تفسير قوله تعالى: (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )) ؟ ، وما هو المراد بالإعراض عن الأيات ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تفسير قوله تعالى: (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )) ؟ ، وما هو المراد بالإعراض عن الأيات ؟
A-
A=
A+
الشيخ : أما تفسير الآية فيما يحضرني الآن فقوله - تعالى - : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي )) . أي عن كتابي وقرآني أعرض عنه مستكبرا والذكر أول ما يذكر هو القرآن كما قال - تعالى - : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) فالله - عز وجل - يخبر بحال من أعرض عن اتباع كتابه حاله في الدنيا وحاله في الآخرة فيقول : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي )) عن كتابي وعن اتباعه والعمل به فجزاؤه أن له (( مَعِيشَةً ضَنْكًا )) أي : له حياة شديدة تعيسة في الحياة الدنيا وبالعكس أو ليس بالعكس وبالإضافة إلى ذلك يقول - تعالى - : (( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )) يعني أن الله - عز وجل - يعذب الكافر في الدنيا قبل الآخرة بسبب إعراضه عن ذكره واتباع كتابه . ولا يشكل هذا أننا نرى كثيرًا من الكفار والفساق نراهم يتمتعون في الدنيا كما تتمتع الأنعام فنظن أنهم مسرورون وأنهم في رغد من العيش يغبطون ويحسدون عليه لا ينبغي للمسلم أن يظن هذا الظن بهؤلاء الكفار أو الفساق لأن الحقيقة أن هؤلاء الناس الذين يعيشون على مخالفة كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما يعيشون كما قال - تعالى - عيشة ضنكا ، وإن كنَّا نراهم يتلهَّون ويأكلون ويشربون ويتمتَّعون ، لكن هذا السرور ليس هو السرور الظاهري الذي تراه يلبس مثلًا ثياب جميلة براقة ولكن قلبه يغلي خوفا على صحته خوفا على أولاده خوفا أن يأتي الموت فجأة فهو في قلبه يعيش حياة تعيسة وشديدة فلا نغتر بما نراه من الظواهر . وعلى العكس من ذلك نجد رجلًا مؤمنًا تقيًّا صالحًا رث الثياب رث الهيئة ، لكن هو قرير النفس مطمئن البال ، لماذا ؟ لأنه يعيش لله ويموت لله - عز وجل - فهو لا يخشى ما يخشاه هذا الكافر من أن يعذب في الدنيا قبل الآخرة هو يعلم يقينا أن حياته في الآخرة أن يحشر أيضًا كما قال ربنا في هذه الآية أعمى ويخشى في الحياة الدنيا من طوارئ الزمن أما المسلم فليس يعيش هذه الحياة الضنك لماذا لأن حديثًا واحدا فقط يتذكره يجعل حياته حياة رغيدة سعيدة ولو كان يأكل الخبز اليابس ولو كان يشرب الماء العكر لأن المهم ليس المادة والجسد بقدر ما هو المهم من استقرار النفس والقلب حديث واحد يجعل المسلم في حياته سعيدًا في الدنيا قبل الآخرة ذلك مثلًا كقوله - عليه الصلاة والسلام - ( عجبٌ أمرُ المؤمن كلُّه ؛ إن أصابته سرَّاء حمد الله وشكر ، فكان خيرًا له ، وإن أصابته ضرَّاء صبر ، فكان خيرًا له ، فأمر المؤمن كله خير ، وليس ذلك إلا للمؤمن ) . فإذًا لا ينجو الإنسان في هذه الحياة إما أن يعيش في فرح أو يعيش في ترح أو ما بين هذا وهذا فإذا كان الترح يساوي عند المسلم فرحًا وإذا كان الضر يساوي عند المؤمن السرور فإذن حياته كلها خير له فهو يعيش إذًا في حياة سعيدة أما الكافر فعلى العكس من ذلك هو يكد ويشقى في سبيل جمع المال ثم تتاح له الفرصة ليأكل شيئًا لذيذًا ولكن هو هذه اللقيمات التي يأكلها لا يشعر بسعادته فيها لأنه محاط قبلها وبعدها بأن يكد وأن يتعب وينصب ليجمع هذا المال ويحرص عليه بيخاف أن يسرق أن ينهب ؛ ولذلك بيدعه في البنك بيخاف إنه البنك يفلس فيذهب عليه المال كله فهو عائش دائمًا وأبدا كيفما دار وكيفما انتقل كما قال - تعالى - في معيشة ضنكا : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )) يعني لا يهتدي سبيلًا يوصله إلى الطمأنينة وإلى الحياة السعيدة لأن الله - عز وجل - إنما يهدي سبيل من أناب إليه في الدنيا فهناك في الآخرة ، فأمامه النور وخلفه النور يمشون في نور ويؤديهم ذلك النور إلى طريقهم إلى الجنة . أما الكافر فيبعث أعمى فيقول رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا أي في الدنيا خلقتني بصيرا فما بالك الآن تحشرني أعمى فيجيبه ربنا - تبارك وتعالى - بما خلاصة الآية أن الجزاء من جنس العمل قال - تبارك وتعالى - : (( قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى )) أنا خلقتك بصيرا لا لتستغل هذه النعمة وغيرها في معصيتي وأنما خلقتك بصيرا لتتبصر طريق الحق فتتبعه لترضيني هذا وأنت لم تفعل ذلك فقد أتتك آياتنا أي جاءتك آيات الله أي الذكر الذي أعرض عنه فنسيتها النسيان هنا ليس بمعنى ذهاب الآيات من الذاكرة وإنما النسيان هنا بمعنى الترك والإعراض (( كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا )) أي أعرضت عنها تركت العمل بها (( وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى )) ، الله - عز وجل - ما بينسى بالطبع ولذلك فهذه قرينة على أن النسيان المقصود في الموضعين من الآية إنما هو الترك والإعراض . فكما قلت الجزاء من جنس العمل كما أعرض هذا الأعمى في الدنيا عن ذكر الله - عز وجل - والعمل به فجعله نسيا منسيا كذلك ربنا - عز وجل - يجازيه من نوع عمله فهو ينساه يعرض عنه ويلقيه في جهنم وبئس المصير هذا معنى الآية : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا )) في الدنيا (( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا )) أي تركت العمل بها (( وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى )) أي نتركك في جهنَّم بعيدًا عن رحمتي وعن عفوي ومرضاتي هذا ما تيسر حول هذه الآية .

السائلة : أتتك آياتي .

الشيخ : آياتنا .

السائلة : ... يعني عدم القراءة والتدبر ... ؟

الشيخ : لا لا لأنه هذا إعراض هذا نسيان تلاوة الذي تعنينه هنا ليس هو المقصود ولعلك أوتيت من حديث والحديث ضعيف وهو أن معنى الحديث ( أنَّ مَن حَفِظَ شيئًا من القرآن ، ثم نَسِيَه ؛ جاءَ يوم القيامة وهو أجذَم ) هذا الحديث ضعيف السند ولا شك . .

السائلة : ماهو الجذام . .

الشيخ : مجذوم مجذوم مصاب بداء الجذام أجذم مصاب بداء الجذام لكن الحديث ضعيف المهم في هذه الآية أن المقصود هنا بالنسيان هو الترك العمل وإلا لو افترضنا إنسانا عرف كثيرًا من أحكام القرآن مثل الصلاة والزكاة لكن حفظ الآيات الواردة فيها ثم نسيها وهو الله يقول له : (( أَقِمِ الصَّلَاةَ )) يقيم الصلاة (( وَآتُوا الزَّكَاةَ )) بيؤتي الزكاة حج إلى البيت فيحج قائم بفرائض الله - عز وجل - ولكن هو مو طالب علم حفظ في أول الأمر سور أو آيات من سور من القرآن مع الزمن نسيها لا شك أن هذا ليس كمالًا ، ولكن هل هذا يقال له (( كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا )) لا المقصود بالنسيان هنا ترك العمل مش نسيان التلاوة أبدًا .

السائلة : شيخ ... آياتنا .

الشيخ : آياتنا (( كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى )) هنا أسئلة نجيب عنها باختصار فقد تأخَّر الوقت بسم الله الرحمن الرحيم السؤال الأول .

مواضيع متعلقة