إذا أخرج بعض الأئمة النُّقَّاد في كتبهم بعضَ الأحاديث ، ووجدنا فيه مَن يقول غير هذا الناقد أو الإمام يقول فيه أنه كذَّاب ؛ ألا نجد منوحة وعذر لِمَن أخرج أنه لا يرى أن هذا كذَّاب ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
إذا أخرج بعض الأئمة النُّقَّاد في كتبهم بعضَ الأحاديث ، ووجدنا فيه مَن يقول غير هذا الناقد أو الإمام يقول فيه أنه كذَّاب ؛ ألا نجد منوحة وعذر لِمَن أخرج أنه لا يرى أن هذا كذَّاب ؟
A-
A=
A+
السائل : ... في هذا يا شيخ ... إذا أخرج بعض الأئمة النُّقَّاد في كتبهم بعضَ الأحاديث ، ووجدنا فيه مَن يقول غير هذا الناقد أو الإمام يقول فيه أنه كذَّاب ؛ ألا نجد منوحة وعذر لِمَن أخرج أنه لا يرى أن هذا كذَّاب ؟

الشيخ : لأنه جاء الحديث من طريق صحيحة ؟

السائل : لأ .

الشيخ : إذًا ؟

السائل : هذا الإسناد - مثلًا - في وقتنا الحاضر ويكون هذا ... لم يقف عليه بإسناد ضعيف ، لكن هذا ذكره إما في مسند من المسانيد أو كتاب من كتب السنة ؛ فأخرج هذا الحديث بإسناد به كذَّاب = -- وعليكم السلام ورحمة الله .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله --

السائل : = فهل هذا الإسناد الذي فيه الكذَّاب بما أنه هذا أخرجه ، وهو من الأئمَّة النقاد ، وفيه هذا الذي اتُّهم بالكذب ؛ ألا يدل على أن هذا الذي أخرج لا يرى أنه كذَّاب ؟

الشيخ : قد وقد .

السائل : ... .

الشيخ : ... لأني أنكر على غيري القدقدة !! شايف ؟ فأنا أريد أن أبيِّن .

السائل : تفضل .

الشيخ : قد وقد ، إذا كان الذي أخرج ذاك الحديث في ذاك الإسناد الذي يقول فيه بعض المعتنين بهذا العلم فيه كذَّاب ؛ إذا كان مؤلف الكتاب اشترط ألَّا يروي حديثًا فيه كذَّاب ؛ فحينئذٍ يأتي كلامك في محلِّه ؛ أي : إن المؤلف لا يرى أن هذا كذَّاب ، اما اذا كان لم يشترط ذلك فحينئذٍ ممكن أن يُقال : قول مَن قال فيه : " كذَّاب " لا ينافي إيراد المؤلف لهذا الحديث ؛ لأنَّه لم يشترط ، هذا أولًا ، وثانيًا ممكن أن يكون قد اشترط ، ولكن مثل ما قال الحديث السابق - قول الشيخ سعد - : يجوز أنُّو هو القاعدة ما استطاع يطبِّقها حرفيًّا في كلِّ حديث ما ، فالآن أنا أقول انتهيت من الجواب ، وعرفتم إيش معنى كلامي : قد وقد .

السائل : نعم .

الشيخ : طيب ؛ الآن .

السائل : يبقى عندنا شيء آخر .

الشيخ : تفضل .

السائل : ألا يُقال في الحديث الذي فيه كذَّاب إذا لم يجد له طريقًا آخر أنَّ هذا الحديث كذب ؟

الشيخ : بلى .

السائل : هل يُظن بهذا الإمام الثقة أن يروي حديثًا مكذوبًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع حديث مَن حدَّث عنه بحديث ... ؟

الشيخ : سامحك الله ، ذهب كلامي الآنف ذكرًا مع أدراج الرياح .

السائل : عارف هذا ، وقال إنها كانت مضبوطة ، أو قد يكون خروج على قاعدته ؟

الشيخ : أو قد لم يشترط .

السائل : لم يشترط هذا ، حتَّى لو لم يشترط ... ، حتَّى لو لم يشترط الصحة ، حتى لو لم يشترط الشَّيء الحجة ، بقطع النظر عن كونه صحيح أو حسن ، لكن حتى لو لم يشترط هذا ؛ فهل يُظَنُّ به أن يروي إلا أن يكون مخروجًا عن القاعدة ؟

الشيخ : سامحكم الله .

السائل : وإياكم ... .

الشيخ : من أين عرفنا نحن الأحاديث الموضوعة بالعقل أم بالسند ؟

السائل : بالسند من طريق ... .

الشيخ : معليش ، بالسند ؛ من الذي روى لنا هذه الأسانيد ؟

السائل : هم .

الشيخ : هم ، فإذًا كيف جاز أن يرووا لنا بأسانيدهم وفيها وضَّاعون كذابون ؟

السائل : من هذا أنا أقول : ألا يُظَنُّ بهم أن مَن أخرج لا يرى أن هذا كذَّاب ... ؟

الشيخ : لا يلزم ، وقد سبق الجواب - بارك الله فيك - ، وإلَّا ويصير معنا دَوْر ، وندورُ في حلقة مفرغة ، عرفت أنَّ جوابي قد يكون لم يشترط فهو معذور فيما يذكر ، فلعلَّكم تذكرون معي أنَّ علماء الحديث ذكروا في مصطلحهم أن المحدِّث إذا روى الإسناد بإسناده فقد ارتفعت المسؤولية عنه ؛ لأنه وضع الوسيلة التي بها يتمكَّن العالم من أن يعرف هذا الحديث إذا كان مكذوبًا أو هذا مكذوب ؛ ألا تذكر هذا معي ؟

السائل : بلى .

الشيخ : فإذًا .

السائل : ... .

الشيخ : خلص ، بقى السؤال من أصله حينئذٍ غير وارد .

السائل : طيب ؛ عندنا شيء آخر - أكرمك الله - .

الشيخ : تفضل .

السائل : فيما يتعلق بالكلام ما دام الكلام عن الإسناد ، هناك حديث أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم من طريق محمد بن ربيعة عن أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر بن محمد بن يزيد بن ركانة عن أبيه ركانة أنه صرع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصرعه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( فَرْقُ ما بَينَنَا وبينَ المُشرِكِينَ العَمَائِمُ على القَلَانِسِ ) .

هذا فيه ثلاثة مجاهيل فيه ، فيه أبو الحسن العسقلاني ، وأبو جعفر بن محمد بن يزيد بن ركانة ، وأبيه محمد ؛ كل هؤلاء مجاهيل ، وقد قال الإمام البخاري في هذا الحديث : إسناده مجهول ، وقال الذهبي في ترجمة محمد : " لم يصح خبر ... " ، وقد أخرج هذا الحديث - أيضًا - البيهقي من طريق سعيد بن الزبير بمرسله ، فإسناده إلى سعيد إسناده صحيح ؛ فهل يتقوَّى هذا الموقوف وفيه ثلاثة مجاهيل لهذا المرسَل مع أن الائمة كالبخاري وغيره قالوا : لم يصح الخبر ؟

الشيخ : في ... عرضك أنت الآن يمكن أن يتقوَّى ؛ أي : ألخِّص ما فهمته منك : الموصول فيه ثلاثة مجاهيل ، والمرسل إسناده إلى مرسله صحيح .

السائل : نعم .

الشيخ : طيب ؛ في هذا العرض الذي ذكرتَه يمكن أن يُقال بأنه حديث حسن ، وهذا يرجع إلى القاعدة التي ذكرناها آنفًا ؛ فمن كان يرى أن إسنادًا ما فيه مجهول فيُقال في هذا الإسناد ضعيف ، وإسناد آخر فيه مجهول ثاني ، فيقول : إسناده ضعيف جدًّا ، وإسناد ثالث كهذا الذي أنت تقول : فيه ثلاثة مجاهيل ؛ يُقال : هذا إسناد موضوع .

أنا أضرب مثلًا ؛ فمَن كان منطقه هو هذا الجواب أن ذاك المرسل إلى سعيد بن المسيب ، وسنده إليه صحيح لا يتقوَّى ؛ لماذا ؟ لأن المشروط له وهو الموصول موضوعه ؛ لماذا ؟ لأنه عن مجهول عن مجهول عن مجهول ؛ هذا يساوي موضوع ، وإن كان عن مجهول عن مجهول هذا يساوي ضعيف جدًّا ، والضعيف جدًّا لا يمكن أن يُقوَّى بغيره ، ولو كان يصلح للشهادة كالمرسل الصحيح الإسناد إليه ، أما من كان لا يرى هذا التفصيل فما أظن أحدًا من العلماء يقول بهذا التفصيل ؛ فحينئذٍ يعود كلامي السابق ؛ هذا الإسناد ضعيف يمكن أن يتقوَّى بذاك المرسل ؛ لأنه مجهول عن مجهول عن مجهول لا يساوي موضوع ، ومجهول عن مجهول لا يساوي ضعيف جدًّا ؛ فلا يصلح للاستشهاد ، والسبب في ذلك أنُّو لا يُعقل إطلاقًا - وهذا الشاهد أمامك - أنُّو يكون التهمة في كلٍّ منهم ؛ لماذا الآن لا يحتج بالحديث المجهول ؟ لاحتمال أن يكون مُتَّهمًا ؛ هذا أسوأ أحواله ، وأحسن أحواله أن يكون غير حافظ فيما يرويه ، لكنه ضعيفًا ، لكن إذا ترجَّح أحد الاحتمالين - أي : الوضع مثلًا - سقط الاستشهاد به ، فمجهول عن مجهول عن مجهول لا يستقرُّ ولا يبقى في البال أن كلَّ واحد من هؤلاء يمكن أن يكون مُتَّهمًا ، لا يبقى في البال ؛ إنما يكون العلة في واحد ، لكن هكذا جاء مجهول عن مجهول عن مجهول .

خلاصة الكلام - بارك الله فيكم - : أنا أريد أن أذكر شيئًا بالإضافة على ما سبق ؛ أن بعض القواعد الحديثية ليست قواعد كبعض العمليات الحسابيَّة المقطوع بها ، والتي لا اختلاف بها ؛ ( 2 + 2 = 4 ) ، ( 4 + 4 = 8 ) ، أو 2 في 2 ضرب إلى آخره ، بعض القواعد الحديثية لدقَّة هذا العلم تكون الأمور نسبية ، وما علمُكم بأنَّ الراوي الواحد بعضهم يقول : " ثقة " ، وبعضهم يقول : " ضعيف " ، وبعضهم يقول : " كذاب " ، فالقضية هذه نسبية واضحة جدًّا ؛ ولذلك فلا ينبغي أن نتسرَّع ونظن أن هناك قواعد ... جامدة لا تقبل الحركة ، لا تقبل اختلاف الآراء فيها ، لا ، هناك قواعد مثل هذا الموضوع حساسة ودقيقة جدًّا ؛ فقد تختلف الآراء في تأكيد القاعدة ، ثم - وهذا هو الأهم - قد تختلف الآراء في تطبيق هذه القاعدة في مفرداتها ، فقد يأتي فرد من الأفراد ما يدخل تحت القاعدة فتشذُّ عن القاعدة ، إما غفلةً عن الذي قعَّد القاعدة ، أو استثناءً منه لهذا الحديث الفرد عن القاعدة .

ولقد أعجبني حينما وقفت في مخطوطات الظاهرية على رسالة الحافظ الذهبي التي طُبعت فيما بعد المسمَّاة بـ " الموقظة " ، لقد ذكر هناك قولًا كنت أحسُّ به وجدانيًّا في نفسي ، ثم ازدَدْت به حينما رأيت هذا الحافظ قد سطَّره في رسالته ؛ قال : " إن الحديث الحسن من أدقِّ علوم الحديث " ؛ لأن رأي المحدث الواحد يختلف فيه ، فتارةً يحسِّنه وتارةً يضعِّفه ، فما بالنا بمثل محدثين مختلفين ؟! والسبب واضح جدًّا ؛ لأنَّ هذا الحديث الذي حُسِّن نظر مُحسِّنه في راويه ، فوجد هناك اختلافًا كثيرًا ، تارةً يخرج من هذا الاختلاف بنتيجة أنه صدوق حسن الحديث ، تارةً يخرج بنتيجة أنه صدوق يهم أو سيِّئ الحفظ ؛ فحينئذٍ لا يكون حديثه حسنًا إلا بغيره ، فالشخص الواحد يتقدَّم ويتأخَّر في الحكم على الراوي الواحد ، وبالتالي يتفرَّع منه اختلاف الرأي في الحديث هذا الراوي الواحد ، فتارةً يحسِّنه وتارةً يضعِّفه ، هذا من تمام الدقة ، متى يحسِّنه ؟ إذا استحضر أن ذاك الاختلاف هو عنده يؤدي إلى أنه صدوق ، ولكن قد يبدو له شيء في حديث ما بنفس الإسناد الذي يستحق الحُسْن أنَّ في مثل هذا الحديث فيه شيء مَنَعَه من تطبيق قاعدته على هذا المتن بخصوصه ؛ مع أنه من نفس الراوي الذي من عادته أن يحسِّن حديثه ، هذه الأمور لا تُشرح عادةً من قبل النَّاقد الحافظ ، فيكتفي أن يقول : هذا حديث ضعيف ، مع أن القاعدة تلزمه أن يقول : هذا حديث حسن ، لكن انقدح في نفسه شيء لم يبيِّنه ، أو لم يستطع أن يبيِّنَه ، وهذا أدقُّ في الموضوع .

في الأمس القريب حينما كنا في سهرة جاء السؤال - عند الشيخ طبعًا سعد - جاء السؤال عن الصلاة على الرسول - عليه السلام - في التشهُّد الأول ، فذكرت أنا شاهدًا بما قد يكون أشار إليه السائل أنه في حاشية " المغني " لابن قدامة ؛ ذكروا شيئًا يقوِّي حديث أبي عبيدة عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس في التشهد الأول فكأنما جلس على رضف .

أظن أن الطبخة احترقت [ الجميع يضحك ] ... لا أقول يعني : يقولون عادةً أن الجو العلمي بيبقى جاف ، وفعلًا بدها صمود ، وبدها ... العقل وإلى آخره ... إي نعم .

الشاهد : فقلت أنا أنُّو حديث : " إنما على رضف " هو معذور في علَّته أقطع بأحدهما ؛ وهو الانقطاع بين أبي عبيدة وابن مسعود ، ثم كتبت : هل هو من رواية ابن إسحاق أو لا ؟ لكني ذكرت شاهدًا في هذا الحديث من رواية ابن إسحاق يقول : حدَّثني - أظن عبد الرحمن بن الأسود - ... ذكرت ... أو فيه الشذوذ ؛ لأن هذه الزيادة التي ذكرها في الحديث ... في التشهد الأول ، فانتهيت من التحية صرت إلى الركعة الثالثة ، هذا الجادة أن هذا الإسناد حسن ، ولا عليه اختلاف ، من كان مستوعبًا لموضوع حديث ابن مسعود وجامعًا لطرقه فورًا يشعر بأن هناك نكارة أو جمود ، فلا يقول : هذا إسناد حسن ، وأما من كان ذهنه خاليًا من الاستيعاب لطرق الحديث وألفاظ الحديث سيقول : هذا إسناد ... ولكلٍّ وجهة ، لكن يا تُرى ما هو الصواب ؟ أيضًا الصواب ... إنسان وقف على تحقيق ذلك المحدِّث الذي جمع الطرق الذي فحكم على الإسناد على القاعدة حسن ، ولكنه شاذ أو منكر ، أما الذي لم يقف على هذا فيذهب مع الذي حسَّن الإسناد ، وأنا منهم أحسِّن الإسناد إذا ذكرت عن شذوذ أو نكارة ، فالقضية في مثل هذه القضايا ما هي بهذا الوضوح والظهور ، فيقال : أنت صحَّحت قاعدة تقول كذا وكذا ، نعم ، أنا صحَّحت قاعدة أن حديث ابن إسحاق حديث حسن إذا صرَّح بالتحديث ، فلماذا خالفت ؟ تحتاج إلى محاضرة ، وقد يقتنع المُحاضَر وقد لا يقتنع ، فالأمور نسبة ، وختام الأمر : (( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ )) .
  • رحلة النور - شريط : 92
  • توقيت الفهرسة : 00:30:10
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة