بحث حول مسائل تتعلق بصدقة الفطر من حيث حكمها ووقت إخراجها ، وهل يجوز إخراجها قيمةً ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بحث حول مسائل تتعلق بصدقة الفطر من حيث حكمها ووقت إخراجها ، وهل يجوز إخراجها قيمةً ؟
A-
A=
A+
الشيخ : ... ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد :

فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

بمناسبة العيد السعيد - إن شاء الله - رأيت أن أجعل بحث اليوم حول مسائل تتعلق بصدقة الفطر من جهة ، ومسائل أخرى تتعلق بصلاة العيد من جهة أخرى ؛ فَمِن هذه المسائل حكم صدقة الفطر .

العلماء اختلفوا في حكمها ؛ فالجمهور على أنها فرض ، والحنفية تفرَّدوا عن الجمهور فقالوا بوجوبها دون فرضيَّتها ، وإنما ذهبوا مذهبهم هذا لأن لهم مذهبًا يُعتبر عندهم قاعدة ، وهي التفريق بين الفرض وبين الواجب ، وهذا التفريق أمر اصطلاحي تفرَّدَ به الحنفية دون جمهور الأئمة ، وليس من المناسب الآن أن أتكلَّم حول سبب هذا التفريق من الناحية الأصولية ؛ لأنه سيأخذ من وقتنا المخصَّص للمسائل المشار إليها آنفًا ، وإنما أريد أن أذكِّر بأن أيَّ قاعدة تُوضع وتطبيقها يؤدِّي إلى مخالفة ما كان عليه السلف الصالح فذلك أكبر دليل على أن القاعدة غير سليمة ، فنحن لو فتَّشنا في كتب السنة وفي كتب الآثار التي تُعنى عناية خاصَّة بأقوال الصحابة لم نجِدْ فيها إلا قولهم : " فَرَضَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - " ؛ فهناك حديثان صحيحان : الأول في " صحيح البخاري ومسلم " من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : " فَرَضَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صدقة الفطر صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر " إلى آخر الحديث ، والشاهد منه قول ابن عمر : " فَرَضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر " ؛ فهي فرض .

والحديث الآخر : حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أيضًا قال : " فَرَضَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صدقة الفطر طهرةً للصائم من اللَّغو والرَّفث ، وطعمةً للمساكين " ، ولا بد هنا من إتمام الحديث ؛ لأن له صلةً من بعض المسائل الآتية ؛ " وطعمةً للمساكين ، فَمَن أدَّاها قبل صلاة العيد فهي صدقةٌ مقبولة ، ومَن أدَّاها بعد صلاة العيد فهي صدقةٌ من الصدقات " ؛ ففي هذا الحديث - أيضًا - تصريح ترجمان القرآن عبد الله بن عباس بأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فَرَضَ صدقة الفطر ، فبعد مجيء هذين الخبرين الصحيحين روايةً ، وعن ذَينك الصحابيَّين الجليلين من العبادلة المشهورين عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ، كلٌّ منهما أخبر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنه فرض زكاة الفطر ؛ فكيف يجوز بعد هذا لمسلم أن يقول : صدقة الفطر ليست فرضًا وإنما هي واجب فقط ؟!

لذلك ينبغي الاعتماد على هذين الحديثين الصحيحين لفهم الفقه الصحيح لصدقة الفطر ؛ وهي أنها فرضٌ فَرَضَه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ومعنى ذلك أنه فَرَضَه هو لبيانه ، ولكن ذلك ليس مِن عند نفسه ؛ لأن الشرع كله إنما هو من وحي السماء ، لكن يختلف بين أن يكون هذا الوحي جاء به القرآن الكريم ، وبين أن يكون هذا الوحي جاء في السنة الصحيحة ؛ ففرضية صدقة الفطر جاءت به السنة الصحيحة كما سمعتم ، وكما ذكرنا مرارًا وتكرارًا ونبَّهنا أنه لا يجوز للمسلم أن يفرِّق بين الله ورسوله ، أن يفرِّق بين كتاب الله وحديث نبيِّه ، فذلك كله يساوي شرعه ؛ كما قال - عليه السلام - : ( تركْتُ فيكم أمرين لن تضلُّوا ما إن تمسَّكتم بهما ؛ كتاب الله وسُنَّتي ، ولن يتفرَّقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض ) .

إذًا صدقة الفطر فرض من الفرائض ؛ فينبغي على المسلم أن يبادر إلى إخراجها ، ولا يتقاعس ولا يهملها ، وإلا كان آثمًا ؛ لأنه يكون مضيِّعًا فريضةً من فرائض الإسلام .

جاء في الحديث الأول في حديث ابن عمر أن الصدقة التي فَرَضَها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هي صاع من شعير أو صاع من تمر أو صاع من زبيب ، وفي هذا الحديث أو في غيره ذكر الأقط ، وفي غيره قطعًا ذكر البر القمح ، ولكن على أساس أن الزكاة المفروضة من البر هي نصف صاع ، وليس صاعًا كما هو في الأنواع الأخرى .

وهنا تأتي مسألة طالما اختلف العلماء فيها ؛ ألا وهي : هل يجب إخراج الزكاة من هذه الأعيان من هذه الأنواع التي جاء تسميتها في الحديث أو في الأحاديث الصحيحة ولا يجوز إخراج بدل عنها أم يجوز إخراج القيمة ؟

الشافعي وغيرهم على الأول ؛ أي : يجب إخراج الزكاة من هذه الأشياء التي جاء ذكرها في الأحاديث ، أما أبو حنيفة - رحمه الله - فيرى جواز إخراج القيمة ؛ قيمة هذه الأشياء المذكورة ، والذي أراه وتبيَّن لي منذ أمد طويل أن سبب هذا الاختلاف بين هؤلاء العلماء يعود إلى النظر إلى هذه الفريضة فريضة صدقة الفطر ؛ هل هي عبادة تعبُّدية محضة لا يُعرف الغاية التي رمى من ورائها الشارع ؛ فحينئذٍ يُلتزم فيها النَّصُّ ولا يُجتهد في التفقُّه بهذا النَّصِّ ؟ أم هذه الصدقة هي من العبادات المعقولة المعنى ؟ وأنا طرقت مثل هذا البحث أكثر من مرة ولا أريد - أيضًا - أن أعيد الكلام فيه ، وإن كنت أشعر بأن البعض قد يخفى عليه المقصود من هذا التفصيل ؛ كون العبادة تكون تعبُّدية محضة غير معقولة المعنى ، أو تكون تعبُّدية معقولة المعنى ، لكن لعل البحث في ما نحن بصدده الآن قد يجلِّي المعنى المقصود من تلك العبارتين .

صدقة الفطر هل هي معقولة المعنى أم هي تعبُّدية محضة ؟

الذين يذهبون إلى أنها تعبُّدية هم الذين وقفوا عند النَّصِّ والتزموه بحرفيَّته ، فقالوا : يجب إخراج الشعير أو القمح أو أو إلى آخره ، أما الذين فهموا أن المقصود من هذه الفريضة مفهوم الغاية منه ؛ ألا وهو التوسعة على المساكين ؛ فهؤلاء يقولون : يجوز لنا إخراج القيمة ؛ لأن القيمة أنفع للفقير من إخراج هذه الأعيان ؛ لا سيما في هذا الزمن .

ونتيجة إعمالي لفكري في هذه المسألة تبيَّن لي أن الأرجح أن صدقة الفطر معقولة المعنى ، وكثير من العبادات يُؤخذ معقولية معناها من دلالة النّصِّ نفسه ، أو من التفهُّم للنَّصِّ بالأحرى ، لكن هذه الفريضة بالذات قد وجدنا الحديث قد صرَّح بالغاية المقصودة من شرعية هذه الصدقة ، وذلك في الحديث الثاني من حديث ابن عباس ؛ حيث قال فيه : " طهرةً للصائم من اللغو والرفث وطعمةً للمساكين " ؛ فإذًا هذا الحديث يبيِّن لنا أن الغاية من شرعية صدقة الفطر واضحة شيء يعود إلى المزكِّي وشيء آخر يعود إلى الفقير ، أما الذي يعود إلى المزكِّي فهو قوله - عليه السلام - : " طهرة للصائم من اللَّغو والرَّفث " ، أما الذي يعود إلى الفقير فهو قوله : " طعمة للمساكين " .

إذا كان هذا واضحًا كما أرجو حين ذاك نعود إلى الأعيان أو الأشياء التي جاء ذكرها في الحديث الصحيح ؛ إذا أردنا أن نتمسَّك بحرفية الحديث دون النظر إلى هذا الذي نحن في صدد بيانه ؛ فأخرجنا - مثلًا - من الشعير بل ومن القمح ، وأعطينا لفقرائنا في هذه البلدة لم يستفد الفقير من هذه الصدقة ، لا أقول : لم يستفد شيئًا ، لكني أقول : إنه قطعًا لم يستفد الفائدة التي رَمَى إليها الشارع من فرض الصاع من الشعير ونصف الصاع من البر أو القمح ؛ ذلك لأن فقيرنا هنا إن جاءته الصِّيعان من هذا أو هذا سيعود بها إلى البائع الأول إلى العلَّاف ، فيبيعها منه وبثمن أقل مما اشتراه منه الغني بقليل أو كثير ، وبذلك يعود الفقير بصدقة أقل ممَّا فرض الله له ؛ أعني لو أراد الغنيُّ أن يعطي صدقته من القمح فسيعطيه نصف صاع ، هذه النصف صاع ثمنه ليرة سورية ، فالرجل يدفع ليرة سورية للعلَّاف ، ويأتي بالقمح إلى الفقير ، ثم يعود الفقير بالقمح إلى العلَّاف فيأخذ الثمن ثمانين خمسة وسبعين ، أقل أكثر الله عليم ، المهم أنه لا يأخذ حقَّه تمامًا بسبب ماذا ؟ بسبب أننا لم نرعَ ولم نلاحِظْ الغاية التي رمى إليها الشارع بفرضية صدقة الفطر طعمة للمساكين ، فهو جعل طعمة الشعير يوم كانوا يأكلون خبز الشعير ويحمدون الله كثيرًا على هذا الخبز ؛ لأن أوضاعهم كانت كما نعلم جميعًا أوضاع فقر شديد جدًّا ، وإذا أُعطوا قمحًا فذلك خير وخير ، ولكن بتلك الأيام كانت الحياة في أكثر البلاد التي كان فيها أو كان منبع الإسلام منها ؛ كانت حياتهم على هذه الأنواع من الحبوب وما ذُكِرَ في الحديث ، وبالتالي كان أكثر البيوت تحوي " التنانير " التي يخبزون فيها الخبز من القمح أو الشعير ، وكل بيت فيه الطاحونة الصغيرة المعروفة بـ " الجاروشة " ، اليوم لا وجود لمثل هذه الوسائل التي تسهِّل للفقير أن يأكل من خبز الشعير يطحنه بيده ، وتخبزه زوجته بيدها .

