شرح حديث النواس بن سمعان الأنصاري : ( سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والاثم قال البر حسن الخلق ... ). - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث النواس بن سمعان الأنصاري : ( سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والاثم قال البر حسن الخلق ... ).
A-
A=
A+
الشيخ : أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار . وصل بنا الدرس الماضي من كتاب " الأدب المفرد " للحافظ الإمام البخاري إلى الحديث الخامس والتسعين بعد المئتين وإسناده صحيح : عَن النَّوَّاس بنِ سَمعَان الأَنْصَارِيِّ أنَّهُ سَأَلَ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَن البِّر والإثمِ ؟ قَالَ : ( البَرُّ : حُسنُ الخُلُق ، والإثمُ مَا حَكَّ فِي نَفسِكَ وكَرِهتَ أَن يَطَّلِعَ عَليهِ النَّاسَ ) .

في هذا الحديث يفسّر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - البر والإثم جوابًا لمن سأله عن كل منهما ، يفسرهما بتفسير خلاف المتبادر والمعروف عند الناس ، لأن البر لغة إنما هو عمل الخير بكل أنواعه وأشكاله ، والإثم نقيض ذلك تمامًا هو كل ما نهى الله - عز وجل - عنه فيستحق مرتكبه الإثم والعذاب يوم القيامة ، هذا وذاك هو تعريف البر والإثم ، لكننا نجد الرسول - عليه الصلاة والسلام - في جوابه عن سؤال السَّائل عن البر والإثم يأتي بكل منهما بتفسير غير التفسير المعهود ، فيفسّر البر بأنه حسن الخلق ، علما أن حسن الخلق هو جزء من البر ليس كل البر ،البر الذي هو عمل الخير يشمل كلم ما شرعه الله - عز وجل - في الإسلام مما يدخل في عموم الواجبات وما يدخل في عموم المستحبات هذا كله بر هذا معناه الواسع في اللغة والشرع ، لكننا وجدنا الرسول - عليه الصلاة والسلام - ههنا قد فسر البر بأنه حسن الخلق وهذا أسلوب في اللغة العربية معروف ، أن يفسّر الكل بجزء منه .البر كما ذكرنا كل خصال الخير وكل خصال الطاعة والعبادة ، وإنما الرسول - عليه السلام - هنا يفسر البر بحسن الخلق وحسن الخلق جزء من خصال الخير التي بها يجمعها لفظة البر ، هذا أسلوب في تفسير اللفظ العام بلفظ أخص منه لإلفات النظر إلى أهمية هذا الجزء بالنسبة لذلك الكل .من الأمثلة المعروفة في اللغة من لفظ الرسول - عليه السلام - وغيره مثلًا الحديث المذكور الذي يقول فيه الرسول - عليه السلام - : ( الحج عرفة ) هل أن الحج عرفة فعلًا ؟ بمعنى لو أن رجلًا وقف بعرفات فقط ولم يصنع شيئًا من الطواف والسعي ولا البيات في منى ولا في مزدلفة ، هل يكون قد أدّى الحج ؟ الجواب : لا الحج له أركان وله شروط وله واجبات ، إذن ما معنى قول الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( الحج عرفة ) ؟ هنا يظهر تفسير البر بحسن الخلق لقول الرسول - عليه السلام - : ( الحج عرفة ) الحج منه الوقوف بعرفة ، الحج هو طواف وهو سعي بين الصفا والمروة وهو بيات في مزدلفة ووقوف بعرفة ، لما قال الرسول - عليه السلام - : ( الحج عرفة ) يعني أن هذا أمر هام جدًّا ، الوقوف بعرفات أمر هام جدًّا كما لو أنه الحج كله ، فهذا مبالغة في إلفات نظر السامع إلى أهمية الوقوف بعرفة كأن الوقوف بعرفة هو الحج كله لكن الحقيقة أنه من المعلوم شرعا أن الووقف بعرفات هو ركن من أركان الحج وليس هو كل الحج ، لكن التعبير العربي جاء هكذا : ( الحج عرفة ) لبيان أهمية الوقوف بعرفة لا لحصر الحج بعرفة فقط .كذلك مثلًا حينما يقول الرجل العربي : " لا فتى إلا علي ، ولا سيف إلا ذو الفقار " الصحيح لا يوجد هناك فتيان غير علي ؟ هناك في الصحابة كثر من الفتيان الشباب الشجعان الأبطال ، خالد بن الوليد وأسامة بن زيد إلى آخره ، فحينما يقول القائل : " لا فتى إلا علي " فهو لا يعني حقيقة بأنه لا يوجد فتيان في الصحابة غير علي - رضي الله عنه - لكنه يعني أنه هو الفتى الأهم الأشجع الأشد بطولة ، وإلا هناك فتيان كثيرون آخرون .

إذا عرفنا هذه النماذج من لغة العرب القديمة ، سهل علينا أن نفهم هنا كيف فسر - عليه السلام - البر بحسن الخلق ، مع أن البر معروف بنصِّ القرآن : (( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ )) و و (( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ )) فكيف قال الرسول - عليه السلام - لمن سأله عن البر ( حسن الخلق ) أي أن هذا من أهم ما جاء في الإسلام وهو حسن الخلق ، وكأن حسن الخلق هو البر كله ، لكن البر هو أوسع معنىً من حسن الخلق ، كما أن الحج أوسع أعمالًا من الوقوف بعرفات لكن الوقوف بعرفات من أهم تلك الأعمال ، فحسن الخلق من أهم الخصال ومعاني البر المعروفة في الإسلام ، فلا يستشكلن أحد كيف جاء الجواب عن سؤال البر بقوله : ( حسن الخلق ) معناها أين الصلاة وأين الصيام وأين الحج وأين الطاعة ونحو ذلك ؟ الجواب : إنما فسر الرسول - عليه السلام - حسن الخلق لبيان أهمية حسن الخلق من بين خصال البر كلها .ولا يبعد أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما أجاب بهذا السؤال قد لاحظ في السَّائل شيئًا من سوء الخلق ومن وعورة الطبع فهو يعطي كل إنسان ما يناسبه من الوصف ومن العلاج ، فهو لم يره - عليه السلام - معرضا عن طاعة الله وعن طاعة رسوله ولكنه ربما وجد فيه شيئًا من سوء الخلق وحدّة الطبع فأراد - عليه الصلاة والسلام - أن يبين له أهمية حسن الخلق في الإسلام حتى لا يكاد أن يكون حسن الخلق هو البر كله فقال له : ( البِرُّ هو حسنُ الخلق ) .

مواضيع متعلقة