يُقال : إنَّ الشيخ الألباني يُوافق ابن حزم في أصول الفقه ، ويُقال : إن له منهجًا خاصًّا في الأصول ؛ فهل هذا صحيح ؟ وهل في النية التأليف في هذا ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
يُقال : إنَّ الشيخ الألباني يُوافق ابن حزم في أصول الفقه ، ويُقال : إن له منهجًا خاصًّا في الأصول ؛ فهل هذا صحيح ؟ وهل في النية التأليف في هذا ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الوالد - حفظك الله - ، يقال أن الشيخ الألباني يُوافق ابن حزم في أصول الفقه ، ويقال أن له منهج خاص بالأصول ؛ فما الحق في ذلك ؟ وهل في النية التأليف في هذا ، وجزاك الله خيرًا ؟

الشيخ : أما النية فلا وصول إليها ، أما أني أوافق ابن حزم فهذا أبعد ما يكون عن الصواب ؛ لأنني كثيرًا ما أنكِّت بجموده في بعض النصوص التي يدل التفقه فيها على جمود ابن حزم في بعض قواعده ، ثم أضرب المثل ببعض الجامدين المعاصرين الذين يقعون في مثل جمود ابن حزم ، وإن كانوا يدَّعون التحرُّر ، ويدَّعون أنهم مثقَّفون ، وأنهم يريدون إسلامًا معقولًا ؛ حتى قد يصل أمرهم بسبب هذه الدعوة التي يجنحون إليها أن يجعلوا أحكام الشريعة معقولة عند العقول كل العقول ؛ وصل بهم الأمر إلى أن أنكروا أحاديث صحيحة ومشهورة ، ومع الثورة التي أثارَها غزاليُّ العصر الحاضر ومن قام بالرَّدِّ عليه بسبب ردِّه لأحاديث صحيحة في " الصحيحين " وفي غيرهمم إلا من قبيل هؤلاء الذين من ناحية تراهم يبالغون في ردِّ بعض الأحاديث التي لا توافق أهواءهم ، ولا أقول عقولهم ، ومن ناحية أخرى يقعون في خلاف المنطق السليم جمودًا منهم على بعض النصوص وتشبُّهًا بظاهرية ابن حزم ، وأنا في كثير من المناسبات أنتقد ابن حزم على جموده ، ولكن لعل سبب هذا السؤال أنني أقول في بعض الأحيان : إن هذا قياس ، وهذا القياس من أبطل ما يوجد على وجه الأرض ، فأقتبس من كلام ابن حزم الذي يقول هو : " القياس كله باطل ، ولو كان منه حقٌّ لَكان هذا منه عين الباطل " ، بعض الناس يقيسون قياسات غريبة وغريبة جدًّا ، فأستدلُّ بكلام ابن حزم هذا الذي غالى فأنكر القياس ، وهذا من جموده ، لكنه بحق في بعض الأحيان يردُّ على القائسين والآرائيين الذين يثبتون بعض الأحكام من باب القياس ، وهو فعلًا أبطلُ قياس على وجه الأرض ، مثاله - مثلًا - :

بعض المذاهب تقول : الكلام في الصلاة يبطلها ولو سهوًا ، ما الدليل ؟ قال : قياس على كلام العمد ، وقد عرفتم آنفًا في قصة معاوية بن الحكم السلمي وما تكلم في صلاته توهُّمًا منه ، وأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما علَّمه ولم يأمره بإعادة الصلاة ؛ فكيف يصح أن يُقال : إن كلام المتكلم خطأً أو جهلًا يبطل الصلاة به قياسًا على كلام المتعمد ، أقول أنا بهذه المناسبة : هذا قياس كما يقول ابن حزم : " ولو كان من القياس حقٌّ لَكان هذا منه عين الباطل " ، فربما بعض الناس يفهمون من هذا أنني أقول معه بإنكار القياس وأذهب مذهبه ، وليس الأمر كذلك .

وأضرب مثلًا - بل أكثر من مثل واحد - على عدم رضائي ببعض أصول ابن حزم التي منها عدم إمعان النظر في التفقُّه في الحديث ، بل يرى الجمود على لفظ الحديث ؛ من ذلك - مثلًا - الحديث المعروف أن البكر إذا أراد وليُّ أمرها أن يزوجها فلا بد له أن يستأذنها ، قال - عليه الصلاة والسلام - : ( وإذنها صماتها ) ، كل الفقهاء يفهمون من هذا القول الكريم : ( وإذنها صماتها ) ؛ أي : يكفي أن البنت البكر إذا استشارها وليُّ أمرها أن تصمت ، فيكون صماتُها علامةَ رضاها ، أما ابن حزم فجاء بأمر عجيب جدًّا يمكن أن ... ننكِّت نحن بهذا الجمود لا للتهكُّم بابن حزم ، فقد مضى إلى رحمه ربه - تبارك وتعالى - وهو إمام جليل ، لا ننكر ذلك أبدًا ، لكن له بعض الانحرافات منها ما عُرف بمذهبه الظاهري ، هذا من جموده على النَّصِّ الظاهر ؛ إذا قالت البنت : رضيت لا يصح ، وإنما عليها الصمت ، بينما العلماء الآخرون - وهو الحقُّ الذي لا نشك فيه - فهموا الحديث أن قوله - عليه السلام - : ( إذنها صماتها ) إنما هو عناية من الشارع لطبيعة البكر ؛ حيث يغلب عليها الحياء ، ولكن كان هذا في ماضي الزمان ، أما اليوم فالأمر لا يحتاج إلى بيان ، فقد طُبعت النساء أكثر النساء على الجرأة وعلى المصارحة فوق ما يقتضيه الشرع ! فراعى الشارع الحكيم طبيعة البنت البكر ، ومن أجل ذلك وصف أبو سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله : ( كان أشدَّ حياءً من البكر في خدرها ) ؛ فلهذا الحياء اكتفى الشارع الحكيم بأن تصمت البنت ، لكن إذا قالت : رضيت ، فذلك نور على نور ؛ لأنه في كثير من الأحيان قد يكون الصمت دلالته ظنِّيَّة ، أما إذا صرَّحت وقالت : رضيت ؛ فذلك أقوى ، أما ابن حزم فأوجَبَ عليها أن تسكت ولا تقول : رضيت ؛ جمودًا منه على هذا اللفظ ، وعدم رضاه بما فهمه جماهير العلماء أن قوله : ( إذنها صماتها ) مراعاةً منه لشعور الفتاة الحييَّة وهي البكر .

كذلك - مثلًا - من جمود ابن حزم ، وهنا المثل بالنسبة لبعض المعاصرين ؛ إنه يقول في حديث أبي هريرة الذي أخرجه الشيخان في " صحيحيهما " قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن البول في الماء الراكد " ، وهذا الحديث واضح كلَّ الوضوح أن النهي عن البول في الماء الرَّاكد إنما المقصود منه المحافظة على الأقل على نقاوة الماء ، وعلى الأكثر على طهارته ؛ فماذا قال ابن حزم ؟ قال : " فلو أنه بال في إناء - أي : فارغ - ، ثم أراق هذا البول من الإناء في الماء الراكد جازَ " ؛ لماذا ؟ لأنه لم يَبُلْ مباشرةً في الماء الراكد ، هذا جمود لم يرضَه جماهير العلماء ؛ لأنه لم يراعِ في قوله هذا مقصدَ الشارع من النهي عن البول في الماء الراكد ، ومعنى هذه الفلسفة الظاهرية لو أن أحدًا بال في قسطل أو في قصبة ؛ سواء كانت من شجر أو من حديد صُبَّ صبًّا ، ثم ذهب هذا البول إلى المار الرَّاكد جاز ؛ فأيُّ فرق بين أن يبول مباشرة أو بواسطة وصلة كهذه الوصلة ؛ هذا جمود غير مرضي .

لكن هل هذا الجمود قد ذرَّ قرنه في العصر الحاضر أم إعمال العقل السليم حَمَلَهم على ألا يجمدوا جمود الظاهريين ؟

الجواب - مع الأسف - : إن كثيرًا من المعاصرين والكُتَّاب الإسلاميِّين يقعون في مثل هذا الجمود ، وأوضح مثال على ذلك وبهذه المناسبة أنا أقول ما قلت آنفًا عن ابن حزم : قول بعض متفلسفة العصر الحاضر من الذين يدَّعون الفرق بين الصور المجسَّمة وهي المحرَّمة ، والصور غير المجسَّمة فهي مباحة ، ثم لا فرق عندهم في القسم الثاني من الصور التي ليست مجسَّمة كالتي على الورق أو على الجُدُر أو على الستائر أو نحو ذلك مما لا حجم لها ولا ظلَّ لها إذا سُلِّط النور عليها ، هذا قولٌ قد قاله بعض القدامى ، ولكن العلماء صرَّحوا ببطلانه ؛ لمجيء أحاديث كثيرة تبيِّن أن الصور التي من هذا النوع الثاني هي - أيضًا - محرَّمة ، وأوضح دليل وأقواه ما جاء في " الصحيحين " من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما رجع من سفر له ، وأراد أن يدخل غرفة عائشة وقعَ بصره على قرامٍ لها فيها صور ، قال : ( ما هذا يا عائشة ؟ ) . قالت : قرام اشتريته لك يا رسول الله . كأنها تقول أتزيِّن به لاستقبالك ، فقال - عليه الصلاة والسلام - مشيرًا إلى الصور التي على القرام - أي : الستارة - : ( إنَّ أشدَّ الناس عذابًا يوم القيامة هؤلاء الذين يضاهون بخلق الله ) .

-- ... صلاة العشاء ؟ ... --

نكتفي الآن بهذا المقدار لتنصرفوا وتصلون مع الجماعة - إن شاء الله - .
  • رحلة النور - شريط : 55
  • توقيت الفهرسة : 00:39:17
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة