هل يجوز تعلُّم السحر ؟ وهل يجوز للمسلم أن يذهب للساحر بعد أن تعاطى الرقية الشرعية لعله يجد عنده شفاءً ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل يجوز تعلُّم السحر ؟ وهل يجوز للمسلم أن يذهب للساحر بعد أن تعاطى الرقية الشرعية لعله يجد عنده شفاءً ؟
A-
A=
A+
السائل : نرجو من فضيلة الشَّيخ إلقاء الضوء على السحر ، ومع بيان حكم الشرع في مَن يتعلَّمه ويستعمله ؟ وهل يجوز للمسلم أن يذهب للساحر أو الدَّجَّال إذا لم يُشْفَ من السحر بعد استخدام الرقية أم لا ؟

الشيخ : أن يذهب إيش ؟

السائل : إلى الساحر أو الدجال .

الشيخ : بارك الله فيك ، ابدأ من هناك على يمينك ، وهذا - إن شاء الله - نعمل لكم درس عليه ، ابدأ من أخونا هذا ، هون هون ، هذا يمينك .

إيش الجملة الأخيرة ؟

السائل : هل يجوز للمسلم .

الشيخ : لا لا ، أقول : الجملة الأخيرة .

السائل : الجملة الأخيرة .

الشيخ : سمِّعني الشريط أحسن شي ، آخر الشريط السؤال .

...

خلاصة السؤال ينحصر في نقطتين ؛ هل يجوز تعلُّم السحر ؟ وهل يجوز أن يذهب إلى الساحر بعد أن تعاطى الرقية الشرعية لعلَّه يجد عنده شفاء ؟

الجواب بالنسبة للشِّقِّين من السؤال : لا يجوز ، لا يجوز للمسلم أن يتعلَّم السحر كما لا يجوز له أن يأتي الساحر ، والحقيقة أن الجواب عن السؤال الثاني هو فرع عن الجواب الأوَّل ؛ لأنه إذا ثَبَتَ لدينا أنه لا يجوز للمسلم أن يتعلَّم السحر فَمِن البداهة في مكان أنه لا يجوز له أن يأتي الساحر لأنه يؤيِّده على ضلاله وعلى فسقه وفجوره ، أما أنه لا يجوز للمسلم أن يتعلَّم السحر في اعتقادي أنه أمر واضح ؛ لأن السحر إما أن يكون قائمًا على الاستعانة بشياطين الجنِّ فضلًا عن الاستعانة بشياطين الإنس ، وإما أن يكون الإنسيُّ الساحر لا يلجأ إلى الاستعانة بأحدٍ لا من الإنس ولا من الجنِّ ، ولكنه يتعاطى أعمالًا فيها خفَّة وفيها سرعة بحيث أنه يتمكَّن من أن يُخيِّل للناس أمورًا لا حقيقة لها على أنها حقائق ، فإذا كان السحر من النوع الأول وهو الاستعانة بالجنِّ خاصَّة فذلك معروف بنصِّ القرآن ؛ أَلَا وهو قوله - تبارك وتعالى - في قصة سليمان - عليه السلام - في عهده كان الناس يتعلَّمون السحر ، فقال - تعالى - مبيِّنًا لحقيقة هذا التعلُّم من أين كان ، قال - عز وجل - : (( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ )) ، فإذًا في هذه الآية صراحة أن الأنبياء وبصورة خاصَّة سليمان - عليه السلام - نزَّهَه ربنا - عز وجل - أن يكون قد نزل عليه السحر أو أنه علَّمَ الناس السحر ، فقال - تعالى - : (( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ )) .

وبعدين ؟

سائل آخر : (( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ )) .

الشيخ : (( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ )) ، فهنا في إشارة قوية جدًّا إلى أن تعلُّم السحر كفر ، ولذلك نزَّه سليمان - عليه السلام - من أن يكون كفر ، ثم أثبت العكس من ذلك أن الشياطين كفروا ؛ لم ؟ (( يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ )) ، (( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ )) ، فإذًا هذه الآية أن تعليم السحر إنما هو من الشياطين ، فهم الذين كانوا يعلِّمون الناس السحر ، أما سليمان - عليه السلام - فهو بريء من ذلك ، فمَن تشبَّه بسليمان لم يتعلَّم السحر ، ومن تشبَّه بشياطين الإنس الذين كانوا يتعلَّمون السحر من شياطين الجنِّ فهو مُلحَق بهم ، ففي هذه الآية صراحة واضحة وقوية أنه لا يجوز للمسلم أن يتعلَّم السحر لأنه يضرُّ ولا ينفع ، ولأنه يستعين بذلك أو في ذلك من شياطين الجن .

وقد جاء في القرآن كما تعلمون جميعًا : (( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا )) ، من أخبث الاستعانة هو أن يتعلَّم الإنسيُّ من الجنِّي السحر الذي يستعمله في إيذاء الناس وفي تضليلهم ؛ من أجل ذلك بالغ الإسلام في التَّحذير من تعاطي السحر حتى قال - عليه الصلاة والسلام - : ( حدُّ الساحر ضربةٌ بالسيف ) ، حتى أن هذا الحكم يشمل مَن قد يتعاطى الخفَّة والرشاقة التي كنا نراها في بعض البلاد عيانًا أمور حقيقةً يعني تستدعي الانتباه ، وتجعل الأمر فوق الطاقة المعروفة لدى البشر ، فهي إما أن تكون استعانة مباشرة من الجن كما ذكرنا ، وإما أن تكون تمرُّنًا على تعاطي أمور خفيَّة جدًّا جدًّا كأولئك الذين تعرفونهم في بلادكم الذين - مثلًا - يعقدون بعض الحلقات في السَّاحات العامة ، فيجتمع الناس حوله ؛ فمثلًا يأخذ العملة الورقية مهما كانت ذات قيمة عرفيَّة فيحرقها أمام الناس ، فتلهب وتحترق ، ثم يُعيدها سيرتها الأولى ، هذا سحر بلا شك ، أما ما نوعيَّته هل هو رشاقة وخفَّة أم هو استعانة بالجن ؟ ممكن أن يكون كلٌّ من الأمرين واقعًا . كذلك - مثلًا - يُمسك أحدهما الخاتم في كفِّه ، وإذا هو ينتقل إلى كفٍّ أخرى ، فهذا سحر ، فسواء كان من هذا النوع أو من هذا النوع الحكم كما سمعتم في الحديث : ( حدُّ الساحر ضربةٌ بالسيف ) .

وقد جاء في بعض السنن في كتب الحديث لا أذكر الآن إذا كانت القصة ثابتة السند ، لكن فيها بيان مناسبة رواية الصحابي لهذا الحديث : ( حدُّ الساحر ضربة بالسيف ) ؛ قيل لعمران بن الحصين - رضي الله عنه - أن هناك رجلًا يقطع الرجل نصفين ثم يعيده حيًّا ، فدخل داره وأخذ سيفه ثم ركض ؛ حتى رآه فعلًا فقطع رأسه ، وروى هذا الحديث : ( حدُّ الساحر ضربةٌ بالسيف ) . فإذا عرفنا هذه الحقيقة أوَّلًا ، وضمَمْنا إلى ذلك أن مَن هم الذين يتعاطون السحر ؟ هم اليهود الذين سحروا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد أن عجزوا عن قتله والقضاء عليه في محاولات كثيرة ، لا بد أنكم تذكرون ولو بعضها ، من أصحِّها ما جاء في " صحيح البخاري " أن يهودية قدَّمت هدية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذراع شاة ، فأكل - عليه السلام - أو حاول أن يأكل ، فقبل أن يبلع لقمة لفظها ، أما بعض الصحابة الذين كانوا ابتلعوا اللقمة فقد ماتوا ، وأما الرسول - عليه السلام - فقد نجا من أن يموت كما مات بعض أصحابه ، ولكنه قال في آخر مرض موته - عليه السلام - : إنني لا أزال أجد في ، لا أزال في - أو كما قال عليه السلام - أثرَ السُّمِّ الذي أكله - صلى الله عليه وسلم - .

فاليهود حاولوا قتله - عليه الصلاة والسلام - بشتَّى الوسائل ، منها السُّمُّ فلم يفلحوا ، وآخر محاولة كانت منهم القضاء عليه بطريق سحر لبيد بن الأعصم له ، ومرض - عليه الصلاة والسلام - مرضًا شديدًا نحو ستَّة شهور ، ثم قال - عليه السلام - ذاتَ يوم : ( يا عائشة ، أشعرْتِ بأن الله - تبارك وتعالى - قد أفتاني عن مرضي ) ، نزل جبريل - عليه السلام - عليه ومعه ملك من الملائكة ، فقام أحدهم على رأسه والآخر عند رجليه ، فقال أحدهما للآخر : ما بالرجل - يعنون النبي صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : مطبوب . قال : مَن طبَّه ؟ قال : لبيد اليهودي . ثم ذكروا له وهو مضطجع - عليه السلام - يسمع المحاورة بينهما بأن هناك مشط ومشاطة مُلقاة في بئر مهجور ، فأرسل - عليه الصلاة والسلام - عليًّا إلى البئر وأتى بالسحر المعقود ، ففكَّ العُقَد ، ونزل عليه - عليه السلام - من ربه - تبارك وتعالى - سورة المعوذتين ؛ (( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )) ، (( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )) ، فلما قرأهما - عليه السلام - وفُكَّت العُقَد فكأنما نشط من عقال .

فإذًا من الذي يسحر ؟ هو اليهودي أو الكافر ، وهو حدُّه أن يقتل ضربة بالسيف ؛ إذًا لا يجوز تعلُّم السحر لأنه أمرٌ مضرٌّ ، ويعود تعلُّمه إلى الاستعانة بشياطين الجنِّ فضلًا عن شياطين الإنس ، أما ما يُشاع وكثيرًا ما نُسأل مع الأسف عنه أنُّو هل هذا صحيح : " تعلَّم السحر ولا تعمل به " ؟ فنقول : هذا ليس بحديث ، وإنما هو شعر ، واليوم سُئلت هاتفيًّا هذا السؤال ؛ لأن الشاعر يقول :

" تعلَّمِ السحرَ ولا تعمَلْ بِهِ *** العلمُ بالشَّيء ولا الجهلُ بِهِ "

والرسول ليس بشاعر بطبيعة الحال ولا يحسن الشعر ، وإن كان مدح نوعًا من الشعر ، إذًا لا يجوز أن يتعلَّم السحر ، هذا واضح ، إذ الأمر كذلك فهل يجوز إتيان الساحر وهو يستحقُّ ضربةً بالسيف ؟ طبعًا قلت : هذا يُفهم من الجواب الأول ؛ فلا يجوز إتيان السحرة أبدًا ؛ لا سيَّما وفي السؤال أنه استعمل الرقية ، فإذا لم تُفِدْه الرقية فهل يفيده الساحر ؟ هذا أمر منكر كلَّ النكارة ؛ لذلك لا يجوز للمسلم أن يستعينَ على معالجة بعض أمراضه بشيء من أنواع السحر ، وإنما عليه أن يلجأ إلى الله - عز وجل - ويستعمل الرُّقى الشرعية من آيات قرآنية أو أدعية نبوية صحيحة .

غيره ؟

...

مواضيع متعلقة