ما موقف الشباب إذا تعدَّدت الفتوى من المشايخ ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما موقف الشباب إذا تعدَّدت الفتوى من المشايخ ؟
A-
A=
A+
السائل : يسأل سائل فيقول : نشاهد في هذه الأيام - ولله الحمد - نهضةً علميَّةً طيِّبةً ، وبخاصة بين الشباب المسلم الصاعد ، وهذه النهضة تواجهها إشكالات عدة ، من أهمها اختلاف أهل العلم في الفُتيا ، مما يؤدي إلى تحيُّر البعض واضطرابهم ؛ فما هو موقف الشباب المسلم من ذلك ؟ أفيدونا - بارك الله فيكم - .

الشيخ : هذا السؤال بلاشك من وحي الساعة ، وقد سمعناه في رحلتنا السابقة مرارًا وتكرارًا ، والإشكال هذا في الواقع إنما يرد على الشباب الذين لم يتمكَّن فيهم المنهج العلمي الصحيح ؛ أعني به ما جاء عن بعض السلف كابن عباس ومن تبعه من الأئمة كمجاهد ومالك وغيرهما : " ما من أحد إلا يُؤخذ من قوله ويُردُّ ؛ إلا صاحب هذا القبر " ، وأشار إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، هذه حقيقة يجب أن يستحضرها شبابنا المسلم الطالب للعلم الصحيح ، وليس هو إلا قال الله وقال رسول الله ، وعلى ما أكَّدنا مرارًا وتكرارًا على منهج السلف الصالح ، وينبغي عليه أن يستحضر حقيقةً أخرى ، حقيقة قرآنية ، قال الله - تبارك وتعالى - : (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم )) ، فالاختلاف لا منجاة منه ولا خلاص ، هذه سنة الله - عز وجل - في خلقه (( ولن تجد لسنة الله تبديلًا )) ، لكنَّ الخلاف منه ما هو يُعذر عليه الناس ، ومنه ما لا يُعذرون عليه ، يُعذرون على الخلاف الذي لا بد منه ، وهو ما أشارت إليه الآية السابقة الذكر : (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة )) ، فربُّنا ما شاء أن يجعل الناس على منهج واحد ، وعلى فهم واحد ، ولو كان كذلك لكان أحق الناس بذلك هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذين هم خير الناس كما جاء ذلك صراحة في الحديث المتواتر المعروف ، ولكن شاء الله عز وجل لحكمة البالغة قد يدركها من يفهمها ، وقد لا يدركها أكثر الناس ولا يضرُّنا ذلك ، فالخلاف أمر طبيعي كما ذكرنا ، أما الاختلاف والتخاصم من أجل سوء التفاهم في المسألة الواحدة هذا هو المحظور ، وهذا هو الممنوع ، وهذا هو الذي نجا منه السلف ووقع فيه الخَلَف ، إذا استحضر الشباب هذه الحقيقة ؛ فلا ينبغي لهم أن يستغربوا اختلاف بعض العلماء ، وبخاصة إذا كانوا ممَّن يشملهم المنهج الواحد ، وهو المنهج الحقُّ الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح ، لا يستنكروا ذلك ولا يستغربوه ؛ لأنه سنة الله - عز وجل - في خلقه ، وإذا أرادوا الخلاص منه ؛ فعليهم أن يسلكوا سبيل أهل العلم ، وهو المنصوص عليه في القرآن الكريم : (( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) ، فإذا وردَ إلى طالب العلم قولان متباينان أو أكثر عن عالمَين فاضلَين ، والظَّنُّ أنهما متساويان في العلم والفضل ، فيحار ، وقد يحقُّ له أن يحتار بادي الرأي ، لكن لا يجوز له أن يستمر في ذلك ؛ لأن عليه أن يسأل الدليل ، أن يطلب الدليل من كلٍّ من العالمين ، سواء كان الكلام معهما مباشرة أو بواسطة المراسلة أو المهاتفة أو نحو ذلك من الوسائل التي تتيسر اليوم ، فبعد أن يسمع دليل كل منهم فليس هو بالمكلَّف بأن يُؤثر زيدًا على عمرٍو ، أو أن يُؤثر عمرًا على زيد ، بل هو يتَّبع من كان معه الدليل الذي اطمأنت له النفس وانشرح له الصدر ، ... ولعل هذا - دخل الوقت ؟ طيب - لعل هذا وبه ينتهي الجواب من معاني قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( استفتِ قلبك وإن أفتاك المفتون ) ، جاءك قولان من عالمين جليلين فاستفت قلبك بعد أن تستوضح الدليل ، فإلى أيِّهما مال قلبك ؛ فهو الذي إذا أخذت به كنت معذورًا عند الله - تبارك وتعالى - ، أما أن تتعصَّب لأحدهما على الآخر ؛ فهذا هو سبيل المقلِّدين الذين نجَّانا الله - عز وجل - وأخرجنا عن سبيلهم إلى سبيل الصراط المستقيم ، والحمد لله رب العالمين .
  • رحلة الخير - شريط : 9
  • توقيت الفهرسة : 00:31:48
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة