انشغال مَن لا يصلح للدعوة بالدعوة ، ومراعاة مصلحة الدعوة . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
انشغال مَن لا يصلح للدعوة بالدعوة ، ومراعاة مصلحة الدعوة .
A-
A=
A+
السائل : ... .

الشيخ : كيف ؟

السائل : أظن .

سائل آخر : ... .

الشيخ : أيوا ، المسألة قريبة .

سائل آخر : إي نعم .

...

الشيخ : في هذه المسألة فيها شيء من الدِّقَّة ، أنا أعتقد أن نظرة العصر الحاضر الآن انشغال مَن لا يصلح للدعوة بالدعوة ، ولم نكتفِ بهذا فقلنا هناك داعيات - أيضًا - ، وهنَّ لا يعرفْنَ من الإسلام إلا الشيء القليل ، وأصبحت هذه اللفظة سواء كانت متعلقة بالذكور أو بالإناث فتنة ؛ لأن الإنسان إذا عاش بمعنى قائم في ذهنه تأثَّر بهذا المعنى على مدى الحياة ، حتى يذكِّرني ذلك بنكتة كنت قرأتها في بعض كتب الأدب عن أشعب الطامع ، فأراد أن يُداعبَ الأطفال في الطريق يومًا فقال لهم : انظروا إلى هذا القصر فهناك ... فركض الأطفال ورأى كذبهم ، فركض هو معهم ، فقيل له : كيف تركض معهم وأنت كذبتَ عليهم ؟ قال : لعله صحيح . فهو كذلك يتوهَّم بعض الناس الذين يسمُّون أنفسهم بالدعاة فضلًا عن اللَّاتي يسمِّين أنفسهنَّ بالداعيات ، أنُّو صحيح أنُّو في مركز يستحقُّون هذا الاسم ، يتورطون ويتورطْنَ - أيضًا - ويتكلَّمون في الإسلام بغير علم ، ومن هذا القبيل تركُ بعض الأحكام الشرعية باسم مصلحة الدعوة ، أنا لا أستطيع أن أُنكر بأن لهذا الكلام أصلًا ، لكن من الذي يستطيع أن يطبِّقه ؟ أهؤلاء الدعاة الذين يصحُّ أن يٌقال إنهم اسم على غير مسمَّى ؟ أما العالم المتمكن أولًا بعلمه ، وثانيًا في دينه الذي يربطه بتقوى ربِّه ؛ فلا يرائي ولا يباهي ، وإنما فعلًا هو يريد أن يحقق مصلحة الدعوة ؟ وهذه المصلحة إذا قُدِّرَ حقَّ قدرها ووُضعت في مكانها المناسب فأهل الحديث هم أولى الناس بها ، ولا أقول أهل الفقه ؛ بل أهل الحديث ؛ لأنهم هم في الحقيقة أهل الفقه ، وأنا لا أستطيع أن أتصوَّر فقيهًا غير محدِّث ، وإن كنت أستطيع أن أتصوَّر محدِّثًا غير فقيه ، أما فقيه غير محدِّث فهذا يكاد يكون معدومًا ، فأهل الحديث هم أدرى لهذه القاعدة ، ولكن يجب أن تُوضع في موضعها ، وذلك مما لا يستطيعه إلا أهل العلم ، مما أجاد الإمام البخاري في " صحيحه " باب - معناه إن لم يكن لفظه - قوله : باب ما كل حديث تُحدَّث به العامة ، ثم روى تحت هذا الباب حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - الذي فيه أنه كان رديفَ النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : ( يا معاذ ) . قال : لبيك يا رسول الله ثلاث مرات ، ثم قال - عليه السلام - : ( أتدري ما حقُّ الله على عباده ؟ وما حقُّ العباد على الله ؟ حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا ، وحقُّ العباد على الله أن مَن مات منهم يشهد أن لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه حرَّم الله بدنه على النار ) . قال راوي الحديث عن معاذ : فما حدَّثَ معاذ بهذا الحديث عند الوفاة تأثُّمًا .

فهذا هو مراعاة مصلحة الدعوة ، لكن أين مثل معاذ في العلم والفهم والصلاح والتقوى ؟ وجرى على هذا السَّنن غيرُ معاذ - أيضًا - ، فهناك في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه لما حضرته الوفاة قال : لولا آية في كتاب الله ما حدَّثتكم ، ثم تلا قوله - تعالى - : (( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيِّنات والهدى )) إلى آخر الآية ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( مَن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة ) . كذلك روى مسلم نحو هذا الحديث وهذا المعنى الموقوف عن عبادة بن الصامت ، فمن هنا ينبغي على الداعية حقًّا أن يُراعي موقف الناس ، وأن يُلاحظ أن مو كل حكم وكل حديث يُروى لهم ؛ فقد يقعون في مشكلة لم يدندن الحديث حولها ، وإنما أراد إثبات عقيدة صحيحة ، فإذا أساء الناس فهمَها فحينئذٍ إما أن يُحدَّث الناس بهذا الحديث مع دواعي التفصيل ، وإما أن يُصرف النظر عن التحديث به .

هذا ما عندي جوابًا عن ذاك السؤال .

السائل : حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... : ( لولا أنَّ قومك حديثو عهد بالإسلام ) .

الشيخ : نعم هذا صحيح ، هذا الحديث يُؤخذ من أنه إذا تعارضت المصلحة مع المفسدة ، وكانت المفسدة تغلب المصلحة ، فتُؤجل المصلحة اتقاء المفسدة ، لا شك هذا من قواعد الإسلام ؛ لكن كما قلنا ينبغي أن لا يتورَّط بها مَن لا علم له بالإسلام ، فأكثر الدعاة اليوم يعني أولًا : أصبحت وظيفة ، وأكثرهم لم يدرس الإسلام دراسة واسعة ، ولو أنهم تكلموا في حدود ما تعلموا ووقفوا عند حدودهم لَمَا كان في ذلك إلا الخير ، لكن نحن نرى أن هذه الدعوة التي سألت عنها صدرت من ناس لا علم عندهم ؛ أعني لا علم عندهم يعني ما في عندهم علم فقهي ناضج مبني على السنة ، ومثال في بلدكم بذكره ... الساعة ، وهو الغزالي .
  • رحلة النور - شريط : 28
  • توقيت الفهرسة : 00:16:27
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة