الكلام على مخالفة الكفَّار . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الكلام على مخالفة الكفَّار .
A-
A=
A+
الشيخ : على أنَّني أذكر بهذه المناسبة أن هناك شيئًا غير التشبُّه ، وهو ثابت ومستمر بخلاف التشبُّه ، فقد يختلف حكمه كما ذكرت آنفًا ؛ ذلك الشيء هو مخالفة الكفار ، مخالفة الكفار أعني من المستحبِّ شرعًا وإن كان لبس الجاكيت ليس تشبُّهًا كما ذكرنا آنفًا ؛ فمن المستحب أن يتعمَّد الإنسان ترك لباسه مخالفةً للكفار ، وليس من باب النهي عن التشبُّه بهم ؛ لأنُّو ظاهرة التشبه في لبس الجاكيت منفيَّة كما ذكرنا آنفًا ، ولكن أليس هذا من لباس الكفار ؟ نقول : نعم ، وإذًا علينا أن نُخالفهم ، هذه المخالفة تشمل كلَّ شيء يفعله الكفار إذا كان لا حرجَ على المسلمين في مخالفتهم .

فمثلًا قصة فيها طول أذكر خلاصتها : كان جرى نقاش بيني وبين أحد القسِّيسين المارونيّين اللبنانيِّين ؛ حيث أنكر على المسلمين - وهذا من نحو 30 سنة في دمشق طبعًا - ، أنكر على المسلمين تشدُّدهم في دينهم وبخاصَّة تكفيرهم لـ " كمال أتاتورك " ، الذي كان اسمه من قبل " مصطفى كمال باشا " ، هذا الزعيم التركي الذي أدخل العلمانية واللَّادينية بديل الشريعة الإسلامية ، ومعروف هذا حاله ، الشاهد صدرت فتاوى يومئذٍ بتكفير هذا الرجل ، وهو حقٌّ أن يُكفَّر ؛ لأنه غيَّر دين الإسلام ، من ذلك غيَّر الأحوال الشخصية ، وجعل مثلًا للأنثى مثل حظِّ الذكر وغيره .

هذا الرجل من ضلاله أنَّه كان قد فرض على الشعب التركي التقبُّع - لبس القبعة - ، ولا يزال آثار هذا برغم النهضة الإسلامية الموجودة الآن في الأناضول ، فلا يزال آثار هذه القبَّعة موجودة بين بعض المسلمين ، فرض عليهم هذه القبَّعة ؛ فأنكر هذا القسِّيس على المسلمين ؛ لماذا يضلِّلون يكفِّرون " أتاتورك " ؟ أَلِأَنَّه فرض على هاي القبَّعة ، القبَّعة هذه لباس أممي وما شابه ذلك قصة طويلة .

الخلاصة : قلت له بعد أن أثبتت أن الشريعة الإسلامية هي أكمل الشرائع ، وأنها جاءت بكلِّ ما تحتاجه الأمة المسلمة ، ومن ذلك أنه نهى عن التشبُّه ، هذا الذي هو يُنكره على المسلمين ، وكان هو عليه زيُّ القسِّيسين المارونيِّين قلنسوة طويلة جدًّا وسوداء ، ويلبس - أيضًا - جبَّة سوداء كجبَّة المشايخ في بعض البلاد في سورية أو في لبنان ، فقلت له : أَتَرَى لو أنك رفعت هذه القلنسوة السوداء ، ووضعت على رأسك طربوش أحمر وعليه العمامة البيضاء ؛ أيجوز عندك ؟ قال : لا ، قلت : لماذا تُنكر علينا نحن ما أنت لا ترضاه لنفسك ؟ - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - قال : نحن رجال دين ، هكذا تعبيرهم النصارى ، فأخذته من هذه الكلمة ، قلت له : هذا هو الفرق بيننا - نحن معشر المسلمين - وبينكم أنتم - معشر النصارى - ؛ نحن ما يحلُّ لأعلى مسلم يحلُّ لأدنى مسلم ، ما يحرم لأعلى مسلم يحرم على أدنى مسلم ، ليس عندنا رجال دين ورجال لا دين ، أما أنتم فباعترافك أبيتَ على نفسك أن تُغيِّر هذا الزِّيِّ ؛ لأنك من رجال الدين ، ومعنى هذا أنك تعترف أن هناك طائفة كبيرة من النصارى هم رجال لا دين ؛ فيجوز لهم ما يحرُم عليكم ، يحرم عليكم ما لا يجوز لهم ، هذا هو الفرق بيننا وبينكم ، نحن المسلمون كأسنان المشط لا فرق بين كبير وصغير ؛ لذلك حرَّم الإسلام التشبه كما حرَّمت أنت على نفسك لأنك رجل دين ، وكل مسلم عندنا رجل دين (( فبُهِت الذي كفر )) ؛ هذا فيما يتعلَّق بالشعار .

أما اللباس الذي ليس شعارًا فيُستحبُّ المخالفة ، ومن أجل ذلك نحن نتَّخذ هذه السنة ؛ أي : نضع الساعة التي اخترعها الأوربيون واعتادوا أن يضعوها في شمائلهم ؛ فنحن نضعها في أيماننا ؛ لماذا ؟ مخالفةً للكفار وليس إلا ، فلو أنُّو وضع الإنسان الساعة في يده اليسرى كما هو الغالب على المسلمين ؛ لأنُّو أهون استعمالًا ؛ مشان إملائها وربطها وتعديل عقاربها وما شابه ذلك ، لكن ما دام أن هذه عادة للكفار فنحن نُخالف الكفار في هذه العادة ؛ لماذا ؟ لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم ؛ فخالفوهم ) ، ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم ؛ فخالفوهم ) فجعلَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صبْغَ الشَّيب ؛ الشَّيب الذي فرضه الله - عز وجل - بحكمته على كل عباده ؛ سواء كانوا مسلمين أو كافرين ؛ فكلهم يشيبون ، لا فرق بين مسلم وكافر بين مسلم صالح ومسلم طالح ، فيشتركون جميعًا في هذا الزَّي الذي لم يتقصَّده أحد منهم ، بل لو كان بملكهم وباستطاعتهم لما شابَ أحدٌ منهم إطلاقًا ؛ مع ذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : ( خالفهوهم ) ، ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم ؛ فخالفوهم ) ؛ أي : هذا الشيب مفروض منكم من الله عليكم من الله ، لا تستطيعون أن لا تتشبَّهوا في الشَّيب بالكفار ، لكن تستطيعون أن تُخالفوهم ؛ فاصبِغوا حتى تحقِّقوا مخالفتهم .

هذا الحديث أهم جدًّا من قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( حفُّوا الشارب ، وأعفوا اللحى ، وخالفوا اليهود والنصارى ) ، هنا - أيضًا - أمرٌ بالمخالفة ، لكن هنا أمرٌ بالمخالفة في ترك اللحية كما خلقها الله ، أما هناك أمر بصبغ اللحية وعدم تركها كما خلق الله بالنسبة للشَّايب ، فالمخالفة في الحديث الأوَّل أكبر وأهم بكثير ، فهي تضع لنا مبدأً هو أسمى وأرقى من مبدأ التشبُّه ، النهي عن التشبه هذا لا يجوز تنفيذه ، لكن لو تَرك الإنسان مخالفة في بعض الأمور كهذا المثال الذي ضربتُه لكم آنفًا ؛ لا إنكار على من ترك ذلك ، لكن الأفضل أن يضع المسلم نصب عينيه دائمًا وأبدًا أن يُخالف الكافر ما استطاع إلى ذلك سبيلًا ؛ لذلك قلت لذلك القسِّيس أن الإسلام لم يُحرِّم القبَّعة لأنها قبَّعة ، وإنما لأنها زيُّ الكافر ، فلو أن " أتاتورك " هذا كان مؤمنًا - مؤمنًا بالله وبرسوله - ، ورأى فرضًا وجدلًا أن في القبَّعة فائدة غير الطربوش الذي كان الأتراك يستعملونه ؛ كان باستطاعته أن يفرض هذه القبَّعة لكن يجعل لها علامة خاصة ، مثلًا أن يعقد بيسمُّوه عندنا في الشام زيق ؛ يعني ربطة عرض الأصبع أو الأصبعين علامة بيضاء ؛ فيُعرف أنه هذا المتبرنط هو مسلم ؛ لأنه صار له شعار ، لكن هذا الكافر اللي هو " أتاتورك " أراد إذلال المسلمين ، وأن يحملَهم على التشبُّه بالكافرين ؛ ولذلك حمل عليه علماء المسلمين وكفَّروه ليس لهذا فقط ؛ بل ولتغييره أحكامًا أهم مما فرض على الشعب التركي التشبُّه بالكفار .

أرى الآن أن هذا يكفي حتى نستريح قليلًا - إن شاء الله - .

السائل : طلبة العلم الحاضرون ومَن خلفهم يطلبون منك الجلوس بعد العَشاء للإجابة على بقية الأسئلة إن تيسَّر لكم ذلك .

الشيخ : هذا غير ممكن ؛ لأننا غدًا على سفر - إن شاء الله - .

السائل : جزاك الله خيرًا .

الشيخ : فننطلق ، وموعدنا بعد العودة ، ويكون العود أحمد .

السائل : ... .

الشيخ : إن شاء الله .
  • فتاوى جدة - شريط : 21
  • توقيت الفهرسة : 01:10:22
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة