شرح حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا قط حتى أرى منه لهواته ... ). - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا قط حتى أرى منه لهواته ... ).
A-
A=
A+
الشيخ : والآن حديث آخر يرويه المصنف بإسناده الصحيح عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قالت : مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - ضَاحِكًا قَطُّ حَتَّى أَرَى مِنُه لَهَواتِه ، إِنَّمَا كَانَ يَتبسَّم - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - .

في هذا الحديث أو في طرفه الأول منه السيدة عائشة تحدث عن طبيعة الرسول - عليه السلام - وهو أنه كان يتبسم ، ولكن ما كان يضحك ضحكًا بالغًا بحيث يرى اللهوات يعني شو بسموه العامة اللسان الصغير اللي في رأس الحنك ؟

الطالبة : البلعوم .

الشيخ : البلعوم ، فما كان يبالغ بحيث أنه يفتح فمه كما يفعل كثير من الناس ، وهذا بلا شك وإن كان هذا الضحك بالقهقهة والصياح ليس محرمًا لكن لا شك ولا أنه مما لا يدل أبدًا على الكمال والفضل ؛ ولذلك فمن كان مقتديًا فليقتد برسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - حيث كان لا يزيد على التبسم فلا يضحك لا سيما بالقهقهة والصياح ورفع الصوت هكذا تقول السيدة عائشة : " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ضَاحِكًا قَطُّ حَتَّى أَرَى مِنُه لَهَواتِه " يعني : ما رأيته يضحك ضحكًا أرى منه لهواته إنما كان يتبسم - صلى الله عليه وسلم - . وهنا شيء لا بد من ذكره : قد جاء في بعض الأحاديث عن غير السيدة عائشة رضي الله عنها وصف الرسول - عليه الصلاة والسلام - بأنه ضحك حتى بدت نواجذه فما هو التوفيق بين مثل هذا الحديث وحديث عائشة الذي تلوناه آنفًا ؟ عائشة تقول : " ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك قطُّ بحيث أن أرى لهواته " ، وغيرها تقول : أنه سمع الرسول - عليه الصلاة والسلام - ورآه يضحك حتى بدت منه نواجذه ، والنواجذ هي الأضراس ، فالتوفيق سهل وذلك باستخدام قاعدة من القواعد العلمية وهي التي تقول من حفظ حجة على من لم يحفظ ومن علم حجة على من لم يعلم ، فكل من السيدة عائشة وغيرها كل من السيدة عائشة التي نفت أن يكون الرسول كان يضحك وغيرها الذي أثبت أنه ضحك كل منهم صادق وكل منهم روى ما سمع وشهد فلا نكذب شخصًا منهم على حساب الآخر ، فنقول إذن من قبيل التوفيق بين ما نفته السيدة عائشة من ضحك الرسول - عليه السلام - وأنه كان يتبسم فقط وبين ما أثبت غيره في غير ما حديث أنه كان يضحك حتى تبدو منه نواجذه أنه أحيانًا أي بصورة نادرة كان الرسول - عليه السلام - يضحك وما ذلك إلا لقوة الباعث على الضحك ، فهذا يكون على سبيل الندرة من ذلك مثلًا أن الرسول - عليه السلام - حدث ذات يوم أصحابه بالحديث الآتي فقال : ( إني لأعرف آخر رجل يخرج من النار ، وآخر رجل يدخل الجنة ، رجل يخرج من النار يحبو حبوًا ) يخرج من النار هلكان طبعًا لا يستطيع أن يمشي بشرًا سويًّا هلكان تعبان فيمشي حبوًا كالطفل الصغير يمشي إلى طريقه إلى الجنة فهو آخر رجل يخرج من النار وآخر رجل يدخل الجنة يخرج من النار يحبو حبوًا ، فبينما هو يمشي بدت له شجرة عظيمة وارفة الظلال كثيرة الثمار فقال : يا رب أوصلني إلى تلك الشجرة كي أستظل بظلها وآكل من ثمرها وأشرب من مائها فيقول الرب - سبحانه وتعالى - : أي عبدي هل عسيت إن أنا أوصلتك إليها أن لا تسألني غيرها ؟ فيقول : لا يارب لا أسألك غيرها ، فيوصله ربنا - تبارك وتعالى - إليها فيستظل بظلها ويأكل من ثمرها ويشرب من مائها ، ثم ينطلق يمشي إلى الجنة فتبدو له شجرة أخرى هي أعظم وأنضر من الأولى فيقول : يا رب أوصلني إلى تلك الشجرة ويعيد العبارة السابقة فيمتن ربه عليه فيقول : يا عبدي ألست قد عاهدتني أن لا تسألني غير تلك فعسى أن تسألني غير هذه فيقول : لا أسألك غيرها فيستظل بظلها ويأكل من ثمرها ويشرب من مائها ثم يتابع الطريق فتبدو له شجرة ثالثة وهكذا يعود ويطمع في فضل الله - عز وجل - فيسأله أن يوصله إليها وهكذا ، ثم ينطلق يمشي حتى إذا ما دنا واقترب من الجنة وأبوابها قال : يا رب أدخلني الجنة فيقول : ادخل الجنة ولك فيها مثل الدنيا وعشرة أضعافها فيقول العبد : أي رب أتهزأ به وأنت الرب وأنت الحق فهنا يضحك راوي الحديث وهو عبد الله بن مسعود فيسأله التابعي الذي سمع الحديث منه لم ضحكت ؟ قال : لأن الرسول - عليه السلام - لما ذكر أن العبد قال لله - عز وجل - أتهزأ بي وأنت الرب ضحك الرسول - عليه السلام - ، ولعل هنا قال الراوي حتى بدت نواجذه - عليه السلام - ، فسئل الرسول لما ضحك قال : لأن الله ضحك من عبده حينما قال له : أتهزأ بي وأنت الرب ؟ لم يصدق هذا العبد المسكين وهو يعلم نفسه أنه خرج من النار هالك لا يستطيع أن يمشي فكيف يقول الله له ادخل الجنة ولك فيها مثل الدنيا وعشرة أضعافها ، ما اتسع عقله لهذا الفضل الإلهي العظيم فظن أن الله - عز وجل - ربه يستهزئ به فقال بجهالته أتستهزئ بي وأنت الرب ، فضحك الرسول - عليه السلام - من كلام هذا العبد لأن الله - عز وجل - ضحك ، فالشاهد أن الرسول - عليه السلام - كان يضحك نادرًا ولكن الدافع له على الضحك هو أن يكون هناك قوة وازعة قوية جدًّا بحيث يضحك الرسول - عليه السلام - أي .خلاصة القول : أن الرسول - عليه السلام - كانت عادته الغالبة التبسم ونادرًا ما كان يضحك فإذا ضحك فلم يكن ضحكه ضحك اللاعبين اللاهين وإنما كان ضحكه - عليه السلام - ضحك تعجب مدفوع إليه دفعًا ومقصور عليه قصرًا . قالت السيدة عائشة : " ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضاحكًا قطُّ حتى أرى منه لهواته " . إذًا عرفنا التوفيق بين نفيها وإثابت غيرها أن المثبت مقدم على النافي ، وهذه قاعدة هامة جدًّا بها يتمكَّن طالب العلم من التوفيق بين كثير من النصوص التي تبدو له بادي الرأي أنها متعارضة .

مواضيع متعلقة