اليوم أصبح الخبز مشترى من الفرن ؛ لذلك في هذه الحالة نرى أن تطبيق معنى الحديث الذي رَمَى إليه الشرع يكون بإخراج القيمة ، وبخلاف ذلك تمامًا في القرى التي لا تزال تعيش على نحو الحياة السابقة في زمن النبوة والرسالة ، ولا تزال كثير من القرى تدَّخر القوت قوت سنة من القمح والشعير ، وتستعمل " الجاروشة " و " التنور " ونحو ذلك ؛ فالصدقة في مثل هذه القرى تقديمها من الأعيان التي جاء النص عليها في الحديث هو الواجب حين ذاك ؛ لأنُّو أوَّلًا نص الحديث ، وثانيًا هو الذي يحقق مصلحة الفقير عكس الفقير في العواصم ؛ فهناك إذا أعطيته القيمة هو سيفعل عكس ما يفعل الفقير هنا ؛ ينزل إلى السوق ويشتري القمح والشعير ليدَّخره قوتًا لأهله ، فإذا أنت جئته بهذا القوت جاهدًا من القمح أو الشعير أوَّلًا أعطيت له حقَّه ، وثانيًا وفَّرت عليه أن يشتري هذا الذي قدَّمته إليه فيما لو قدَّمت إليه قيمة هذه الأشياء .

لذلك فأنا أفهم مما ذهب إليه أبو حنيفة - رحمه الله - من قوله بجواز إخراج القيمة أن هذا ينبغي أن يُلاحظ فيه حينما تكون القيمة أنفع للفقير ، ولا تُتَّخذ قاعدة القيمة ، القاعدة هو ما نصَّ عليه الحديث ، لكن في بعض الظروف في بعض البلاد كالعواصم إذا كان من المقطوع به كما نعتقد أن القيمة أنفع للفقير بما شرحناه سابقًا فهنا يجوز إخراج القيمة ، أما القرى فيُلتزم فيها تنفيذ وتطبيق نص الحديث .

هذا فيما يتعلق بالأنواع التي يجوز أو يجب إخراج الصدقة منها ، أو إخراج قيمتها عندما تكون القيمة أنفع للفقير .

بهذه المناسبة ... السؤال ؛ لا سيما والعيد بيننا وبينه يوم أو يومين : ما قيمة هذه الصدقة ؟

يعني نحن نشعر بواقعنا أنُّو ما فينا أحد يذهب إلى العلَّاف يقول له : من فضلك أعطيني عشر صيعان من الشعير ؛ لأنُّو عليَّ عشر صدقات أنا وزوجتي وثمانية أولاد مثلًا ، ولكن كلنا الذي نفعله أن نخرج القيمة ، في هذه الحالة ينبغي أن نعرف القيمة .

العادة أنَّ وزارة الأوقاف تصدر نشرة ، هذه النشرة فيها مراعاة حق الفقير أكثر مما فرض الله ، وأنا أقول : لا بأس من ذلك ؛ ولكن بشرط أن يعرف الغني الذي يجب عليه أوَّلًا ، ثم إن شاء هو بعد ذلك أن يتطوَّع فلا بأس من ذلك ، أما أن يقال : هذا هو الواجب عليك والواجب دون ذلك بقليل أو كثير ؛ فهذا لا أراه صوابًا ؛ لذلك أقول كما هي عادتي في كل ... ونظرًا لاختلاف أسعار القمح والشعير في هذه البلاد فقيمة الصاع من الشعير 130 - 135 قرش ، فإذا أخرجت 130 - 150 تكون أخرجت الفرض ونافلة ، والقمح قيمة النصف صاع عبارة عن ليرة سورية ، بعض العلماء يرون عدم التفريق بين الشعير وبين القمح ، فيجب إخراج صاع من البر كما يجب إخراج مثله من الشعير ، لكن نحن رأينا بعض الأحاديث تصرِّح - وهي في الجملة صحيحة - بأن الواجب من البر نصف صاع ، بخلاف الأنواع الأخرى فالواجب منها صاع ، فعلى هذا فصدقة الفطر من ليرة فصاعدًا .

وأنا يهمُّني هذا التفصيل لنكتة ذكرتها قريبًا هنا أو غير هنا ما عاد أذكر ؛ وهي أن طاقة المزكِّين المخرجين لصدقة الفطر تختلف من إنسان إلى آخر ، فربَّ شخص ما تفرق معه إن كانت صدقة الفطر ليرة ولَّا خمس ليرات ولَّا عشرة ؛ لأنُّو الله موسِّع عليه ، لكن ربَّ إنسان آخر يفتش في جيوبه ، ويحاول يعمل حساب يا ترى بيطلع عليه صدقة الفطر ولَّا لا ؟ فمعه رح تفرق من فرنك لفرنكين ، مو من ليرة أو ليرتين ؛ لذلك نحن علينا أن نبيِّن الواجب من هذه الصدقة ، ثم كل إنسان حسيب نفسه .

قبل أيِّ شيء : هل هناك فقير لا يستطيع أن يخرج صاعًا عن نفسه وزوجته وأولاده ؟

قد يوجد . طيب ، قد يوجد مَن هو أغنى منه قليلًا ، لكن هو لا يستطيع أن يخرج قيمة الصاع ليرة ونص ؛ فإذًا يخرج ليرة ، وهكذا الغني يستطيع أن يخرج من الزبيب صاعًا من الزبيب يساوي ربما عشر ليرات ثمان ليرات ؛ أنا ما تطرَّقت هالنواحي هَيْ .

نعم ؟

السائل : ... .

الشيخ : تمام .

فلذلك لما بدنا نعطيه القيمة بدنا نعطي أقل قيمة ؛ حتى الفقير يستعد هو نفسه - أيضًا - يزكِّي عن صيامه ، فإذا قدَّمنا هذه الخلاصة وهو أدنى قيمة من ليرة من ليرة ونص فصاعدًا أفسحنا المجال لأكثر الصائمين أن يخرجوا صدقة الفطر بخلاف ما إذا غلونا في السعر ورفعنا السعر ... الفقراء فحينئذٍ سيكون هناك فقراء يستطيعون في الواقع أن يخرجوا صدقة الفطر ، لكن لما غلونا السعر ورفعناه حرمناهم من هذه الصدقة ؛ ولذلك الفصل الحق هو الواجب في كلِّ الأحكام الشرعية .

نعم ؟

السائل : ... .

الشيخ : ... هو الأصل الأصل في الصَّاع وهذا ممكن كل إنسان منكم ما يحتاج لشيخ ولا يحتاج لفتوى ؛ كل واحد منكم إذا عنده فراغ عنده وقت يروح لعند العلَّاف بغرفتين نصف صاع ، أربعة هو الصاع ، بكفين معتدلتين ، ثم يحط شيء احتياط ... مو معتدلتين أكثر من ذلك ؛ بتطلع النتيجة الصاع قريب من كيليين ، بيزيدوا شوية بينقصوا شوية على حسب إيش ؟ الكفين .

هذا من حيث أنواع أو قيمة هذه الأنواع ، بقي شيء وهو وقت الإخراج .

نعم ؟

السائل : ... .

الشيخ : احفظوا أسئلتكم بعدما أنا ... عندي .

وقت إخراج صدقة الفطر :

الحديث في " صحيح البخاري " الصريح من حديث ابن عمر قال : " أَمَرَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بإخراج صدقة الفطر قبل صلاة العيد " ، النص هكذا ، ودائمًا الأولى تنفيذ هذا النَّصِّ كما هو ، والتفصيل الذي ذكرناها سابقًا معقول المعنى أو تعبُّدي هذا ممكن الإنسان يستطيع أن يفقَهَه ، بل العلماء أنفسهم يختلفون فيه ، فالواجب في كلِّ نصٍّ تطبيقه حرفيًّا ، إلا مَن بدا له أنه يرمي إلى غاية فحينئذٍ هو يمشي وراء هذه الغاية ، ولو أنه لم يلتزم حرفية النَّصِّ ؛ لأنُّو التزام حرفية النَّصِّ يحمل صاحبه في بعض الأحيان أن يأتي بشيء منكر مضحك في آن واحد .

ولا بأس أن أذكِّركم بالذي يفهم من قول من حديث الرسول - عليه السلام - عن أبي هريرة قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن البول في الماء الراكد " ، فيقول : المنهي عنه هو ما دل عليه نصُّ الحديث ؛ وهو البول في الماء الراكد ، أما إذا بال في إناء فارغ ، ثم أراق هذا البول من هذا الإناء الفارغ بالماء الراكد جاز ؛ هذا منكر مضحك !! لأنُّو النتيجة وحدة ، لكن تمسُّكه بحرفية النص دون النظر إلى ما رمى إليه النص من المحافظة على طهارة الماء أو على الأقل على نقاوته ، دون النظر إلى هذا ؛ خَرَجَ منه هذا الحكم الغريب العجيب .

ومثله - مثلًا - لما قال الرسول - عليه السلام - في حديث : ( استأمروا النساء ) ، وقال في أثناء ذلك عن البكر : ( وإذنُها صماتها ) ، فقال ذاك الذي يتمسَّك بحرفية النص دون النظر إلى ما يرمي إليه النص قال : فلو قالت البكر : رضيت ؛ ما صح ، فيجب عليها أن تصمت ؛ لأنُّو الحديث يحمل حكمًا ؛ صحيح يحمل حكمًا ، لكن هذا الحكم هل أراد التيسير على الفتاة أم التعسير ؟ الذي ينقدح في بال وفي خلد كلِّ فقيه للنَّصِّ أنه أراد التيسير ؛ لأن البكر - ومع الأسف أقول : في تلك الأيام مش في هذه الأيام - كانت تخجل أن تصارح أباها فضلًا عن أخيها وعمِّها أو آخرين من أقاربها أن تقول : إي أرضى ، أو تزيد على ذلك ، كانت تستحي فتسكت ، فالشارع الحكيم الذي يعلم ما فطر عليه النساء وخاصة منهنَّ الأبكار عليه من الحياء تسامح وقنع منها بالسكوت ؛ ولذلك يقولون في كثير من المواطن : " السكوت إقرار " ، فلم يرضَ بهذا ذاك الذي جمد على النص ، قال : لا بد أن تسكت ، وإذا قالت : رضيت ؛ ما صح ... السؤال ... تمامًا ، فلازم تسكت ! هذا كله يأتي من الجمود على النص .

فأقول : وقت صلاة العيد في الحديث الصحيح كما ذكرنا أمر بإخراجها وقت صدقة الفطر قبل صلاة العيد ، أمر بإخراجها قبل صلاة العيد ، يجب الوقوف عند هذا النص كما قلنا ؛ لا سيما والنص هنا معقوليته مع التمسُّك بحرفيته ، وإليكم مثلًا واضحًا : كثير من الناس يسارعون فيُخرجون صدقة الفطر في أول رمضان ، وناس وناس أنواع في وسط رمضان ، هناك قبل خمس ست أيام ، وآنفًا سألني بعض الإخوان أنُّو أنا أخرجت ... الصدقة ، قلت له : أعدها ، هل الشخص الذي أخرج صدقة الفطر في أول رمضان ؟ هذه صدقة الصيام وليست صدقة الفطر ، لاحظوا هذه التسمية ، الشارع الحكيم سمَّاها زكاة الفطر ، والعلماء مجمعون على هذا ، مع ذلك تبلغ الغفلة ببعض الناس عن المعنى الذي تتضمَّنه هذه التسمية صدقة الفطر ، فيخرج هذه الصدقة في أول رمضان ، في منتصف رمضان .

