ما قولكم فيمن أجاز إقامة حفلات المولد وحفلات ليلة الإسراء كما يزعمون ، وخُذْ وقِسْ على هذه من الحفلات التي لا نعلم لها أصلًا في السنة ، وإن كان لها أصل فنرجو التَّنبيه بالأدلة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما قولكم فيمن أجاز إقامة حفلات المولد وحفلات ليلة الإسراء كما يزعمون ، وخُذْ وقِسْ على هذه من الحفلات التي لا نعلم لها أصلًا في السنة ، وإن كان لها أصل فنرجو التَّنبيه بالأدلة ؟
A-
A=
A+
السائل : شيخ - أثابك الله وجزاك الله خيرًا - ، يقول السائل : ما قولكم فيمن أجاز إقامة حفلات المولد وحفلات ليلة الإسراء كما يزعمون ، وخُذْ وقِسْ على هذه من الحفلات التي لا نعلم لها أصلًا في السنة ، وإن كان لها أصل ؛ فنرجو التَّنبيه بالأدلة ، جزاكم الله خيرًا ؟

الشيخ : إذا تذكَّرتم كلمتي ومحاضرتي في هذا المجلس ، وأنه يُشترط في العمل أن يتوفَّر فيه شرطان اثنان ؛ الأول : أن يكون موافقًا للسنة ، والآخر : أن يكون خالصًا لوجه الله - تبارك وتعالى - ، وهذه الحفلات التي أُشير إلى بعضها في سؤال السائل هي بلا شك لم يتوفَّر فيها الشرط الأول ، وقد لا يتوفَّر - أيضًا - الشرط الآخر .

الشرط الأول هو موافقة السنة ؛ فهذا ليس من السنة في شيء ، فالاحتفال بالنَّظر إلى ... ، وفي ليلة الإسراء والمعراج ، وليلة النصف من شعبان ، ونحو ذلك من الاحتفالات ؛ ليست من السنة لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ ؛ فهذا الشرط إذًا منفيٌّ ؛ أي : أن يكون هذا عملًا صالحًا مطابقًا للسنة فليس مطابقًا للسنة ؛ بل هو مخالف للسنة ؛ ( ومن رغب عن سنَّتي فليس منِّي ) .

أما الشرط الثاني فهو الإخلاص لله - عز وجل - ، فقد لا يختلي كثيرًا في مثل هذه الحفلات ؛ لأنَّ المقصود بها الظُّهور والمباهاة والمفاخرة ، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقوم في بعض الأمور المشروعة ، إذا كانت للمباهاة فلا أجرَ عليها ، بل عليها وزر ، لعلكم سمعتم قول نبيِّكم - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من بنى لله مسجدًا مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة ) ، لقد قال - عليه الصلاة والسلام - في المساجد التي هي بيوت الله : ( من بنى مسجدًا ) ... مهما كان طويلًا بالغ - عليه الصلاة والسلام - في الحضِّ على العناية ببناء المساجد بشرط أن تكون خالصةً لوجه الله حتى لو كانت كمفحص قطاة ( بنى الله بيتًا في الجنة ) ، فمن بنى مسجدًا مباهاةً ومفاخرةً فليس له بيت في الجنة ، بل قد يُبنى له بيت في النار من باب المعاقبة على عدم إخلاصه في بناء المسجد لوجه الله - تبارك وتعالى - ؛ ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام - =

-- ما هذه الأصوات ؟ السائل : بعيدة بعيدة . الشيخ : .... السائل : ... --

= الشيخ : لذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد ) ، فكيف يكون شأن مَن قام ببدعةٍ فقد خالف السنة ورُدَّ أمره عليه ، هذا لو كان مخلصًا كما طرحنا لكم في أول هذه الجلسة ؛ فكيف إذا اجتمع على ذلك أن يُقصَدَ المباهاة والمفاخرة والظهور ، وقديمًا قال بعضهم : " حبُّ الظهور يقطع الظهور " .

وعلى ذلك فأنا أذكِّر باحتفال مشروع إن صحَّ هذا التعبير ، وإنما قلت : باحتفال مشروع لأبيِّنَ للناس كيف أنَّ البدع تصرفهم عن السُّنن كما قال بعض السلف : " ما أُخرجت بدعة إلا وأميتَتْ سنَّة " ؛ لعلكم جميعًا تعلمون أنَّ من الصيام المستحبِّ صيام يوم الاثنين ، وكثير من المسلمين وإن كانوا هم الأقلِّين لا يزالون - والحمد لله - يحافظون على صيام يوم الاثنين ، ولكن القليل جدًّا من هؤلاء القليل مَن يعلم الحكمة في شرعيَّة صيام يوم الاثنين ، فهذا الذي أُريد أن ألفِتَ نظركم إليه ، روى الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث أبي قتادة الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - أن رجلًا قال : يا رسول الله ، ما تقول في صوم يوم عاشوراء ؟ قال : ( كفَّارة سنة ) . قال : ما تقول في صيام يوم عرفة ؟ قال : ( كفارة سنتين ) . قال : ما تقول في صوم يوم الاثنين ؟ قال : ( ذاك يوم وُلدت فيه وبُعثت فيه ) ، وفي رواية : ( أُنزِلَ الوحي عليَّ فيه ) .

فإذًا في هذا الحديث إشارة لطيفة جدًّا أن الذي يصوم يوم الاثنين فإنَّما ينبغي أن يصومه احتفالًا وفَرَحًا بولادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا اليوم ، ونزول الغيث والخير الكثير ؛ وهو الوحي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا اليوم ، فالناس صدق في أكثرهم ما قد رواه في اليهود من قبل : (( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ )) ، فقد استبدلوا الاحتفال المعروف اليوم بالاحتفال بالمولد بالصِّيام يوم الاثنين ، الاحتفال الحقيقي والمتكرِّر في كلِّ أسبوع وليس في السنة مرَّة واحدة ، إنما هو صوم يوم الاثنين ، وقد سمعتم قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( ذاك يوم وُلدت فيه ، وذاك يوم أُنزِلَ الوحي عليَّ فيه ) ، هذا إن جاز لنا أن نسمِّيَ شيئًا احتفالًا بميلاد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فإنَّما هو أن نصوم يوم الاثنين بهذا المعنى الذي دلَّنا عليه هذا الحديث الصحيح .

والبحث في النواهي والبدع التي يحتفل فيها الناس اليوم لا أصل لها في السنة مطلقًا ، إنما هي العادات والتقاليد بحرٌ واسع ... ، وحسبُكم أن أذكِّركم أخيرًا بأنَّ هذه البدعة بدأت بالاحتفال في هذه الأمَّة المحمديَّة بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من بعد نحوِ أربعة قرون ، كان السَّلف لا يعرفون مثل هذا الاحتفال إلا الصيام الذي ذكرتُه يوم الاثنين ، ثم انتهى هذا الاحتفال المُبتدع إلى ما قد تسمعونه اليوم تقليدًا الكفار أصلًا وتفريعًا ؛ أنه أصبح كلُّ أهل بيتٍ يحتفلون بولادة الولد الصغير ، اليوم سنة ولادة البنت ، سنة ولادة الولد ، ويقيمون الشُّموع ويتشبَّهون بالكفار ؛ أصل هذا الاحتفال بالمولد النبوي هو من النصارى ؛ لأن النصارى يحتفلون بميلاد عيسى - عليه الصلاة والسلام - ... .

... ( لتتبعُنَّ سننَ مَن قبلكم ؛ شبرًا بشبر ، وذراعًا بذراع ؛ حتى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لَدخلتموه ) . لقد بدأ الاحتفال بالمولد النبوي بوسوسة من الشيطان الرجيم تعظيمًا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ثم تسلسل مثل هذا الاحتفال حتى صار الاحتفال لكثير ممن يُظَنُّ بهم الصلاح و ... كالاحتفال بمولد " أحمد البدوي " في بعض البلاد المصرية إلى أن وصل الأمر - كما ذكرتُ آنفًا - الاحتفال بالأبطال والعمَّال ؛ ذلك أو تلك السنن كما قال - عليه الصلاة والسلام - ؛ فحذارِ أيها المسلمون أن تتَّبعوا سننَ مَن قبلكم ؛ فتهلكوا كما هلكوا .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 83
  • توقيت الفهرسة : 00:34:23
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة