تتمة شرح حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( ... وحامل القرآن غير الغالي فيه ... ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تتمة شرح حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( ... وحامل القرآن غير الغالي فيه ... ) .
A-
A=
A+
الشيخ : ثم يتابع في هذا الحديث فوائد أخرى فيقول : ( وحامل القرآن ) أي : من تعظيم الله - عز وجل - وتبجيله أن يكرم المسلم حامل القرآن حافظَ القرآن سواء كان صغير السن أو كبيره ، بل إذا كان حاملًا للقرآن وكبير السن فقد اجتمع فيه سببان لتعظيمه : السبب الأول : كونه يحفظ القرآن .والسبب الثاني : كونه شيخًا مسنًّا . فالجملة الأولى من الحديث فيها حض على إكرام صاحب السن الكبير بغض النظر عن الصفات الأخرى . والجملة الثانية فيها حض على إكرام حامل القرآن وحامل القرآن كناية عن حافظ القرآن ، وليس المقصود بحافظ القرآن الذي يتلوه فقط وإنما المقصود ما هو أخص وأعظم من ذلك وهو الذي يحفظ القرآن ، ولكن هل كل حافظ للقرآن يستحق هذا الإجلال والإكرام الذي ذكره الرسول - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث وجعل هذا الإكرام من إكرام الله - عز وجل - وإجلاله .هل كل حامل للقرآن يستحق مثل هذا الإجلال والإكرام ؟ الجواب : لا ، وذلك ما بينه - عليه الصلاة والسلام - بقوله : ( غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ) : فهاتان صفتان إذا توفرتا في حامل القرآن استحقَّ إجلال المسلمين له لحمله وحفظه للقرآن ، ما هما هاتان الصفتان ؟ الصفة الأولى : ( غير الجافي عنه ولا الغالي فيه ) : شو معنى الغالي فيه والجافي عنه ؟ الغالي فيه هو الذي يُحمل القرآن من المعاني والأحكام ما لا يتحمله ، وهذا شأن المبتدعة قديمًا وحديثًا ، لا سيما فيما يتعلق بعلم الكلام وبخاصة منه ما يتعلق بصفات الله - عز وجل - ، فهؤلاء يحمِّلون الآيات القرآنية المتعلقة بكثير من الأمور الغيبية ومنها الصفات الإلهية يُحمِّلون كل تلك الآيات ما لا تتحمل من المعاني ، فهذا غلو وهذا بحث له علاقة بعلم التوحيد ولكن لا بأس مِن أَن نضرب على ذلك مثلًا ، وهذا المثل له علاقة بعقيدة جماهير المسلمين اليوم الذين انحرفوا فيها عن عقيدة السلف الصالح ، فطالب العلم اليوم لا يكاد يفتح كتابًا مِن كُتِب التفسير لِيطّلع على معنى قول الله - تبارك وتعالى - في أكثر من آية واحدة : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، (( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) ونحو ذلك لا يكاد يفتح كتابًا من كتب التفسير ليفهم معنى هذا الاستواء المنسوب إلى الله - تبارك وتعالى - ، وإذا به يجد جماهير هذه الكتب تفسّر استوى بمعنى استولى ، عِلمًا بأن السلف - رضي الله عنهم - إنما فسروا استوى بمعنى استعلى كما ذكره الإمام البخاري في صحيحه عن بعضهم وفي ظني أنه عطاء ، وذكر ذلك الإمام الذهبي في رسالته الخاصة في هذه المسألة الهامة وهي التي سمَّاها بـ " العلو للعلي الغفار " هذه رسالة خاصة ينبغي لكل طالب علم حريص على تصحيح عقائده بصورة عامَّة وتصحيح فهمه لهذه الآية بصورة خاصة أن يرجع إلى هذه الرسالة " العلو للعلي الغفار " للحافظ الذهبي ، ولأهمية هذه الرسالة كنت اختصرتها بنفسي وعلَّقت عليها بعض التعاليق المفيدة وخرّجت أحاديثها وخرّجت منها ورميت بها ما لا يصح نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ففي هذه الرسالة وغيرها من الرسائل السلفية نجد أنَّ علماء السلف لا يعرفون استوى بمعنى استولى ، وإنما استوى بمعنى استعلى ، وهذا التفسير مع كونه صحيحًا فهو الذي يلتقي مع كل الآيات وكل الأحاديث التي تتفق جميعًا على إثبات صِفة العلو لله - تبارك وتعالى - ، من ذلك مثلًا آية واحدة أَذكرها الآن فإنها تصف عباد الله - تبارك وتعالى - الرحمن بقوله : (( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ )) : فإذا نظرنا إلى عالمنا الإسلامي اليوم لوجدناه إذا كان فيهم خائفون وجلون من الله - عز وجل - فإنهم يخافونه ليس هكذا كما وصف الله عباده بقوله : (( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ )) ، وإنما هم يخافونه معتقدين أنه في كل مكان ، ونسمع هذا في كل مكان وفي كل زمان ، الله موجود في كل مكان ، الله موجود في كل الوجود ، الله فوق المخلوقات كلها ، هذه العقيدة هي العقيدة الصحيحة ، أما الاعتقاد بأن الله في كل مكان وأنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا داخل العالم ولا خارجه فكل هذه الآراء هي من الغلو والمجافاة لله - عز وجل - في تفسير كتابه - تبارك وتعالى - .

مواضيع متعلقة