شرح حديث : مرّت جنازة فأثنوا عليها خيرا, فقال: ( وجبت وجبت وجبت...) - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث : مرّت جنازة فأثنوا عليها خيرا, فقال: ( وجبت وجبت وجبت...)
A-
A=
A+
الشيخ : وهذا الحديث يتضح معناه بصورة قوية جدًّا فيما إذا تذكرنا سبب وروده فقد جاء في " صحيح البخاري ومسلم " من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّت به جنازة فأثنوا عليها خيرًا ، أصحابه لما مرت الجنازة ذكروها بخير فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( وجبت ، وجبت ، وجبت ) ، ثمّ مرّت جنازة أخرى فأثنوا عليها شرًّا فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( وجبت ، وجبت ، وجبت ) ، قالوا : يا رسول الله ، مرَّت الجنازة الأولى ؛ فقلت : وجبت وجبت وجبت ، ومرت الأخرى فقلت كذلك ؟ قال - عليه الصلاة والسلام - : ( مرَّت الأولى ، فأثنيتم عليها خيرًا ؛ فوجبت لها الجنة ، ومرَّت الأخرى ، فأثنيتم عليها شرًّا ؛ فوجبت لها النار ، أنتم شهداء الله في الأرض ) .

فالصلاة على منافق نظنُّه مسلمًا لا يعني أننا حكمنا عليه بالجنة ؛ لا سيما إذا كان الظن من أمثال جماهير الناس اليوم الذين يحضرون جنازة في المسجد يصلون عليها ، فيلتفت أحدهم فيقول ماذا تشهدون في هذا الرجل ؟ يحضهم على أن يشهدوا فيه زورًا لأنهم لا يعرفون فيه خيرًا ولا شرًا ، فوهمًا منهم أنه إذا قيل فيه شهادة خير انقلبت صحيفته السوداء إلى صحيفة بيضاء ، ليس الأمر هكذا وإنما الأمر في حقيقته كما يعبِّر عن ذلك بعبارة لطيفة بعض الصوفية يقولون : ألسنة الخلق أقلام الحق ، وهذه الجملة مأخوذة من الحديث السابق ، ألسنة الخلق أقلام الحق لكن أي خلق ؟ هؤلاء كما سمعتم مثالا قريبًا ، الذين يسارعون إلى شهادة الزور بمناسبة وبغير مناسبة هؤلاء ألسنتهم أقلام الحق ؟ لا ، وإنما حين يكون المجتمع مجمعًا إسلاميا مُربًّا تربية إسلامية صحيحة لا يشهد قبل كل شيء إلا شهادة حق ، ثم لا يشهد إلا بعد التؤدة وبعد التأني وبعد التروّي كما وقع على خلاف هذا في عهد عمر لما جاء رجل يشهد في آخر قال له : " تعرفه ؟ قال نعم ، قال كيف تعرفه ؟ قال : كلما دخلت المسجد وجدته قائمًا راكعًا ساجدًا قال : هل سافرت معه فإن السفر يُسفر عن أخلاق الرجال ، قال : لا ، قال : هل عاملته بالدرهم والدينار ؟ قال : لا ، قال : هل هو جارك ؟ قال لا ، قال : إذن : لا تعرفه " فالشاهد : أنتم شهداء الله في الأرض إذا كانت هنا جماعة صادقين مؤمنين وعلماء عارفين يشهدون لشخص عن معرفة صحيحة فهم يعبّرون حين ذاك عن واقع إنسان مش عن خلاف واقعه ، فإجراء الأحكام الشرعية التي أمرنا أن نحكم بها في الظاهر لا تعني الشهادة لما نيجي للحكم الظاهر لحقيقة هذا الإنسان ، وإنما هذه الحقيقة إذا أردنا أن نأخذها من الظاهر فبشهادة الأمة المسلمة في زمن ما إذا كانت كما كان أصحاب الرسول - عليه السلام - من العلم والفقه والعدالة والخوف من الله - عز وجل - لا يحابون ولا يُدارون ، فهنا تكون هذه الشهادة بشارة للمشهود له بالجنّة والعكس بالعكس .فإجراء الأحكام الشرعية على الظاهر لا تتنافى مع هذا الحديث ، لأن هذا الحديث له حكم خاص في شهادة أهل الحق بالحق .

مواضيع متعلقة