بيان سوء فهم المسلمين لكلمة التوحيد ، وظنُّهم أن معناها : " لا ربَّ إلا الله " ، مع بيان أقسام التوحيد الثلاثة . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان سوء فهم المسلمين لكلمة التوحيد ، وظنُّهم أن معناها : " لا ربَّ إلا الله " ، مع بيان أقسام التوحيد الثلاثة .
A-
A=
A+
الشيخ : كثير من المسلمين اليوم ليس فقط في مصر كما أنتَ أشرتَ ؛ حتى في سوريا ، وربما هنا في مقامات يُدَّعى أنُّو فيها مدفون أولياء وصالحين يُقصدون بقصد قضاء الحوائج .

السائل : يتبرَّكوا بهم .

الشيخ : يتبرَّكوا وبيربطوا خرق ، يعقدوا الخرق منشان الولي يتذكَّره عند ربه ، ويطلب منه الحاجة يقضي له إياها ؛ هذه كلها تنافي الكلمة الطَّيِّبة لا إلا إلا الله ؛ لأن معنى لا إله إلا الله لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله . المسلم حينما يأتي يزور القبر ويطلب منه المدد يطلب منه المعونة والشِّفاء ونحو ذلك ؛ هذه كلُّها شركيات ووثنيات يحاربها النجديون أشدَّ المحاربة ؛ لأن كتاب الله قام على ذلك .

من الحقائق العلمية التي يغفل عنها المسلمون اليوم - إلا القليل منهم - أننا نجهل نوع الشرك الذي كان فيه المشركون الذين بُعِثَ إليهم الرسول مباشرةً وقاتلوه فقاتلهم ؛ شو نوع شركهم ؟ يتوهَّم الكثير أن هؤلاء كانوا ينكرون وجود الله ، هذا خطأ ، هم كانوا يؤمنون بوجود الله - تبارك وتعالى - ؛ لأن صريح القرآن يقول : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )) ، يصرِّحون بأن الخالق هو واحد لا شريك له ، وهذه آيةٌ من آيات كثيرة تحكي عنهم إيمانَهم بأنَّ الخالق واحد ؛ إذًا ما هو كفرهم ؟ قال - تعالى - في الآية الأخرى : (( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )) ، فإذًا هم غايتهم الله ، وحينما اتخذوا الآلهة من دون الله جعلوها وسيلة توصِّلهم وتقرِّبهم إلى الله - تبارك وتعالى - ، فمن الجهل الفاحش المقيت عند المسلمين يظنُّوا أنُّو الرسول - عليه السلام - كان الخلاف بينه وبين المشركين أنهم كانوا ينكرون وجود الله . لا ، أبدًا ، وإنما كانوا ينكرون ألوهية الله ليس ربوبية الله ، لا يؤمنون بالوحدانية . بس أرجوك ما تستعجل شوي ؛ لأنو التوحيد عند أهل العلم ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية ، توحيد الألوهية ، وبعضهم يعبِّر بتوحيد العبادة ، وهذا أوضح بالنسبة لعامَّة الناس ، النوع الأول توحيد الربوبية ، الثاني توحيد العبادة ، توحيد الأسماء والصفات .

ثلاثة أنواع من معاني التوحيد إذا توفَّرت في عقيدة المسلم كان موحِّد حقًّا ، وهو الفاهم لمعنى لا إله إلا الله ؛ (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) بنصِّ القرآن الكريم ، فَمَن آمن بالتوحيد أوَّلًا شو هو ؟ توحيد الربوبية ، ونعني بتوحيد الربوبية يعني توحيد الخالقيَّة ؛ يعني ما في خالق مع الله كما سمعتم آنفًا نصَّ القرآن حكاية عن المشركين ، (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )) ، يقولوا العزَّة ومناة الثالثة ؟ لا ، الخالق واحد عندهم ؛ لذلك كان من ضلالهم في تلبيتهم حول بيت ربِّهم يقولون : " لبيك لا شريك لك ، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا تملكه وما ملك " . شوف الضلال هذا ! تملكه وما ملك ، شو هالشريك هذا ؟ هذا شريك في العبادة ؛ أي : إنهم كانوا يعبدون غير الله ، (( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ )) يعترفون .

سائل آخر : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

يصرِّحون بأنهم يعبدون هؤلاء الأولياء والصالحين ، لكن لماذا يعبدونهم ؟ لأنهم يستحقُّون العبادة من دون الله ؟ لا ؛ (( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )) ؛ إذًا هدول كفروا بتوحيد العبادة ، القسم الثاني توحيد العبادة ، ما آمنوا لأنهم يعبدوا غير الله ، وهذا في صريح القرآن يا إخواننا (( الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ )) شو معنى الآية ؟ في هنا قيد من الكلام ، (( الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ )) يعبدونهم من دون الله إذا قيل لهم : لماذا تعبدونهم من دون الله ؟ قالوا : (( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )) . إذًا شرك المشركين ليس هو جحدهم وإنكارهم توحيد الربوبية توحيد الخالقية ، وإنما هو توحيد العبادة توحيد الألوهية ؛ لذلك في القرآن : (( إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) ، قالوا : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) .

كثير منَّا إلى اليوم يفهمون الإله بمعنى الرّبِّ ، وهذا خطأ فاحش لغةً وشرعًا ؛ لأن الكافر المشرك من أيِّ نوعٍ كان من أيِّ ملة كان إذا قال : " لا ربَّ إلا الله " لم يصبح مسلمًا ، وإنما إذا قال : لا إله إلا الله يصبح مسلمًا ، وإذا قالوا لا إله إلا الله بمفهوم : لا ربَّ إلا الله لم يصِرْ مؤمنًا . في إسلام في إيمان ، الإسلام ينجي المسلم من أن يُدان في الدنيا ، أن يُعامل معاملة الكفار ، لما يكون في حكم إسلامي في أهل ذمَّة ، أهل الذِّمَّة لهم الحقُّ أن يعيشوا تحت راية الإسلام وأحكام الإسلام إلى آخره ، ودماؤهم محترمة وأموالهم ونساؤهم تمامًا ؛ لأنُّو عايشين تحت نظام الإسلام ، لكن هدول عند الله مو ناجين ؛ لأنهم مشركون ، فهذا المشرك إذا قال : لا ربَّ إلا الله لا يصبح مسلمًا له ما لنا وعليه ما علينا ؛ حتى يقول : لا إله إلا الله ، إذا قال : لا إله إلا الله صار مسلم ، لكن إذا قال : لا إله إلا الله بمعنى لا ربَّ إلا الله لم يصبح مؤمنًا ؛ يعني لا ينجو عند الله يوم القيامة ؛ لماذا ؟ لأنه ما زاد على أن ظلَّ على شركه الأول ؛ لأن المشركين كانوا يؤمنون بخالق الكون ، وهو يقول : لا ربَّ إلا الله فهو مؤمن والمشركين كانوا مؤمنين بأن الله هو الرَّبُّ الخالق الواحد ، فماذا طلب منهم رسول الله ؟ أن يعبدو الله وحدَه لا شريك له . وهم باعتبارهم عرب لما يقول لهم : قولوا : لا إله إلا الله يستكبرون بصريح القرآن ، (( إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) ؛ ليه ؟ لأنُّو بدنا نخالف آباءنا وأجدادنا ، هكذا وجدنا آباءنا على أمة ؛ ولذلك قالوا متعجِّبين : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا )) ، ما قالوا : أجعَلَ الرَّبَّ ربًّا واحدًا يا إخواننا ، بل هنّ كانوا يؤمنون بالرَّبِّ الواحد ، لكن ما كانوا يؤمنون بالإله الواحد .

وأظن الآن وضح لكم المقصود بالإله الواحد المعبود الواحد ، ما كانوا يؤمنون بالمعبود الواحد ، كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى ، ويصرِّحون بقولهم السابق الذِّكر : (( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )) ؛ فإذًا توحيد الربوبية وحده لا يكفي ولا ينجي ؛ لأن المشركين كانوا يُؤمنون بهذا التوحيد ، وإنما كان كفرهم بتوحيد العبادة أو توحيد الألوهية ؛ هو شيء واحد ، أما توحيد الأسماء والصفات فهذا أبعد عن العرب ؛ لأنهم كانوا يعيشون في جاهلية .

كثير من المسلمين اليوم اللي ما درسوا التوحيد تلك الدراسة الدقيقة يقعون في هذه الإشكالات ، فيقولون : لا إله إلا الله ؛ أي : لا ربَّ إلا الله ؛ هذا تفسير قاصر خاطئ لا ينجو به المسلم من عذاب الله ، ولا تشمله المغفرة في الآية السابقة : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) .

مواضيع متعلقة