الإمامة عن طريق المسجِّل . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الإمامة عن طريق المسجِّل .
A-
A=
A+
السائل : هنا سؤال غريب : ... أن يكون الجواب من نوعه ؛ إمامة عن طريق المسجلة ؟

الشيخ : أقول : إنه لا يصح أن يكون الإمام عن طريق التسجيل ؛ يعني نسجل صلاة إمام يكون صوته جيد وتلاوته جيدة ونحط مسجلة ونقتدي بها في صلاتنا ، طبعًا يمكن ظهر لكم ليش أنا قلت تعجبت من نوع السؤال ؛ ليه ؟ لأنه ما حدا بيهضم الحكم هذا ، لا أحد يعقل أن نرفع الإمام ونحط مسجلة عوضه ؛ ليه ؟ للجواب الذي ستعرفونه فيما يأتي ؛ لنفس السبب لا يجوز نلغي المؤذن ونحط عوضه مسجلة ، يجب أن نعلم أن الله - عز وجل - - قلنا آنفًا - : (( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا )) فالمؤذن لما يؤذن هذا من جملة اختبار الله - عز وجل - إياه ، والإمام حينما يؤم الناس كذلك ، والقارئ حين يقرأ ، وهكذا كل العبادات في الطاعات ؛ فحينما نأتي إلى مؤذن نسجِّل أذانه في آلة تسجيل ، ثم نعلن أذانه بهذه الآلة ؛ تُرى في تلك الساعة ماذا يفعل ؟ هل يؤذِّن ؟ طبعًا لا يؤذن ؛ لأنه استغنى عن أذانه بأن وَكَلَ أمر أذانه إلى مادة ليست مُحاسبة ، ولا هي مُساغة ، ولا هي مسؤولة عند الله - عز وجل - ، ... إعراض المؤذن عن تبليغه أذانه للناس إعراض منه عن الأسباب التي جعلها الله - عز وجل - سببًا لرفع منازل عباده الذين يأخذون بتلك الأسباب التي شرعها لهم ، وأيضًا في ذلك إعراض عن الأخذ بالأسباب التي قد تكون سبب مغفرة الله - عز وجل - لمن أخذ بهذه الأسباب ، هذا كله يقال عن المؤذن ويقال عن الإمام .

فمثلًا من الأحاديث التي مرَّت قديمًا في هذا الكتاب في أوله : ( اللهم اغفر للأئمة وارشد المؤذنين ) هكذا الحديث ؟

السائل : ( وأرشد المؤذنين ) .

الشيخ : نعم ، ( اللهم اغفر للأئمة ) ؛ انظر الآن في هذا الحديث دعاء من الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يدعو ربَّه أن يغفر للأئمة ، فإذا ما صلَّى مسلم إمامًا بالناس مرة واحدة في حياته وسجَّل هذه الإمامة في المسجِّل ؛ هذا ما صار إمام إلا مرة واحدة في حياته ، فهو بإيكاله الأمر إلى هذه الآلة حرم نفسه هذه الفضيلة ؛ ( اللهم اغفر للأئمة ) ، كذلك دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تمام الحديث بأن يرشد ربنا - عز وجل - المؤذنين وأن يهديهم ، كذلك هذا المؤذن إذا سجَّل أذانه يكون قد استغنى عن أن يكون مستحقًّا لمثل هذا الدعاء من نبيِّه - عليه الصلاة والسلام - .

كذلك مثل حديث : ( أطول الناس أعناقًا يوم القيامة المؤذِّنون ) هذه فضيلة لا يشارك المؤذِّنين بها أحد من الناس إطلاقًا ؛ تُرى هذه الفضيلة يحصل عليها بطريقة تسجيله لأذانه ولإقامته - أيضًا - ؟ الجواب : لا ، نحن نلفت النظر دائمًا وأبدًا إلى أننا بقدر ما نوسِّع على الناس في الأمور العادية الدنيوية فبقدر ذلك نضيِّق عليهم في الأمور الشرعية التعبدية ، لسنا نحن الذين نضيِّق عليهم في الواقع ؛ إنما نحن نبلِّغهم حكم الله ؛ فنحن نقول - مثلًا - : هذا المكبر هذا اللاقط للصوت لقد صرف المؤذِّنين عن كثير من السنن ؛ ذلك لجهلهم أو لتساهلهم أو للأمرين معًا ، فمن سنة الأذان أن يصعد إلى مكان مرتفع أن يظهر بشخصه ، كلنا يقرأ في السيرة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما فتح مكة صعد بلال وأذَّن على ظهر الكعبة ؛ ترى لماذا لم يؤذِّن في أرض الكعبة في المكان الذي يصلي فيه الناس ؟ ذلك لأن في هذا الارتفاع وفي إعلان الصوت بتوحيد الله - عز وجل - في ذلك المكان الطاهر الذي كان المشركون قد لوَّثوه ودنَّسوه بشركهم ووضعهم الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله ، فوَضْعُ هذا المؤذِّن بصوته الرفيع يعلن هناك توحيد الله - عز وجل - هذا بلا شك له صدى وله أثر في الناس الصالحين والطالحين كلهم بحسبه ، ودون ذلك بكثير فيما لو أذَّن في أرض المسجد الحرام .

