أقسام افعال العباد - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
أقسام افعال العباد
A-
A=
A+
الشيخ : ونحن إذا درسنا واقع الإنسان المكلف من الناحية النفسية المتعلقة بكل مكلف منا فسنجد أن كلما يصدر منه من أعمال لا بد أن يكون على قسمين : قسم منها هو له فيها محض الاختيار ولا يحس فيها بشيء ما من الإجبار وقسم آخر على النقيض من ذلك تمامًا يشعر بل يعلم ويحس أنه ليس له في ذلك شيء من الاختيار فهو الجبر لكن هذا القسم لا يتعلق بشيء من التكليف ولا ثواب ولا عقاب ولا حساب وإنما هذا كله يتعلق بالقسم الأول ألا وهو القسم الذي له فيه الاختيار نحن مثلًا نفرّق بين ما يصدر من الإنسان باختياره قاصدا إليه وبين ما يصدر منه باضطراره ليس له فيه رغبة مطلقا فمثلًا الآن أنا أتكلم أحس وأشعر وأعلم بأن هناك حركتان أو نوعان من الحركة الحركة الأولى فمي ولساني وربما شيء من بدني من يدي فهل يشك أحد بأنني مختار كل الاختيار في هذا النوع من الحركات وعلى العكس من ذلك أجد في نفسي هنا حركة في الداخل وهي نبضات القلب وآثار هذا النبض في الوريد هنا هذا ليس لي فيه اختيار هذا النوع هو مثل مما يقال إن الإنسان مجبور عليه أما النوع الأول من كلامي ومن إشاراتي فهذا مثال واضح لكون الإنسان فيه مختار كل منا يفرّق بين هذه الحركة التي أنا أشير بها وبين حركة المصاب بنوع من المرض وبمثل ثالث مثلًا الذي تهتز يده رغما عنه أو من فرضت عليه الشيخوخة حيث بلغ صاحبها من الكبر عتيا فنجده ترتعش يده من شيخوخته هذا ليس له في هذه الحركة اختيار فإذن التفريق بين حركة المختار وحركة المضطر تفريق ضروري يشعر به الإنسان ويحس بحواسه فلابد من القول بهذا التفريق لا سيما والشارع الحكيم قد حكم بهذا التفريق لو أن إنسانا رمى عصفورا فأصاب شخصا هذا كما هو معلوم قتل خطأ والشارع الحكيم لا يؤاخذ هذا الإنسان ولا يعتبره قاتلا مجرما على العكس من ذلك الشخص الآخر الذي تعمد قتل إنسان فهذا يعاقب عليه والسبب واضح وهو أنه فعل ذلك باختياره هذا التفريق لا يستطيع لأن الشارع فرّق بين ... عمله ... لا ولأن الواقع والحس يشهد بأن هذا قتل عمدا وهذا قتل خطأ إذن أعمال الإنسان من حيث تعلقها بها ليست كلها هو مختار فيها والعكس أيضًا ليس كذلك بل هو مجبر عليها كلها وإنما بعضها هكذا وبعضها هكذا إذا عرفنا هاتين الحقيقتين الشرعية والواقعية نعود إلى القدر الإلهي فالقدر الإلهي قد سجّل ما سيقع من كل مكلف على ما وقع منه فالذي مثلًا قتل عمدا مسجل في اللوح المحفوظ في القدر الإلهي قبل وقوع القتل منه أنه يقتل عاملا متعمدا وذاك القتل الآخر الذي يقع خطأ مكتوب في اللوح المحفوظ أنه يقتل خطأ فالقدر الإلهي كما قلنا هو تقدير طبق العلم الإلهي - سبحانه وتعالى - والعلم الإلهي علم أحاط بكل شيء علما لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء فإذن القتل العمد مسجل في القدر الإلهي قتل عمد والقتل الخطأ مسجل في اللوح أو في القدر الإلهي بأنه قتل خطأ إذا عرفنا ذلك تبطل حجة الجبرية حيث قالوا ما دام أن هناك قدر فلابد أنه مقرون بالجبر لأننا نقول إن القدر على قسمين لأنه استكشاف للواقع والواقع قسمان قسم فعل مجبورا وقسم فعل مختارا فلا يستوي هذا مع هذا وكله قدر فما قدره الله على الإنسان باختياره فهو مؤاخذ عليه لأنه فعله باختياره ولا يحس أبدا أحدنا وهذا هو المثال الآن كما قلت في كلامي لا يحس أي إنسان سواء من وقع فيه الحركة أو من شاهدها لأن هذا الإنسان مجبور كيف يقال أنا مجبور وأنا أتكلم بمحض اختياري ثم إذا شئت سكت فورا وأنا أسكت الآن فأين الجبر ؟ فادعاء الجبر في كل حركات الإنسان هذا عين الباطل شرعا وواقعا لكن هناك قلب ينبض ويتحرك لا أملكه هناك أمر مفروض عليّ في قامتي وفي طولي وفي لوني وفي تقاطيع جسدي ووجهي ونحو ذلك وكل واحد منكم كذلك هل له في ذلك اختيار أبدا لا ها نحن خلقنا ذكورا وأولئك خلقهن نساء فهل لهن الاختيار في ذلك ؟ لا فلابد من التفريق بين أمور خلقها الله رغما عنا فلا خيرة لنا في ذلك وبين أمور أخرى على أساسها قال : (( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )) ؛ لأنه لنا الخيار ما قال لنا - مثلًا - من شاء منكم أن يكون ذكرا فليكن ذكرا ومن شاء منكم أن يكون امرأة فليكن امرأة لا فيه شيء مفروض علينا فرضا لا خيرة لنا فيه فهذا قدر مقرون بالجبر منذ التقدير الإلهي وذاك النوع الإلهي قدر مقرون بالاختيار إذن لا حجة للجبرية في قولهم أن القدر يساوي الجبر لأن هذا تكذيب أولا للواقع وتكذيب للشريعة حيث فرّق في معاملة الشريعة للناس بين المختار وبين المضطر فأين نذهب بهذا التفريق حينما نقول نحن القدر يساوي الجبر فسقط الادعاء لأنه يلزم من القدر الجبر وبالتالي بطل إنكار المعتزلة للقدر لأن سبب الإنكار كان بسبب مشاركتهم للجبرية في فهمهم من القدر الجبر غاية ما في الأمر أن المعتزلة انتبهوا لبطلان الجبر ولكنهم قالوا ما دام أن القدر يلزم منه الجبر فإذن لا قدر فكلتا الطائفتين من الجبرية والمعتزلة مبطلة إلا أن بطلان إحداهما أشد خطرا من الأخرى .

مواضيع متعلقة