شرح حديث عائشة رضي الله عنها : ( أن يهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم فقالت عائشة وعليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم ... ) - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث عائشة رضي الله عنها : ( أن يهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم فقالت عائشة وعليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم ... )
A-
A=
A+
الشيخ : درسنا اليوم في الباب الخامس والأربعين بعد المئة وهو : " باب ليس المؤمن بالطَّعَّان " . وكنا درسنا الحديث الأول منه وتجاوزنا الحديث الثاني ، وأشرنا إلى أن طرفه الأول منه صحيح من غير هذا الطريق . والآن نقرأ عليكنَّ الحديث الثالث منه وإسناده صحيح . عن عائشة - رضي الله عنها - : ( أن يهودًا أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : السام عليكم ، - ما هو السلام - السام عليكم ، فقالت عائشة : وَعَلَيكُم ولَعَنَكُم اللَّهُ وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيكُم . قَالَ - يعني الرسول عليه السلام - : (مَهلًا يَا عَائِشَةُ ؛ عَلَيكِ بالرِّفْقِ ، وإِيَّاكِ والعُنْفَ والفُحْشَ ) قلت : أَو لَم تَسمَع مَا قَالوا ؟ قَالَ : (أَو لَم تَسمَعي مَا قُلتُ ؟ رَدَدْتُ عَليهِم ، فَيُستَجَابُ لِي فِيهِم ، ولا يُستَجَابُ لَهم فِيَّ ) .

في هذا الحديث آداب إسلامية بعضها تتعلق بالمسلم في خلقه وبعضها يتعلق بالمسلم من حيث علاقته مع الكافر ، حينما يسلم الكافر عليه سلامًا محرَّفًا به عمَّا وُضع له وبالتعبير الشامي : " كلام ملغوم " هكذا فعل أولئك اليهود حينما جاؤوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الظاهر أنهم جاؤوا وهو في بيت عائشة ، فسلموا سلامًا كما ألمحنا لووا به ألسنتهم وأوهموا الرسول - عليه السلام - ومن عنده بأنهم يسلمون - عليه السلام - الشرعي ، لكنه في الحقيقة قلب السلام إلى الدعاء على الرسول - عليه السلام - بلغتهم حيث قالوا : " السام " ومعنى السام الموت كما جاء في بعض الأحاديث : ( في الحبَّة السوداء شفاءٌ من كلِّ داء إلا السَّام وهو الموت ) ، فَهُم أعني اليهود من خبثهم ومكرهم لووا ألسنتهم بالسلام وقالوا : " السام عليكم " ، فما كان ذلك ليخفى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو سيد الأتقياء النُّبهاء ، ولذلك فهو لم يُردف في الجواب على كلامهم القبيح إلا أن قال لهم : ( وعليكم ) ، أما السيدة عائشة فلم تصبر لمكرهم وخبثهم ، وظهر ذلك بشدة بردها عليهم بما سمعتن من قولها : " وعليكم " هي تنبَّهت وأجابت بمثل جواب الرسول - عليه السلام - ولكنها زادت وقالت : " ولعنكم الله وغضب الله عليكم " ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يعجبه جوابها ، والسبب في ذلك يعود إلى أمرين اثنين أحدهما يتعلق بمبدأ إسلامي والآخر يتعلَّق بها وبشخصها .

أما الأول : المبدأ الإسلامي فهو قوله - تبارك وتعالى - : (( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )) ، فإذا كانت اليهود قالت : " السام عليكم " فنحن نقول : وعليكم ، فلا نزيد عليهم شططًا فنقول كما قالت السيدة عائشة : " ولعنكم الله وغضب الله عليكم " هذا هو الأمر الأول ، وهذا مبدأ معروف في الإسلام أنه لا يجوز الزيادة على ... وعلى الأخذ بالثأر إنما بالمثل فقط ، فقال - عليه السلام - لها مؤدّبًا : ( مهلًا يا عائشة ، عليك بالرِّفق ، وإياك والعنفَ والشدة والفحش في الكلام ) . قالت : أو لم تسمع ما قالوا ؟ قال - عليه السلام - : ( أو لم تسمعي ما قلت ؟ ) كأنه - عليه السلام - أراد منها أن تكون أثبت مما هي عليه ، ثم هو يقول لها : لقد سمعت مثلما سمعتِ ، ورددت مثلما رددتِ فكما قلتِ وعليكم قلت أنا وعليكم ، فلماذا الزيادة منك على ما أنا رددت الكلام عليهم ؟ لذلك أمرها بالرفق ونهاها عن العنف ، والفحش في القول هو قول الفاحش في الكلام الذي لا يجوز أن يغلب على اللسان ، قال : ( أو لم تسمعي ما قلت ؟ ردَدْتُ عليهم ) مثلًا بمثل ، هكذا يقول - عليه السلام - : ( رَدَدْتُ عليهم مثلًا بمثل ، ( قالوا : السام عليكم فقلت : وعليكم ، فيستجاب لي فيهم ، ولا يستجاب لهم فِيَّ ) . إذا دعا اليهود على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بدعاء جائر ظالم ضار فذلك ممَّا لا يستجاب عند الله - عز وجل - على الرسول - عليه السلام - ، أما بالعكس فنعم إذا دعا الرسول - عليه السلام - عليهم استجيب دعاؤه عند ربه - تبارك وتعالى - .

مواضيع متعلقة