كيف التوفيق بين حديث : ( تداوَوْا عباد الله ؛ فإن الله قد أنزل لكل داءٍ دواءً ) ، وحديث : ( الذين لا يرقون ، ولا يسترقون ، وعلى ربِّهم يتوكلون ) ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كيف التوفيق بين حديث : ( تداوَوْا عباد الله ؛ فإن الله قد أنزل لكل داءٍ دواءً ) ، وحديث : ( الذين لا يرقون ، ولا يسترقون ، وعلى ربِّهم يتوكلون ) ؟
A-
A=
A+
عيد عباسي : سؤال آخر - أيضًا - فيه عن التوفيق حديث : ( تداوَوْا عباد الله ؛ فإن الله قد أنزل لكل داءٍ دواءً ) ، وحديث آخر : ( الذين لا يرقون ، ولا يسترقون ، وعلى ربِّهم يتوكلون ) .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

عيد عباسي : كيف نفهم الحديثين والتوفيق بينهما ؟ أفيدونا .

التوفيق بين الحديثين وكيف نفهمهما ؟

الشيخ : الحديث الأول حديث معروف لدى جميع الإخوان ، ( تداوَوْا عباد الله ؛ فإن الله لم يُنزِلْ داءً إلا وأنزل له دواءً ) ، وفي بعض الأحاديث الصحيحة الأخرى : ( عَلِمَه مَن عَلِمَه ) هذا الدواء الذي أنزله ( عَلِمَه مَن عَلِمَه ، وجَهِلَه مَن جَهِلَه ) ، ففي هذا الحديث حضُّ للمسلمين أن يتداووا من أمراضهم التي تصيبهم أو قد تصيبهم ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، لكن يبدو أن البعض قد توهَّم أن هذا الحديث وما في معناه معارض لحديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - الصحيح - أيضًا - الذي فيه يقول : ( يدخل الجنة من أمَّتي سبعون ألفًا بغير حساب يوم القيامة ، وجوههم كالقمر ليلة البدر ) ، تحدَّث الرسول - عليه السلام - بهذا الحديث في مسجده ، ثم رجع إلى بيته ، فأخذ أصحابه يتداولون التحزير ويحاولون معرفة مَن يكون هؤلاء السبعون ألف الذين يدخلون الجنة " ترانزيت " بدون حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر ، فبعضهم يقول : مَن يكون هؤلاء غير نحن - معشر المهاجرين - الذين نصروا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في ساعات عسرة ؟ وطائفة تقول : مَن هؤلاء إلا الأنصار الذين نصروه ؟ وآخرون يقولون : لا هؤلاء ولا هؤلاء ، وإنما هم أولادنا الذين يأتون من بعدنا ولم يروا نبيَّنا - عليه الصلاة والسلام - ثم هم يؤمنون به ويصدِّقونه ، كل هذا تظنُّن ، ثم سرعان ما خرج الرسول عليهم ليتمَّ لهم الحديث حيث قال : ( هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربِّهم يتوكلون ) ، قام رجل من الصحابة اسمه عُكَاشة فقال : يا رسول الله ، ادعُ الله أن يجعلَني منهم . قال : ( أنت منهم ) . فقام آخر فقال كما قال الأول : ادع الله أن يجعلَني منهم . فقال - عليه السلام - : سبقك بها عُكَاشة .

ففي هذا الحديث أن من صفات أولئك السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم لا يكتوون ، ولا شك أن الاكتواء نوع من الدواء ، ومن هنا عرضت الشبهة لبعض الناس ، فجاء ذاك السؤال : كيف يقول : ( تداوَوْا عباد الله ) ثم هنا يقول أن من صفات السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم لا يتداوون ؟

الجواب : لا تعارض بين الحديث الأول والحديث الآخر ، وذلك من وجوه :

الوجه الأول : أن نُراجع قاعدة أصولية فقهية أصولية ، تقول : أنه إذا جاء نصَّان متعارضان في موضوع واحد كموضوع التداوي الذي نحن فيه الآن فيجب أن نستثني المعنى الأقل في أحد الحديثين من المعنى الأكثر في الحديث الآخر ، فنحن نجد في الحديث الأول : ( تداوَوْا عباد الله ) هذا نص عام ، يعني تداووا لكل الأمراض ؛ لأنه يقول : ( فإن الله ما أنزل داءً ما إلا وأنزل له دواءً ) ؛ إذًا تداووا بكل الأمراض وبكل الأدوية . ثم جاء الحديث الثاني فأشار إلى كراهة التداوي بماذا ؟ بالكي ، فهذا تداوي من نوع واحد ، وهناك تداوي بشتى الأنواع والأدوية ؛ إذًا نستثني الأقل من الأكثر .

ونأخذ بهذا التوفيق الخلاصة الآتية : تداوَوْا بكلِّ علاج إلا الكي ، انتهت المشكلة ، ولم يبقَ هناك تعارض ، فالتعارض يكون تداوى ولا تداوى ؛ هذا هو التعارض ، ليس مثل هذا التعارض له وجود بين الحديثين السابقين ، الحديث الأول يقول : تداوَوْا مطلقًا ، الحديث الآخر يكره التداوي بالكي ، ويجعل من صفات أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم لا يتداوون بالكي .

إذًا التداوي بالكي نستطيع أن نقول : إنه منهيٌّ عنه ليس من هذا الحديث ، هذا الحديث يُفيدنا عدم استحباب التداوي بالكي ، ولا يفيدنا النهي عن الكي ، ولولا أن هناك حديث صريح في النهي عن التداوي بالكي ... يفيد كراهة التداوي بالكي لا النهي ، لكن جاء الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في " صحيح البخاري " يقول .

نعم ؟

عيد عباسي : ... .

الشيخ : ... ( خير ما تداويتم به الحجامة والعسل والكي ، وأنهى أمتي عن الكي ) ؛ ( وأنهى أمتي عن الكي ) لماذا ؟ لأن في تعذيب بالنار ، ولا يجوز التعذيب بالنار إلا لمن خلق النار ، فظهر بأنه لا تعارض بين الحديثين ، والحمد لله رب العالمين .

مواضيع متعلقة