ما صحة قصة عمر - رضي الله عنه - حين اعترضت عليه امرأة في تحديد المهور ، حيث قال : " أخطأ عمر وأصابت امرأة " ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما صحة قصة عمر - رضي الله عنه - حين اعترضت عليه امرأة في تحديد المهور ، حيث قال : " أخطأ عمر وأصابت امرأة " ؟
A-
A=
A+
السائل : ... عمر - رضي الله عنه - قوله : " أخطأ عمر وأصابت امرأة " ؟

الشيخ : لا ، هذه قصة ضعيفة الإسناد على شهرتها بين الناس ؛ بل بين خاصَّة الناس وهم الخطباء في المساجد ، فالذين يخطبون بأن عمر بن الخطاب خطب يومًا وأَمَرَ بتحديد المهور أو تقليلها ، فقامت امرأة واحتجَّت عليه بقوله - تعالى - : (( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا )) "" كبيرًا "" .

السائل : (( مُبِينًا )) .

الشيخ : (( إِثْمًا مُبِينًا )) ، قبل أن تذكِّروا بالآية قالت : ليس لك ذاك يا عمر ، والله - عز وجل - يقول وتلت هذه الآية ، زعموا أن عمر قال : " رجل أخطأ وامرأة أصابت " ، فهذه القصة ضعيفة الإسناد .

سائل آخر : كلها ولَّا بعضها ... ؟

الشيخ : كلها ، وسأذكر الصحيح .

هذه القصة ضعيفة الإسناد منكرة المتن ؛ أي المعنى ، أما ضعف إسنادها فيأتي من رجل فيه في الإسناد اسمه " مجالد بن سعيد " ، وهو ضعيف ليس بالقويِّ عند علماء الحديث كما صرَّح بذلك الحافظ بن حجر العسقلاني في كتابه " تقريب التهذيب " ، أما من حيث المعنى فالآية لم تُسَقْ للموضوع الذي طَرَقَه عمر ، الموضوع الذي طرقَه عمر - رضي الله عنه - هو الحضُّ على تقليل المهور ، والنهي عن المكاثرة فيه بالمهر ، أما الآية فإنما تعالج شيئًا آخر تمامًا ، هذا الشيء الآخر هو أن الرجل إذا كان تعهَّد لزوجته بمهر معيَّن ، ثم وقع الخلاف أو الطلاق فطلَّقها ؛ فلا يجوز للرجل أن يأكل من مهره الذي قدَّمَه لزوجته ولو كان قنطارًا ؛ أي : مهما كان كثيرًا هذا المهر ؛ فما دام أن النكاح وقع على أساس هذا المهر فيجب أن يُقدَّم كله ولا يأخذ منه شيئًا ، ولَئِن أخذه فإنما أخذه بهتانًا وإثمًا مبينًا ، فالآية تعالج شيئًا وعمر عالج شيئًا آخر .

وقد لا يكفي هذا للتوضيح ؛ فنقول : الحقيقة أن الإسلام لم يحدِّد مهور النساء ، ولكنه حضَّ على التقليل ، ورَغِبَ عن التكثير منه ؛ حتى في " صحيح مسلم " أن أبا هريرة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلب منه أن يُعينه بقيمة من المال كمهر لزوجة خَطَبَها ، فسأله كم ؟ قال: أوقيَّتان من فضة . الأوقية طبعًا أقل من أوقيَّتنا بنسبة كبيرة لا أدري الآن على الضبط كم قيمتها ؛ فقال له - عليه السلام - : ( وكأنما تمرقون من هذا الجبل ؟ أوقيَّتان ؟! ) ... أقل بكثير ، استكثر الرسول - عليه السلام - المهر ، وقال له : كأنك عم تقطِّع من هالجبل ... حجر ... تراب رمل ؛ ففهي هذا نهيٌ أو ترغيبٌ عن الاستكثار من المهور . لكن لو أن .

نعم ؟

سائل آخر : في أربعين درهم .

الشيخ : في أربعين درهم ، درهم زماننا ؟

سائل آخر : ... .

الشيخ : درهم زماننا ؟

سائل آخر : ... .

الشيخ : يعني ما فسرنا بقى التفسير المفهوم اليوم .

المهم أن هذا الإسلام الذي رَغِبَ من المسلمين أن يقلِّلوا من المهور ونهاهُم عن الاستكثار منها ، لكن من جانب آخر .

سائل آخر : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

قال : (( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )) ، فإذا كان أمَرَ ربُّ العالمين أمرًا عامًّا بالإيفاء بالعقود ، وقال الرسول - عليه السلام - قولًا خاصًّا بالمهور ، فقال : ( إن أحقَّ الشروط أن تُوفوا به ما استحلَلْتُم به الفروج ) ، فإذا رجل تزوَّج امرأة بمليون ليرة سورية ، هكذا كان الاتفاق ، هو من جهة اتفاق صحيح ، لكن من جهة أخرى مكروه ؛ لماذا ؟ لِمَا فيه من الغلاء بالمهر ؟ لكن ما دام الرجل رَضِيَ على نفسه أن يتعاهد بأن لزوجه - زوجته أعني - مهر عنده مليون ليرة سورية ، ثم وقع الفراق ؛ فعليه أن يقدِّم المليون ولا يأخذ منه فلسًا .

هذا الموضوع - أي : موضوع الوفاء بالعقود وبالشروط - هو الذي عَنَتْه الآية السابقة ؛ الآية التي احتجت العجوز على عمر .

فالآن أظن يتضح نكارة الحديث ؛ لأن عمر أفقه وأنبَه من أن ينطلي عليه خطأ استدلال العجوز بالآية في موضوعه الذي كان هو حول تقليل المهور ، فكان يقول عمر لها : أنت أخطأت ، أنا بحثي وموضوعي فيما كان الرسول يدندن حولَه وهو تخفيف المهور ، أما الآية فموضوعها الحضُّ على الوفاء بالعقد بالمهر الذي اشترطه الرجل على نفسه ، فاختلف دلالة الآية عن موضوع الذي كان يطرقه عمر .

ومن جهة أخرى مما يدل على نكارة الحديث أن الحديث صح عن عمر أنه حذَّر المسلمين يومئذٍ أن يغالوا في مهور نسائهم ، وهدَّدهم بأنه إن بَلَغَه عن أحد منه = -- وعليكم السلام -- = أنه أخذ مهرًا أكثر من أربع مئة درهم المهر الذي أعطاه الرسول - عليه السلام - لنسائه أخذ الزايد على الأربع مئة وأودَعَه في بيت مال المسلمين ؛ هذه القصة صحيحة ، فجاء هذا " مجالد بن سعيد " فزاد عليها أن المرأة اعترضت عليه واستدلت بالآية السابقة .

فإذًا قصة العجوز كما جاءت هي باطلة ، لكن جاءت صحيح موجود في " سنن أبي داود والترمذي " و " مستدرك الحاكم " و " مسند أحمد " وكثير من كتب السنة ، وأحمد رواه في مسند عمر في مواطن عدَّة بدون إيش ؟ قصة العجوز ، إي نعم .

فحينما ننظر إلى القصة الثابتة عن عمر نجدها ضد قصة العجوز مع عمر ؛ لأنه نهى عن الزيادة وهدَّدَ بأخذ الزيادة وضمِّها إلى بيت مال المسلمين ، ولا أحد اعترض عليه ؛ وكيف يعترض عليه أحد وهو إنما يدعوهم إلى أن يأتسوا برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟!

غيره ؟

مواضيع متعلقة