السَّبيل إلى تحصيل العلم النافع ؟ وكيف نوفِّق بين الأحاديث المتعارضة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
السَّبيل إلى تحصيل العلم النافع ؟ وكيف نوفِّق بين الأحاديث المتعارضة ؟
A-
A=
A+
السائل : جزى الله الشيخ خير الجزاء على ما ذكره في هذه الموعظة النافعة ، والتي بيَّن فيها الأصل العظيم الذي ينبغي أن يتَّبعه المسلمون جميعًا إذا أرادوا النجاة في الدنيا من الاختلاف ، وفي الآخرة من عذاب الله - عز وجل - ويفوزوا بالجنة ، لا شكَّ أن ما ذكره الشيخ أهمُّ بكثير من كثير من الأسئلة التي يترقَّبها كثير من الذين كتبوها ، فإن معرفة الأصول أهم بكثير من معرفة الفروع ، ومع ذلك فلا بد من ذكر هذه الأسئلة للشيخ وطرحها عليه ، إلا أننا نعتذر للإخوة على أن الأسئلة كثيرة جدًّا ، ومنها ما هو متعلق بنفس الموضوع الذي ذكره الشيخ ، ومنها ما هو متعلق بالمناسك ، وهذان النوعان من الأسئلة سوف يُقدَّمان على غيرهما لضرورة الحال ، أما بقيَّة الأسئلة فإذا وجد لذلك وقت فلا بأس ، والذي سيحدِّد ذلك هو الشيخ نفسه .

أما السؤال الأول الذي سوف نفتتح به هذه الأسئلة وهو السؤال الأول الذي سُئله الشيخ ، والشيخ سيجيب - إن شاء الله - .

الشيخ : يجب على طلاب العلم جميعًا إذا أرادوا التفقُّه فعلًا في كتاب الله وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على المنهج الذى سبق منَّا بيانه ؛ يجب أن يتوسَّعوا في معرفة أصلين اثنين من أصول علوم الشريعة ، أما الأصل الأول ؛ فهو المعروف عند الفقهاء بأصول الفقه ، أما الأصل الآخر ؛ فهو المعروف بأصول علم الحديث ، ولا يتمكَّن طالب العلم من أن يكون فعلًا طالب علم ، أو أن يصير ويترقَّى في درجات هذا العلم حتى يصبح عالمًا يلجأ الناس إليه لحلِّ مشاكلهم ؛ إلا إذا اعتمد على هذين الأصلين : أصول علم الفقه ، وأصول علم الحديث ؛ لأنه بهما يتمكَّن من معرفة الحقِّ من الخطأ ، والهدى من الضَّلال ، من هذه القواعد الفقهية الأصولية قول العلماء : " إذا تعارض نصَّان أحدهما يُبيح شيئًا ، والآخر ينهى عنه " والمقصود بالنَّصَّين هو لا شكَّ أنه هو القرآن والسنة ، ولا ثالث لهما إلا كما ذكرنا استعانة على فهمهما ، فإذا جاء نصَّان حديثان مختلفان ؛ فكيف التَّوفيق بينهما ؟

وجوه التوفيق كثير وكثيرة جدًّا ، مجملةٌ في بعض كتب الحديث ، وقد أشار إليها الحافظ العراقي في شرحه لـ " مقدمة علوم الحديث " لابن الصلاح وأوصلها إلى أكثر من مائة وجه ، مائة وجه ؛ بوجهٍ من هذه الوجوه أو بأكثر يُمكن التوفيق بين حديثين مختلفين ، أو بين آية وحديث ، من هذه الوجوه التي تتعلَّق بالجواب عن السؤال الأول الذي كان أن هناك حديثًا في " صحيح ابن ماجه " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن وضع خاتم في الخنصر ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أنه وضع ذلك ، للإجابة عن هذا الإشكال كيف ينهى أو كيف يفعل ؟

تأتي هذه القاعدة الهامة : " إذا تعارض حاظر " - حاظر من الحظر ؛ أي : مانع - " ومبيح ؛ قُدِّم الحاظر على المبيح " ، وبهذه القاعدة تزول إشكالات وكثيرة جدًّا ، بعض الناس يتنبَّه لها فيكون الصواب بجانبه ، والبعض الآخر لا يتنبَّه فيقع في الخطأ أو في التأويل الذي يلزم منه كثير أو قليل من التعطيل ، مثلًا نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الشرب قائمًا وشرب قائمًا ، قال : ( الفخذ عورة ) وهو حسر عن فخذه ، نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يتزوَّج بأكثر من أربع ، وتزوَّج هو - عليه الصلاة والسلام - بأكثر من أربع ؛ كيف التوفيق ؟

القاعدة : " إذا تعارض الحاظر والمبيح قُدِّم الحاظر على المبيح " ، والآن نهى أن يُتختَّم في الخنصر ، النهي هو المقدَّم ، أما هو تختَّم وأنا أذكر هذا وأقول تحفظًا حسب ما جاء في السؤال لأني لا أستحضره ، لكن اذا وُجد الحديث هكذا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تختَّم بالصورة التي نهى ؛ فحينئذٍ لا إشكال ، لأن النهي مُقدَّم على الفعل ، لماذا يُقدَّم النهي على الفعل ؟ بل هناك قاعدة ثانية هي أوسع من القاعدة الأولى ، القاعدة الأولى تقول : " إذا تعارض حاظر والمبيح قُدِّم الحاظر على المبيح" ، القاعدة الثانية تقول : " إذا تعارض القول والفعل قُدِّم القول على الفعل " ، سواء كان حاظرًا أو آمرًا أو غير ذلك ؛ فحينئذٍ الجمع بين الحديثين المختلفين فيما يتعلَّق بالتختُّم ، وهو أن نقدِّم نهيه - عليه السلام - ؛ لأنه أولًا حاظر ، وثانيًا لأنه قول ، والقول مُقدَّم على الفعل .

لماذا ذهب العلماء إلى تقديم القول على الفعل بعامة ؟ وتقديم الحاظر على المبيح بخاصة ؟

أما فيما يتعلَّق بتقديم القول على الفعل ؛ لأن القول تشريع عام لجميع المسلمين ، أما فعله - عليه الصلاة والسلام - ؛ فلأنَّه يحتمل أمرًا من ثلاثة أمور : الأمر الأول : أن يكون على الأصل ، والأصل هو الإباحة ، الأصل هو براءة الذمة ، بينما تأتي بعد ذلك أحكام جديدة ، ويمكن أن يكون فعله - صلى الله عليه وآله وسلم - لحاجة أو ضرورة ، فمن أجل ذلك لا يُترك قوله - عليه السلام - ، ويمكن أخيرًا أن يكون من الأمور الخاصَّة به - صلى الله عليه وآله وسلم - التي لا يُشاركه فيها أحد من المسلمين . أما تقديم الحاظر على المبيح ؛ فذلك أولى ؛ لأنه أولًا قول ، وثانيًا أنه حاظر ، والأصل في الأشياء الإباحة ، فإذا فعل النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فعلًا ولم يكن من خصوصيَّاته ، ولم يكن هناك ضرورة أو حاجة ألحَّت عليه به ؛ حينئذٍ يقال كان هذا في الأمر الأول قبل أن يأتي التَّشريع الجديد ، فمن أجل هاتين القاعدتين : " الحاظر مقُدَّم على المبيح" ، " القول مقُدم على الفعل" ؛ لا تتعارض الأدلة عند طلاب العلم في مثل الأمثلة التي ذكرناها آنفًا ، وهي كثيرة وكثيرة جدًّا .
  • رحلة الخير - شريط : 16
  • توقيت الفهرسة : 00:32:20
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة