كيف توجَّهتم إلى علم الحديث مع أن الوالد كان حنفيًّا معتدًّا بالمذهب الحنفي كما علمتُ منكم ومن الشيخ شعيب الأرناؤوط ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كيف توجَّهتم إلى علم الحديث مع أن الوالد كان حنفيًّا معتدًّا بالمذهب الحنفي كما علمتُ منكم ومن الشيخ شعيب الأرناؤوط ؟
A-
A=
A+
السائل : طيب ؛ هنا مسألة تلفت النظر ؛ وهي كيف توجَّهت إلى الحديث ونحو ذلك مع أني يعني من خلال بعض كلماتكم وكلمات الشيخ شعيب أن الوالد كان حنفيًّا يعتدُّ بالمذهب الحنفي جدًّا ؟ فكيف أفلت من ؟

الشيخ : ذلك الفضل من الله ، لكن من حيث الأسباب أو السبب هو كما يقال إذا أراد الله أمرًا هيَّأ أسبابه ، أنا فعلًا كنت عيش في جو حنفي متعصب ، والدي كان يُعتبر خاصة بين الأرناؤوط هو أعلمهم في الفقه الحنفي ، وكان ملاذَهم ومرجعَهم ، فلما تخرَّجت من المدرسة الابتدائية ودرست على التفصيل السابق على بعض المشايخ كان لدي هواية في المطالعة بصورة غريبة جدًّا ، لكن مطالعة فيما يبدو للناظر لا فائدة منها ، بل قد يكون لها آثار ضارَّة ، لكن في ما بعد تبيَّن أثر هذه الدراسة في لغتي ، فقد قوَّت هذه اللغة في نطقي ، فالغريب أني كنت مولعًا بقراءة الكتب العصرية الخيالية التي تُعرف بالروايات ، وبخاصة منها قصص اللص الأمريكي المشهور " آرسين لوبين " ، فكنت مغرمًا فعلًا بقراءة هذا النوع من القصص والروايات ، ثم وجدْتُني نقلت إلى مرحلة ثانية قد تكون خيرًا من تلك ؛ وهي دراسة القصص العربية ، ولو أنها خياليَّة ، فمثلًا قرأت " ألف ليلة وليلة " ، قرأت قصة " عنترة بن شداد " ، قصة " صلاح الدين الأيوبي " ، قصة " ذات الهمة والبطَّال " ، وهكذا كنت شغوفًا جدًّا بمثل هذه المطالعات والقراءات .

ثم من تمام تدبير الله - عز وجل - ولطفه بي أنني حينما غيَّرت مهنتي ولزمتُ والدي كان هناك وجد لي فراغ من الوقت ، كنا نتبادل الجلوس في دكانه ، فهو يأتي وأنا معه صباحًا حتى يصلي الظهر ، فإذا صلى الظهر ذهب إلى الدار يستريح وبقيت أنا في الدكان ، ويأتي بعد صلاة العصر ، نحن شغِّيلان ، كان أحيانًا يوجد لدي فراغ من الوقت ما في ساعات أصلحها ، فأستأذن من والدي بأن أخرج ، وإلى أين ؟ وهذا - أيضًا - توفيق من الله ، أذهب إلى المسجد الأموي أحضر هناك بعض الدروس العامة ، وتأثَّرت بشيء منها من الناحية الفكرية بعضها صواب فيما تبيَّن لي فيما بعد ، وبعضها خطأ ، وهذا الخطأ يتعلَّق بنوعين التقليد والتصوُّف ، ثم في فسحتي هذه التي أخرج فيها من دكان أبي قيَّض الله لي رجلًا مصريًّا كهلًا ، كان يشتري بعض التركات من الكتب ، ويعرضها أمام دكان له تجاه الباب الغربي من المسجد الأموي ، فكنت أمرُّ على الكوم من الكتب التي كان يبسطها أمام دكَّانه الصغير ، فأقلِّب فأجد فيها من تلك الروايات ما شئتُ ، فأستأجر منه وأقرأ وأُعيد وهكذا ، ذات يوم وجدت عنده بعض الأعداد من " مجلة المنار " ، فأذكر جيِّدًا أني قرأت فيه فصلًا بقلم السيد رشيد رضا - رحمه الله - يتكلم عن مزايا كتاب " الإحياء " للغزالي ، وينقده من بعض النواحي كصوفياته - مثلًا - ، وكأحاديثه الضعيفة والواهية ، وبهذه المناسبة ذكر أن لأبي الفضل زين الدين العراقي كتابًا وضعه على " الإحياء " خرَّج فيه أحاديثه وميَّز صحيحها من ضعيفها ، وهو المسمَّى بـ " المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار " ، فتلهَّفت نفسي جدًّا لهذا الكتاب ، فنزلت إلى السوق أسأل عنه كالعاشق الولهان أين هذا الكتاب ؟ حتى وجدته عند أحدهم ، فإذا به أربع مجلدات طبعة البابي الحلبي ، وعلى ورق أصفر ناعم ، لكني كنت فقيرًا كأبي لا أقدر على شراء هذا الكتاب فاتَّفقت مع مالكه على أن أستأجره منه ، ما أذكر الآن لمدة سنة أو أقل أو أكثر .

الحويني : ... .

الشيخ : آ ، أجرة .

الحويني : أجرة .

الشيخ : أجرة ، أستأجره منه ، ففعلت وأخذت الكتاب وأنا أكاد أطير فرحًا ، وذهبت به إلى الدكان ، فكنت أغتنم فرصة غياب والدي بعد الظهر فأخلو بكتابي ، وخطَّطت خطَّة لنسخ " المغني تخريج الإحياء " ، فبدأت أنسخ ، واشتريت ورقًا ، واتخذت لي مسطِّرة ، وهي عبارة عن مقوَّى كرتون ، يُخيَّط بخطوط متوازية من الخيطان من الوجهين .

الحويني : طيب ؛ قبل أن أنسى شيخنا ، ذاك سنة كم بداية قرأت في " المنار " ؟

الشيخ : طبعًا دون العشرين يمكن يكون 17 ، 18 هكذا .

فآخذ هالمسطِّرة هذه وأضعها في الطَّبق وأضغط على الخيطان ، وإذا الصحيفة ... أصلًا لا تُرى ، لأنُّو ليست مسوَّدة ، وذلك لتقويم خطِّي ، فبدأت أكتب حتى نسَّقت الجزء الأول ، لما وسطْت ... خطرت في بالي خاطرة ، أنُّو أنا الآن مبتدي في طلب العلم ، ثانيًا أعجمي ألباني كثيرًا ما تمرُّ بي بعض الأحاديث ما أفقهها .

الحويني : وعليكم السلام .

الشيخ : - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - ، أو تغمض عليَّ بعض الألفاظ الغريبة ، التي عرفت فيما بعد بأنها من غريب الحديث ، فقلت لماذا أنا لا أستعين ببعض الكتب التي كانت في حوزة أو في مكتبة والدي لشرح هذه الكلمات التي تغمض عليَّ ، ففعلتُ ، لكن ما كدتُ أعلِّق بعض التعليقات إلا رجعت ، رجعتُ ألوم نفسي وأقبِّح صنعي ؛ لأنُّو ظهر الآن المجلد الأول متناقض الأسلوب ، القسم الأول ليس فيه تعليق ، والقسم الثاني فيه تعليق ، فما أعجبني هذا التباين ، فألغيتُ ما فعلتُ ، واستأنفتُ الكتابة من جديد على طريقة التعليق من أول الكتاب عند اللزوم ، وهكذا انتهى المجلد الأول وبدأت في الثاني ، ويظهر الفرق واضحًا جدًّا بين المجلد الأول من حيث التعليق عليه وبين المجلد الأخير وما قبله ؛ لأنك ترى في المجلد الأول أكثر الصفحات هي " المغني " ، وقليل من التعليقات ، بينما فيما بعد انعكس الأمر تمامًا ؛ فكنت ترى بعض الصفحات سطر واحد فوق وتحت كله حاشية ، وبخط دقيق جدًّا ؛ كان عندنا في سوريا رِيَش للكتابة ، قسم منها بالخطِّ العربي ، وقسم منها للخطِّ الإفرنسي ، ... هذه بالرِّيش الإفرنسية بأنها دقيقة الرأس جدًّا ، فأنا كنت أكتب في التعليق بالأحرف العربية بالريشة الفرنسية تمييزًا للحاشية عن الأصل ، كتبت صفحة كلها ممتلئة بهذا الخطِّ الدقيق وفوق بالريشة العربية سطر أو سطرين وهكذا ، فأنا شعرت أني استفدت جدًّا من هذه المراجعات لسدِّ النقص الذي كنت أشعر به بسبب ابتدائي في العلم أولًا ، وبسبب عجمتي ثانيًا ، فاستفدت من هذا العمل كثيرًا وكثيرًا جدًّا ، وهو موجود عندي - والحمد لله - كأثر في هذا العمل .

مواضيع متعلقة