الجمع بين الآية (( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) وبين الحديث ( لا يدخل الجنة أحدكم بعمله ). - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الجمع بين الآية (( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) وبين الحديث ( لا يدخل الجنة أحدكم بعمله ).
A-
A=
A+
الشيخ : كيف التوفيق بين هذا الحديث : ( لا يدخل أحدكم الجنة بعمله ) ، وبين الآية : (( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) ؟! يتوهَّم بعض الناس أن هناك تعارضًا واضحًا بين الآية والحديث ، والجواب ألَّا تعارض إطلاقًا ؛ وذلك أن الباء في الآية هي غيرها في الحديث الباء في الآية هي باء سببية وباء السببية معروفة لغةً وشرعًا ، أما الباء في الحديث فيسميها بعض المحققين من العلماء بأنها باء الثمنية الثمنية ثمن أي إن العمل الذي ينهض به الإنسان هو ليس ثمنا للجنة لأن ما في الجنة من نعيم مقيم أبد الدهر لا يصلح ثمنا أن يقول إنسان يؤمن بالله ويعبد الله في ستين سنة في مئة سنة في ألف سنة في مليون سنة هذا لا يصلح أن يكون ثمنا للجنة لكن لا بد من المفتاح لدخول الجنة فهو العمل إذن نستطيع نخرج بالنتيجة الآتية دخول الجنة بالعمل وأوله الإيمان ولكن التمتع بالجنة ليس ثمنه هذا العمل وإنما هو من فضل الله ورحمته لا سيما إذا استحضرنا بعض الأخبار التي تصف لنا ما للإنسان من ملك واسع جدًّا لا يتخيله عقل وهذا الملك الواسع الذي لا يتخيله العقل هو لأدنى الناس إيمانا كما جاء عن النبي - عليه الصلاة والسلام - : ( إني لَأعرف آخر رجل يخرج من النار ، وآخر رجل يدخل الجنة ، رجل يخرج من النار يحبو حبوًا ) ؛ يزحف زحفًا لا يستطيع أن يمشي مشيًا هلكان خرج من النار ، وقد صار فحمًا يمشي من النار يستدل طريقه إلى الجنة ( وبينما هو كذلك تبدو له شجرة من بعيد ، لكنها شجرة عظيمة وارفة الظلال كثيرة الثمار ، فيطمع هذا العبد العاجز فيما عند الله - عز وجل - من خيرٍ ويقول : يا رب ، أوصِلْني إلى تلك الشجرة كي أستظلَّ بظلِّها ، وآكل من ثمرها ، وأشرب من مائها . فيقول الله - عز وجل - : أي عبدي ، هل عسيت أن تسألني غيرها ؟ قال : لا أسألك غيرها . فيوصله الله - عز وجل - إلى تلك الشجرة ، فيستظل بظلِّها ، ويأكل من ثمرها ، ويشرب من مائها ، ثم يتابع الطريق ، فتبدو له شجرة ثانية هي أنضر وأجمل وأعظم من الأولى ، فيقول : يا رب ) ؛ يعيد الطلب ويعيد الله - عز وجل - له تحقيق الطلب ، فيذهب إلى هذه الشجرة الثانية ، ويأكل ويشرب إلى آخره كما سبق ( ثم يتابع الطريق ، فتبدو له شجرة ثالثة هي أجمل من الأولى والثانية ) ، فيعيد الطلب ، فيعيد الله - عز وجل - استجابة الطلب ، ( ثم يتابع طريقه حتى يقترب من باب الجنة فيقول : يا رب ) ، ولعله في الحديث أنه يسمع كلام أهل الجنة ونعيمهم وسماع غناء الحور العين نحن الخالدات فلا يمتن نحن الناعمات فلا نبأسَنَّ ونحو ذلك ، ( فيقول : يا رب ، أدخلني الجنة ، أدخلني الجنة . فيقول : ادخل الجنة ) ، فلا يكاد يصدق العبد هذا الفضل الإلهي ( فيقول الله : ادخل الجنة ولك فيها ) هنا الشاهد ( ولك فيها مثل الدنيا وعشرة أضعافها ) ؛ هذا الذي خرج آخر واحد من النار ادخل الجنة ولك فيها مثل الدنيا وعشرة أضعافها ، هنا " يضحك الرسول - عليه السلام - " ، فيسأله راوي الحديث عبدالله بن مسعود : لِمَ ضحكت يا رسول الله ؟ ويقول : لما قال الله - عز وجل - لعبده هذا : ادخل الجنة لم يصدِّق ، قال : يا رب ، أتهزأ بي وأنت الرب ؟ تقول لي : ادخل الجنة ولك فيها مثل الدنيا وعشرة أضعافها ، فضحك الله من عبده ، فضحك نبيُّه لضحك ربه ، فضحك ابن مسعود لضحك نبيِّه . ثم توارث بعض المحدثين هذا الحديث مسلسلًا بالضحك في أنواع الأحاديث يسمى بالأحاديث المسلسلة كل واحد يقول كما قال الذي قبله حتى يصل الأمر إلى الرسول - عليه السلام - مثلًا أخذ بيدني وصافحني وقال لي حدثني فلان وأخذ بيدي وصافحني يسمى بحديث المصافحة وهكذا فهنا ضحك الرسول - عليه السلام - لأن الله ضحك متعجبا من عبده كيف لم يصدق ربه بفضله الذي أنعم عليه فإذا كان مثل هذا الإنسان أقل الناس إيمانا يعني في قلبه مثقال ذرة من إيمان هذه الذرة أخرجته من النار وأدخلته الجنة هذا هو ثمن الجنة هذه الطويلة العريضة هذا لا يمكن إذًا : ( لا يدخل أحدكم الجنة بعمله ، ولكن بفضل الله ورحمته ) . قالوا : ولا أنت ؟! ) أعبد الناس ( أفلا أكون عبدًا شكورًا ؟! ) ، ( ولا أنت ، قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمَّدني الله برحمته وفضله ) . إذًا الحديث الباء فيه سماع العلماء تطبيقا بينه وبين الآية السابقة اسمها باء الثمنية أي عملكم ليس ثمنا للجنة أما الباء في الآية فهي باء معروفة في اللغة هي باء السببية فلابد من السبب لدخول الجنة وهو الإيمان والعمل الذي يقتضيه هذا الإيمان فإذا دخل الإنسان هذه الجنة وتمتع بما فيها من تمتع ومما كما جاء في الحديث : ( في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) . هذا كله بفضل الله ورحمته .وأنا أقرر هذا بمثل بسيط جدًّا بأن رجلًا كريمًا عنده مدينة فيها من كل أنواع الأشجار الخضراء الجميلة وفيها من مختلف الثمار الحلوة يعلن للناس بأنه من أراد أن يدخل هذا البستان ويصح لغة أن يسمى بالجنة من أراد أن يدخل هذه الجنة فعليه أن يدفع مثلًا ليرة أو جنيه أو ما شابه ذلك من العملة المصطلح عليها فإذا ما دخل وإذا به يرى هناك ما لا يمكن أن يدفع ثمنه فقط لو تمتع بالنظر وبشم الإيش الجو الممتلئ بالروائح الزكية فهو إذن دخوله لا بد من أن يدفع إيه ثمن الدخول لكن تمتعه بتلك الجنة هو بفضل ذلك السيد لا يستحق بهذا الثمن الذي قدمه ذلك أمر تقريبي إن العبد حينما يتمتع بنعيم الله - عز وجل - في جنته ذلك بفضل الله ورحمته ولكن كسبب لا بد منه أنه يقدمه الإنسان ولذلك قال : (( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) ؛ ولذلك حرَّمَها على الكافرين لماذا لأنهم لم يتعاطوا السبب الذي جعله الله - عز وجل - سببا لدخول الجنة .

إذًا خلاصة القول : إن القدر حق واجب الإيمان به ولكن هذا القدر دقيق في تقديره بحيث أنه سجل الحوادث التي تقع من الإنسان على وقائعها وحقائقها العمل الذي يقع منه الإنسان باختياره مسجل عليه باختياره والعمل الذي يقع منه باضطراره مسجل عليه بالاضطرار ما كان من النوع الأول جاء فيه افعل ولا تفعل وجاء فيه الثواب والعقاب وما كان من النوع الثاني ليس فيه أمر ولا نهي وليس فيه ثواب ولا عقاب لأنه مجبور فجبر وتكليف لا يجتمعان والاختيار هو الذي محط التكليف الإلهي - تبارك وتعالى - بهذه الطريقة نجمع بين نصوص الكتاب والسنة كلها فلا نقع في مثل ما وقع المعتزلة من إنكار القدر لأنه شرط من شروط الإيمان ولا نقع في مثل ما وقع الأشاعرة حينما تأولوا كثيرًا من النصوص حتى أغرقوا وقالوا تلك الضلالة الكبرى لله - عز وجل - تعذيب الطائع وإثابة العاصي لأنهم تصوروا أولا أن القدر معناه الجبر إذن الإنسان مجبور والله - عز وجل - يعذبه قالوا له أن يفعل ما يشاء وأن يتصرف في ملكه ما يشاء ولا يتصور الوقوع ظلم منه ولا يستطيعه لأنه لا يتصور هذا الظلم نحن بإيماننا أولا بالقدر خالفنا المعتزلة الذين أنكروا القدر فآمنا بآيات الله وأحاديث رسول الله فكنا مع السلف في هذا . ثم بإنكارنا الجبر الذي يبطل التكليف خالفنا الأشاعرة الذين فهموا أن القدر معناه الجبر ثم وقعوا في تلك الانحرافات الكثيرة التي لا حصر لها وهكذا فالفهم الصحيح يمشي دائمًا صاحبه على هدى وعلى نور من ربه وأس هذا الفهم الصحيح كما نقول دائمًا وأبدًا أن نرجع إلى ما كان عليه سلفنا الصالح وسلفنا الصالح لم يقل بالجبر وإنما قالوا بذلك الذين جاءوا من بعدهم كالمعتزلة لكنهم ما آمنوا بالجبر إلا أنهم أنكروا القدر وكالأشاعرة الذين فهموا من القدر الجبر ثم غرقوا فيه ولم يخرجوا حتى اليوم حتى هذا اليوم مع مضي هذه السنين الطويلة يقرر الإيمان بالقدر على أساس أنه جبر حتى يقولون أن كسب الإنسان كلونه كسواده كبياضه كسمرته هل له في ذلك إرادة كما قلنا نحن في مطلع الكلام طبعًا ليس له إرادة هكذا الكسب عندهم وهذا عين الباطل والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

مواضيع متعلقة