الحديث الحسن لغيره والحديث الحسن لذاته ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الحديث الحسن لغيره والحديث الحسن لذاته ؟
A-
A=
A+
الشيخ : ليس علم الحديث في قواعده ، بل وفي سرادب أيامه ؛ كمثل هذا العلم الذي له قواعد مضبوطة في كثير منها ضبطًا نهائيًّا ، فلو قرأ قارئ : " ضربَ أحمدُ محمدٌ " يجتمع أهل العلماء في هذا العلم على تخطئته ، لكن ليس كذلك فيما يكون من علوم الحديث الدَّقيقة ، من ذلك علم الحديث الحسن لغيره بل والحديث الحسن لذاته ، وأنا قضيت وقضيت قرابة نصف قرن من الزَّمان وعادةً أقول أكثر من نصف قرن من الزمان ، لكن فيما يتعلق بالمسألة الآتية لا يجوز لي أن أقولَ : قضيتُ نصف قرن من الزمان أو أكثر ، بل قلت - وأعني ما أقول - : قضيت أقلَّ أو قريبًا من نصف قرن من الزمان في دراسة هذا العلم ؛ ليس نظريًّا بل دراسته نظريًّا أمر سهل ما يحتاج إلا إلى بضع سنين إذا كان الدراس له قد أعطي مواهب وفراغًا ونحو ذلك مما هو من المُساعَدَات أو المُساعِدَات ليتمكَّن في هذا العلم النظري ، وما قضيت وذكرت في دراسة هذا العلم عمليًّا ، وقبل أن أصل إلى نصف قرن من الزمان في دراسة هذا العلم وقفتُ على مخطوطة في المكتبة الظاهرية للحافظ الذهبي رسالة لطيفة جدًّا طُبعت في أيَّامنا الأخيرة ، اسمها " الموقظة " ، في تلك المدة التي مضت عليَّ - وهي أقل من نصف قرن من الزمان - وأنا أدرس تبيَّن لي الحقيقة التي عبَّر عنها الحافظ الذهبي في تلك الرسالة ، فسُررت من تعليمي ذاك سرورًا جمًّا ؛ لأنه وافق ما كان يكون في نفسي ؛ أن الحديث الحسن من أدقِّ علوم الحديث ؛ لأن الحافظ الذهبي - رحمه الله - ذَكَرَ في هذه الرسالة المعنى الذي كنت أشعر به طيلة تلك المدة ، ذلك قوله : أنَّ الحديث الحسن من دقائق علم الحديث ؛ لِمَ ؟ لأن المحدث الواحد يختلف رأيه في هذا الحديث ؛ فتارةً يحسِّنه وتارة يضعِّفه ، وهو شخص واحد ، فما بالك إذا انتقلت هذه الملاحظة إلى شخصين متباينَين فهمًا وعلمًا وسنًّا ؟ فسيكون الأمرُ أدقَّ مما ذكره الحافظ الذهبي في رسالته " الموقظة " .

وأدقُّ من هذا الحديثُ الحسن لغيره ؛ فقد يجد إنسان ما كهذا المثال وهو بين أيديكم ؛ أنَّ الطريق الأولى زائد الطريق الأخرى قد لا يساوي عنده في ... نفسه أنه حديث حسن ، ولكن حينما يرى أنَّ هذا الحديث قد جاء في تفسير تلك الآية الكريمة ، وهي لا تحتمل من المعاني معانيَ الكثيرة ، وإنما تعني ما جاء في هذا الحديث تمامًا ؛ حينئذٍ ينقدح في نفس هذا الباحث أنَّ هذا الحديث بالطريق الأولى والطريق الأخرى وزايد أنَّه المعنى المضمون في الآية فحينئذٍ ينقدح في نفسه أنه حديث حسن ، فإذا جاء آخر ونقد نقدًا نفسيًّا ؛ قال : هذا حديث ضعيف ، لا لأنَّ الطريق الأولى فيها علة كذا والطريق الأخرى فيها ... قبل وقته ، فهذا لا يعني أنه جاء بشيء أقام الحجَّة على مَن حسَّنه ، بل لعل العكس هو الصواب ، لذلك قلت ابتداءً أن مثل هذه المسألة قد لا نصل إليها إلى طرح رأي مبتوت به ؛ لأنَّني أُلاحظ فيما يردني من ملاحظات كثيرة من بعض المشتغلين بهذا العلم حديثًا ؛ بعضهم يرسلون إليَّ خطاباتهم ، وبعضهم يستعجلون فيطبعون وينشرون ، فألاحظ أنَّ هؤلاء وهؤلاء عندهم شيء من الاتباع للمصطلح أو تراجم الرجال ، لكنهم ما عُجِنوا عجنًا مع هذا العلم تطبيقا له تطبيقًا عمليًّا ؛ ولذلك يقعون في كثير أقل ما يُقال فيه أنه لا فائدة من البحث ؛ لأنه سوف لا يأتي بشيء جديد على المنتقد إلا في بعض الصور ، وهذه نحن نلاحظ بعضها بذوات أنفسنا ، وبعضها يُلاحظون هم ؛ كأن أقول - مثلًا - في حديث ما في كتاب : هذا حسن ، وأقول في كتاب آخر : إنه ضعيف ، فهذا التناقض بلا شك أمر ظاهر فيحتاج إلى ترجيح إحدى المرتبتين ، أما أن ينصبَ أحدٌ نفسَه فيأتي بما لا يخفى على ... كما هو هذا ، فينبغي أن يتساءَل في نفسه : لماذا الشيخ يا تُرى حسَّن هذا الحديث والضَّعف واضح في كلٍّ من الطريقين ؟ ما يذكرون أبدًا مثل الملاحظة التي ذكرها الإمام الذهبي في " الموقظة " ، وهذا هو مما يُفسح دائرة المناقشة في شيء لا يجدي .

هذا ما يحضرني جوابًا على هذا السؤال .
  • رحلة النور - شريط : 69
  • توقيت الفهرسة : 00:00:01
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة