الكلام على ضعف الحديث بلفظ : ( الدعاء هو مخُّ العبادة ) ، وعلى خطأ تقسيم الدين إلى لبٍّ وقشر . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الكلام على ضعف الحديث بلفظ : ( الدعاء هو مخُّ العبادة ) ، وعلى خطأ تقسيم الدين إلى لبٍّ وقشر .
A-
A=
A+
الشيخ : وليس صحيحًا هذا الحديث باللفظ المشهور على ألسنة الناس : ( الدعاء مخ العبادة ) ؛ هذا ليس صحيحًا ، وإنما الصحيح الثابت عن الرسول - عليه السلام - هو اللفظ الأول : ( الدعاء هو العبادة ) ، وهذا أبلغ من اللفظ الضعيف غير الصحيح خلاف لِمَا يظنُّه بعض الناس ؛ لأن قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( الدعاء هو العبادة ) هو على وزان أو نحو قوله : ( الحج عرفة ) ؛ يعني كأنُّو العبادة كلها هي الدعاء ، وكأنُّو الحج كله هو الوقوف بعرفة ؛ فهذه مبالغة عظيمة جدًّا في تقدير وزن العبادة ، وزن الدعاء من حيث كونها عبادة ، ومن حيث وزن الحج من كون أن الوقوف بعرفة ركن أساسي في الحج ، وليس كذلك الحديث الضعيف : ( الدعاء مخ العبادة ) ؛ فهو يجعل العبادة قسمين ، مخ وقشر ، وكان هذا بلاءً لكثير من الناس اليوم في هذا العصر حينما تُلفِتُ نظرَه إلى بعض الأمور الهامة إما أن يكون مما أمَرَ الله أو رسوله بها أو نهى عنها ، بيقول لك : " يا أخي ، اتركونا بقى من القشور هذه " !!

شيء جاء به رب العالمين وتحدث به رسوله الكريم يوصف بأنه قشر أوَّلًا ، وبناءً على هذا الوصف الباطل يُقال : دعونا منه ثانيًا !! هذا انحراف عن الإسلام خطير جدًّا ؛ لذلك نحن لا نسلِّم بأن في الإسلام قشرًا ولبًّا ، وإن كنا نعرف أن أحكام الإسلام ليست تُساق مساقًا واحدًا ، هذا لا شك فيه ؛ لأنُّو نعرف - مثلًا - في هناك فيما يتقرَّب به الإنسان إلى الله - عز وجل - ما هو فرض وما هو نفل ، هذا الفرض إذا قصَّر فيه عُذِّب يوم القيامة بمقدار تقصيره فيه ، ومقابل هذا الفرض النفل ، فإذا لم يأتِ بشيء من النفل ما يُؤاخذ عليه ، كذلك هناك محرَّمات وهناك مكروهات ، في هذا التفاوت ، لكن لا يصح أن نسمِّيَ أقل حكم مرغوب فيه إسلاميًّا بأنه قشر ؛ لأنُّو هذا اللفظ فيه إهانة لهذا الحكم الشرعي مهما كان إيش ؟ خطبُه يسيرًا . كيف لا وقد ذكرتُ لكم مرارًا وتكرارًا قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( أول ما يُحاسب العبد يوم القيامة الصلاة ؛ فإن تمَّت فقد أفلح وأنجح ، وإن نقصت فقد خاب وخسر ) ، في الحديث الآخر عن أبي هريرة : ( فإن نقصَتْ قال الله - عز وجل - لملائكته : انظروا ؛ هل لعبدي من تطوُّع فتتمُّوا له به فريضته ؟! ) ؟!

إذًا هذا التطوُّع هو إن كان هناك حكم في الشرع يصح ويجوز للمسلم أن يسمِّيه قشرًا فهو هذا التطوُّع ؛ لأنُّو لو تركته ما عليك من مسؤولية يوم القيامة ، لكن لم يأتِ هذا الاصطلاح أوَّلًا ، وثانيًا رأيتم قيمة هذا التطوُّع الذي قد يسمِّيه بدون أيِّ مبالاة بعض الناس اليوم أنُّو هذا " قشر " ، أن قيمته أن الله - عز وجل - يتمِّم نقص الفريضة التي يكون المسلم المكلَّف بها قد قصَّر فيها إما كمًّا ؛ أي : من حيث الأداء ، فقد فاته الكثير من الفرائض ، وإما كيفًا ؛ أي : من حيث صورة الأداء ، فهو قد يستعجل في صلاته قد ينقُرُها نقر الغراب ، قد لا يخشع فيها إلا قليلًا إلى آخره ، فهذه النواقص كلها تُستدرَك من التطوُّع ؛ إذًا ليس في الإسلام شيء يصح أن نسميه قشرًا .

على أنني أقول لمثل هؤلاء الناس الذين انحرفوا في فهم الإسلام بعيدًا فجعلوه قسمين لبًّا وقشرًا ؛ نقول : لا يمكن المحافظة على اللُّبِّ إلا بسلامة القشر ؛ فإذًا لا بد من هذا القشر إن صح تسميته ، وهذه حقيقة نلمسها في الأمور المادية ؛ إذًا الإسلام يمكن أن يقال وله سياج يُحيط بالإنسان ويحفظه ، وهذا مما جاء الإشارة إليه في حديث النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( إن الحلال بيِّن ، والحرام بيِّن ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثيرٌ من الناس ، فمَن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ألا وإن لكلِّ ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا ومَن حامَ حول الحمى يُوشك أن يقع فيه ) ؛ أي : هذه الأمور المتشابهة التي تُشكِل على بعض الناس فلا يظهر له أَهِيَ من المحرَّمات أم من المحلَّلات ؟ فعليه أن يجتنبها ؛ لأنه ( مَن حامَ حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) .

مواضيع متعلقة