، وَحَدِيثِ الرَّجُلِ امرأته ، وحديثِ المَرأَةِ زوجَها ) بهذا ينتهي الحديث .فقولها : ولم أسمعه يرخص فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ مِنَ الكذب : فيه إشارة إلى أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يحرِّم الكذب تحريمًا عامًا ، وأنه لا يستثني منه شيئًا يُرخص فيه إلا في هذه الأمور الثلاثة وهي : أوَّلًا : الإصلاح بين الناس كما سبق في الجملة الأولى .

وثانيًا : حديث الرجل امرأته وحديث المراة زوجها ، هنا شيء لا بد من توضيحه لأن الناس يريدون أن يتعلقوا ولو بأضعف وسيلة ليستحلوا ما حرم الله عزوجل من الكذب بأدنى حيلة فهذا الحديث يقول : إن حديث الرجل امرأته هو من الكذب الجائز ، وحديث المرأة زوجها - أيضًا - من الحديث من الكذب الجائز ، وهذا الاستثناء المذكور في هذا الحديث هو بلا شك أمر متفق عليه بين العلماء لثبوت الحديث في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - . لكنهم اختلفوا في تحديد هذا الحديث الذي يتحدث به الرجل مع زوجته والزوجة مع زوجها يتحدث حديثًا كاذبًا أو فيه كذب ، ما هي الحدود التي يجوز للرجل أن يكذب في حديثه على امراته والمرأة التي يجوز لها أن تكذب في حديثها مع زوجها . لاشك أن الأمر فيه دقة ، وأنا أقول كلمة فاصلة : يجب على كل من الزوجين أن يلتزما في حديثه مع الآخر الصدق في كل شيء وأن لا يترخص بهذه الرخصة على الرغم من مجيء الحديث بها لأن الأمر فيه ريبة ، أي : الريبة تأتي من جهة أنه ليس من السهل أن يتمكن كل زوج فضلًا عن كل زوجة أن تحدد الكذب الذي رخص الشارع الحكيم له أو لها به ، فقد قلنا آنفًا : لقد اتفقوا على جواز هذا النوع من الكذب بين الزوجين لكن اختلفوا في التحديد ، لذلك فالعزم والحزم أن يبتعد كل من الزوجين عن هذا الترخص لدقة الأمر ومن باب قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إنَّ الحلال بيِّن ، والحرام بيِّن ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس ، فَمَن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) ، فالرجل والمرأة كل من الزوجين إذا اعتادا دائمًا وأبدًا أن يأخذ في حديثه بالصدق فقد أخذ بالحيطة لدينه ، وابتعد عن الشبهات فيه ، ويؤكد ذلك - أيضًا - قوله - عليه السلام - : ( دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك ) .

مواضيع متعلقة