كذلك كان من السنة مطلقًا أن المؤذن يرتفع في أذانه يظهر بشخصه وبصوته معًا ، ثم يلتفت في السنة يمنى ويسرى ، اليوم المؤذِّن قنع ... هذه السنن وهو تسجيل الصوت بهذا اللاقط للصوت والمبلِّغ له ، أما البروز بشخصه فهذه سنة تركوها ، وأنا رأيت بعيني ونصحت بفمي بعض المؤذِّنين يؤذِّنون - أيضًا - غير مستقبلي القبلة ، والسبب أنَّ مكبِّر الصوت وضعه الجاهل الكهربائي الجاهل ربما كان من تاركي الصلاة وضعه إلى جهة يكون مستقبل للاقط الصوت غير مستقبل القبلة ، فوقف المؤذن كما قيل له بلسان الحال ، ولسان الحال أنطق من لسان المقام ... قلنا له : يا أخي ، القبلة من هنا وليست من هنا ، فلا يستجاب مؤقتًا ريثما بقى يصلحوا له إيش ؟ وضع اللاقط هذا ، فالشاهد أن هذا اللاقط فيه ... وشديد الصوت ؛ لأن من السنة كما جاء في حديث شرعية الأذان حينما جاء عبد الله بن زيد الأنصاري وقصَّ رؤيا على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال له : ( إنها رؤيا حق ، فألقِه على بلال ؛ فإنه أندى صوتًا منك ) ، وهناك أحاديث كثيرة بأن المؤذِّن إذا ما أذن فما يبلغ صوته حجر أو مدر إلا شهد له يوم القيامة ، هذه الفضائل تأتي من تكبير الصوت ؛ فلا بأس من الاستعانة بهذه الآلة التي خلقها الله حجَّة على عباده في هذا العصر ، ولكن بشرط ألَّا يكون ذلك سببًا لإضاعة سنن أخرى ، من هذه السنن البروز ، وأنا ارى أن المؤذن ينبغي أن يؤذن في مكان مرتفع ، لكن ضعفت الهمم الآن ، وهذا في الواقع عقاب من الله - عز وجل - للناس الذين لا يلتزمون الأحكام الشرعية ؛ إن هذه المآذن التي بُنيت ولا تزال تُبنى حتى اليوم مع استغنائهم عن الصعود على ظهر المسجد فضلًا عن صعودهم إلى أعلى درجة من درجات المنارة الطويلة هذه ؛ حتى اليوم لا زالوا يبنون هذه المنائر ، هذه المنائر منائر تشبه ناطحات السحاب ليست من الإسلام في شيء إطلاقًا ، إنما هي رياء ومباهاة وسمعة لا تقرِّب صاحبها عند الله - تبارك وتعالى - شيئًا ، مع ذلك كان بعض المؤذنين قديمًا وأنا شاهدت في زماني مؤذِّنين بني أمية يصعدون فعلًا للمنارة ويؤذنون من هناك ، ما أدري الآن .

السائل : ... .

الشيخ : حتى الآن كذلك .

السائل: ... .

الشيخ : نعم ؟

السائل : ... .

الشيخ : مكبر في ، لكن المكبر أين يقفون ؟

السائل : لتحت لتحت .

الشيخ : هذا هو الذي كنت أخشاه .

فالشاهد : فكانوا قديمًا يصعدون إلى المنارة ؛ أولًا كانوا أشدَّ خوفًا من الله ورغبةً فيما عند الله من الناس اليوم بصورة عامة ، والمؤذنين والأئمة بصورة خاصة ، أما الوضع اليوم فصار مادة معاش أجر ، وما زال المقصود في زعم المؤذنين اليوم الأذان هو تبهير الصوت في الناس الذين حول المسجد ؛ فما شاء الله هذا يبلِّغ من هم وراء المساجد الأخرى !! لذلك ما أحد منهم يفكِّر يظهر بشخصه ، ولا يحافظ على السنة في الالتفات يمينًا ويسارًا ؛ لأنه إذا التفت راح الصوت ، فهذا المكبِّر لم يُوضع بصورة رُوعي فيها يعني مصالح المسلمين ، وهذا بلاء كبير جدًّا في التخطيط دائمًا يكون مراعى في ذلك الأمور المادية الظاهرة ولا يراعى في ذلك المصالح الإسلامية العامة ، ومن أشد ما رأيناه كصورة كمثال لهذا الذي نقوله تجديد المسجد الحرام ، المسجد الحرام إلى منذ سنين كان طابقًا واحدًا ، فلما أفاض الله على الدولة السعودية ما أفاض من أموال افتتن جماهير الناس بها ، فرأوا من الضرورة توسيع المسجد الحرام ، والواقع أنهم وسَّعوا فيه ، ومن جملة التوسعة بناء الطابق الثاني والثالث ، لكن ما رأيكم أكثر الحجَّاج الذين يذهبون لقضاء ما فرضه الله عليهم إذا ما صلوا في الطابق الثاني والثالث كانت صلاتهم باطلة ؟ تدرون ما السبب ؟ من هندسة البناء ، كان من الواجب لما وُضع تخطيط المسجد تجديد بناء الطابق ثاني وثالث كان يجب أن يكون مع المهندس المخطِّط بعض العلماء الفقهاء بشرط أن يكونوا نبهاء ما يكونوا مغفَّلين مثل المهندسين ... .

مواضيع متعلقة