تُرى إذا وُضِعت هذه الصدقة بيد فقير حقًّا هل ستبقى لديه حتى العيد ؟ ولو عمليًّا يعني ، الرجل ما أخرج صدقة الفطر ؛ أخرج صدقة رمضان ؛ لأنُّ وقعت في رمضان ، لكن قد نتصوَّر أنُّو فقير يأخذ هذه الصدقة في أول رمضان ، ويدَّخرها إلى العيد ، قد يقع هذا ، لكن نادر جدًّا رجل محتاج أول ما تجيه هالصدقة هَيْ يوسِّع فيها على نفسه وعلى عياله ، وحين ذاك فاسمًا وفعلًا هذه الصدقة وقعت من ذاك صدقة رمضان وليست صدقة فطر ، والمفروض أنُّو هذه صدقة فطر كما هو البحث في الأحاديث في كتب الفقه ؛ لذلك ما استطاع المزكِّي فعليه أن يتأخر بإخراج صدقة الفطر إلى ما قبل صلاة العيد .

هناك فسحة لو جاءت من غير راوي الحديث وهو الصحابي عبد الله بن عمر أنا شخصيًّا لم أقبلها خشية أن لا تقع صدقة فطر ، هذا عبد الله بن عمر الذي روى هذا الحديث : أمَرَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بإخراج صدقة الفطر قبل صلاة العيد ؛ قال : فكنَّا نخرجها قبل صلاة العيد بيوم أو يومين .

راوي الحديث هو الذي يروي الحديث هذا عن الرسول - عليه السلام - من جهة ، ثم هو يتحدث عن طريقة إخراجهم - أي : الصحابة - لهذه الصدقة من جهة أخرى فيقول : إنهم كانوا يخرجونها قبل صلاة العيد بيوم أو يومين .

فأنا أخذت من هذا الواقع الذي أخبرنا عنه عبد الله بن عمر أخذت فسحة في هذا التوقيت ، واقتنعت به لسببين اثنين :

السبب الأول - وهو الأصل - : أنه جاء من الصحابي راوي الحديث ، و " الصحابي راوي الحديث هو أدرى بمرويِّه من غيره " ، وهذا مسألة خلاف عند الفقهاء فيما إذا تعارض رأي راوي الحديث مع روايته ، فجمهور العلماء إذا تعارض رأي راوي الحديث مع روايته على أن روايته مقدمة على رأيه خلافًا للحنفية ؛ فَهُم عكسوا هذه القضية وقالوا : " رأي الراوي مقدَّم على روايته " ، وأنا ذكرت أرى أن الرأي لا يُقدَّم على الحديث بأيِّ وجهٍ من الوجوه ، ولكن هذا في حالة صادم ، الرأي مع الرواية ، أما حينما لا يوجد هناك تصادم وإنما يوجد توسيع - كما قلت - لمعنى التوقيت ؛ فحين ذاك نأخذ من الصحابي هذا الذي أخبَرَنا عنه أنه كان يقع في عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - الذي هو أمَرَهم بإخراجها قبل صلاة العيد ، هذا هو الشيء الأول الذي أقنَعَني بتبنِّي هذه الزيادة أو هذه الرخصة .

والشي الآخر : أنني أجد بالتطبيق وبالعمل أن بعض الناس قد لا يتيسَّر لهم إخراج الصدقة بهذه الحرفية " قبل صلاة العيد " ؛ يعني وهو منطلق - مثلًا - إلى المصلى ؛ قد لا يتيسَّر له ذلك ، يتيسر له - مثلًا - إخراجها مساءً ، قد يكون مكان أبعد ؛ فيخرجها قبل يوم أو يوم وليلة ، وهكذا .

فإذًا الحديث يأمرنا بإخراج الصدقة قبل صلاة العيد فهكذا ينبغي أن نفعل ، إلا إذا لم يتيسَّر لنا ذلك فنأخذ فسحة يوم بالكتير يومين ، ولهون وبس ؛ الأمر قبل الصلاة أمر من الرسول - عليه السلام - ... يوم يومين تطبيق من صحابة الرسول وفي عهد الرسول وفي زمنه .

هذه المسائل التي رأيت أن أتحدث عنها بهذه المناسبة ، وعندي الآن بعض المسائل الأخرى حول صلاة العيد ، وإذا كان في أسئلة حول الصدقة أجيب عنها وإلا أتابع كلامي .

مواضيع متعلقة