تتمة لباب : - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تتمة لباب :
A-
A=
A+
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، أما بعد :

فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

لا نزال في باب : " مَن زار قومًا أو طعم عندهم " ، وقد كنا قرأنا الحديث الأول والحديث الثاني مِن الباب . والآن حديثنا اليوم الذي رواه المصنِّف بإسناده الصحيح . عن عبد الله بن عمر : ( قال : وجد عمر حلة استبرق ، فأتى بها النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : اشتر هذه والبسها عند الجمعة ، أو حين تقدم عليك الوفود ، فقال - عليه السلام - : إنما يلبسها مَن لا خلاق له في الآخرة ) . وتمام الحديث : ( فأتي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بحُلل فأرسل إلى عمر بحلة ، وإلى أسامة بحلة ، وإلى علي بحلة ، فقال عمر : يا رسول الله أرسلتَ بها إليَّ لقد سمعتك تقول فيها ما قلتَ ، فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : تبيعها أو تقضي بها حاجتك ) : هذا الحديث فيه قضيتان : القضية الأولى : تتعلق بين الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وبين عمر حيث رأى عمر حُلة تباع في السوق مِن حرير ، ولعلي ذكرت في الدرس الماضي أن الحُلَّة هما ثوبان وبالتعبير العصري اليوم : طقم . فأتى عمر بها النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وعرض عليه أن يشتري هذه الحلة ليتزين بها ويلبسها يوم الجمعة أو حينما يستقبل الوفود القادمين عليه ، فاعتذر الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - عن شرائها بقوله : ( إنَّما يلبسها مَن لا خلاقَ له في الآخرة ) : إنما يلبس ثوبَ الحرير من لا خلاق له في الآخرة ، لا خلاق له في الآخرة يعني : لا نصيب له ، لا حظ له في الآخرة ، وهذا يحتاج إلى شيء مِن البيان لأن ظاهر الحديث : لا حظَّ له في الآخرة بمعنى أنه لا يدخل الجنة ، الذي يلبس الحرير من الرجال لا خلاق له في الآخرة أي : لا يدخل الجنة ، فما معنى الحديث وهل هو على ظاهره أم له معنى آخر ؟ !الجواب : هناك أحاديث أصرح مِن هذا الحديث في نفي دخول مسلم الجنة لسبب ارتكابه معصيةً ما ، مثلًا قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا يدخلُ الجنةَ ديوث ) ، ( لا يدخل الجنة عاق لوالديه ) ، ( لا يدخل الجنة قتَّات ) يعني نمام وأظن هذا الحديث مرَّ بنا ، والأحاديث على هذا النسق كثيرة وعديدة ، وقد كنا ذكرنا في درسٍ مضى تأويل أو أقوال العلماء في تفسير أمثال هذه الأحاديث : ( لا يدخل الجنة قتات ) نمام إلى آخر ما ذكرنا من الأمثلة ، هل معنى ذلك أنه كفر بهذا العمل ، هل خرج من الدين بسبب هذه المعصية حتى لا يدخل الجنة ؟ !كنا ذكرنا أن معنى هذا الحديث وأمثاله : ( لا يدخل الجنة قتات ) نمام وغيره له تآويل عديدة : أول تأويل : لا يدخل الجنة مطلقًا إذا استحلَّ هذه المعصية استحلالًا قلبيًّا لا يدخل الجنة قتات نمام مطلقًا إذا كان يستحل هذه المعصية بقلبه وليس بفعله فقط ، يعني يقول كما يقول كثير من الناس اليوم ممن أيضًا لا خلاق لهم يقول لك : بلا حلال بلا حرام ، من اليوم ليوم الله فرج ، هذا معناه أنه رجل لا بيحلل ولا بيحرم ، فمن أتى معصية من المعاصي مهما كان شأن هذه المعصية غير مبالي بارتكابها ، غير شاعر في نفسه بإنه عاصي لربه وإنما هو لما بيرتكب هذه المعصية ارتكبها وقد استحلها بقلبه ، فهذا لا يدخل الجنة مطلقًا ، هذا التفسير الأول وعليه يُحمل ظاهر الحديث . التفسير الثاني : لا يدخل الجنة هذا الجنس من الناس إذا لم يستحل هذه المعصية بقلبه لا يدخل الجنة مع السابقين الأولين ، هذا معنى الحديث ، لا يدخل الجنة مَن استغاب الناس ، هو يدخل الجنة ولكن متأخرًا عن السابقين الأولين ، لماذا ؟ لأنه سيحاسب على معصيته ، فإما أن يُغفر له بسبب من الأسباب الكثيرة التي شرعها الله - عز وجل - لعباده رحمة بهم ، وإما ألا يغفرها الله له فيدخل النار فيعذَّب بقدر ما يستحقُّ مِن العذاب ثم بعد ذلك يخرج من النار ويدخل الجنة ، فإذًا كل حديث فيه نفي دخول الجنة عن مسلم ما بِسبب معصية ما يجب حمل هذا الحديث على معنى مِن ثلاث معاني : لا يدخل الجنة من فعل كذا مستحلًا له بقلبه . المعنى الثاني : لا يدخل الجنة مع السابقين الأولين وإنما بعد زمن . المعنى الثالث : لا يدخل الجنة إلا بعد أن يعذب . على هذه المعاني الثلاث يفسر هذا الحديث : ( إنما يلبسها مَن لا خلاق له في الآخرة ) : يعني ليس له رصيد مطلقًا في الجنة هذه في الحالة الأولى إذا استحل لبس الحرير بقلبه وقال بلسانه أو بقلبه فقط دون لسانه : بلا حلال بلا حرام هذا لا يدخل الجنة مطلقًا ولا يرح رائحة الجنة .المعنى الثاني : ( لا خلاقَ له ) أي : لا نصيب له في الجنة مع السابقين الأولين . المعنى الثالث : لا نصيب له في الجنة إلا بعد أن يعذب على لباسه الحرير في الدنيا . هذا معنى قول الرسول - عليه السلام - : ( إنما يلبسها مَن لا خلاق له في الآخرة ) .

مواضيع متعلقة