هل يكتفي الشاب المسلم غير المتخصِّص في العلوم الشرعية بتصحيح وتضعيف المحقِّقين أمثالكم ؟ وهل هذا يُعدُّ تقليدًا ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل يكتفي الشاب المسلم غير المتخصِّص في العلوم الشرعية بتصحيح وتضعيف المحقِّقين أمثالكم ؟ وهل هذا يُعدُّ تقليدًا ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ - حفظك الله - ، هل يكتفي الشاب المسلم غير المتخصص في العلوم الشرعية بتصحيح وتضعيف المحقِّقين أمثالكم ؟ وإذا كان الجواب نعم ؛ فهل هذا تقليدًا ؟

الشيخ : ما فهمت السؤال الأخير ؛ فهل هذا تقليد كيف يعني ؟

السائل : في كتب التصحيح بين المحقِّقين هل يعتبر هذا تقليد ؟

الشيخ : الشطر الأول واضح .

السائل : ... المحقِّقين ، هل يُعتبر هذا تقليد ؟

الشيخ : هكذا يقول ؟

السائل : نعم .

الشيخ : الجواب : لا فرق ... (( وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) ، لكن البصيرة تختلف من شخص إلى آخر ، فبصيرة العالم أسمى وأرقى من بصيرة طالب العلم ، وبصيرة طالب العلم أرقى وأسمى من بصيرة عامَّة الناس ، فلكلٍّ بصيرة لا بد له منه ، أقلها تحقيق قوله - تعالى - : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، ففرد من أفراد العوام عامة المسلمين يسأل العالم المتخصِّص في الحديث : هذا حديث صحيح أو ضعيف ؟ يقول له : صحيح . ويتبنَّاه ويعمل به ، أو يقول له في حديث آخر : ضعيف . فلا يعمل به ، هذا هو واجبه وهذا هو مقدار بصيرته التي مكَّنه الله - تبارك وتعالى - منها ، لا يستطيع أكثر من ذلك .

لكن ننتقل من هذه المرتبة الدنيا إلى مرتبة أعلى منها وهي بصيرة طالب العلم ، أو يسأل أو يقرأ في كتاب أنُّو هذا الحديث قال فيه الإمام الترمذي : صحيح مثلًا ، أو صححه ابن حبان ، أو أو إلى آخر من يصحح ، لكن هو عنده من الثقافة ما قد تشعره بأن هؤلاء الذين صحَّحوا الحديث معروفون بالتساهل في بعض التصحيحات ؛ فهو باستطاعته أن يبحثَ ليتأكد هل هذا التصريح أصاب الحق أم هو من التساهل الذي عُرف عن هذا المصحح ؟ فهذا أعلى مستوًى من ذلك العامي الذي يكفيه فقط أن يأخذ كلام العالم مصحِّحًا أو مضعِّفًا ، أما هل هذا تقليد أم هو اتباع فأنا أعتقد أن المسألة شكليَّة محضة أو خلاف لفظي ، فالإمام الصنعاني - مثلًا - له رسالة في تيسير الاجتهاد يذهب إلى أن قول المحدِّث : هذا حديث صحيح خبرٌ يجب تصديقه ، وليس له علاقة بالتقليد ، وغيره يقول هذا هو عندي تقليد لأنُّو بيجوز أنُّو يخطئ وبيجوز ... تصريح على توثيق إنسان للراوي ، والواقع أنه خطأ ، وأن الصواب أنه ضعيف إلى آخر ما هو معلوم من مصطلح الحديث ، فأنا أرى أن الاختلاف في هذه النقطة بالذات هل هو تقليد أم هو اتباع فمسألة شكليَّة محضة ، المهم أن كل مسلم يجب أن يحقِّق البصيرة التي يستطيعها ، فقد ضربت آنفًا مثلًا بالعامي الذي لا يستطيع إلا أن يسأل العالم ، فبيقول له : هذا حديث صحيح ، أو يسأله : يجوز - مثلًا - شرب الدخان أو لا يجوز ؟ فيقول له : حرام . خلاص ما عنده استطاعة هو أكثر من هذا السؤال .

بينما طالب العلم يستطيع أن يقول بعض الشيء لمعرفة هذا صواب ولَّا خطأ ، أما إذا كان عالمًا فحينئذٍ يحرم عليه التقليد ؛ لأنه يستطيع أن يدقِّق في الموضوع ، كما فعل نفس الرجل الذي صحَّح أو ضعَّف أو حكم بأنه حرام وبأنه مباح ؛ فلذلك فقول الأئمة : " لا تقلِّدني ولا تقلد مالكًا ، وخذ من حيث أخذوا " لا شك أن هذا الكلام موجَّه إلى الذين يستطيعون من أهل العلم - أو على الأقل من طلاب العلم الأقوياء - يستطيعون أن يأخذوا من حيث أخذ الأئمة من كتاب الله ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، أما عامة الناس فلا يُخاطبون بهذا الخطاب ، خذ من حيث أخذوا ، وبخاصة إذا تصوَّرنا بلاد الأعاجم الذين لا يعرفون اللغة العربية مطلقًا ؛ فكيف يُعقل أن يُوجَّه إليهم مثل هذا الخطاب ؟ ثم نأتي إلى العرب عامة العرب الذين استُعجموا وصاروا كالعجم من حيث عدم معرفتهم باللغة العربية ، وهكذا تسلسل حتى تصل إلى مرتبة طالب العلم القوي ، فهذا بإمكانه أن يأخذ من حيث أخذوا في بعض المسائل ، ولا يستطيع أن يأخذ من مسائل أخرى ، فإذًا كل إنسان مُكلَّف بما يستطيعه .

أما هل إذا سأل السائلُ الشيخَ عن حديث فقال : صحيح ؛ هل هذا تقليد ولَّا لأ ؟ إذا قلنا أنه تقليد ؛ فماذا يترتب ؟ آ ، التقليد حرام ! لا ، ليس على هذا الإطلاق ، التقليد حرام بالنسبة لِمَن يستطيع أن لا يقلد ، أما إطلاق القول هكذا حينئذٍ يخالف نصَّ القرآن الكريم : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، مخالف ما كان عليه الصحابة من سؤال أهل العلم منهم يكتفون بسؤالهم بأنهم لا يعلمون ، والله - عز وجل - يقول في الآية السابقة : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، أما الغلو في مكان ما عليه بعض الناشئين على الكتاب والسنة من أنهم يحرِّمون التقليد بعامة ؛ هذه غفلة خطيرة وخطيرة جدًّا ؛ لأن في ذلك تكليف الناس بما لا يطيقون ، والله - عز وجل - يقول : (( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )) . فعامة الصحابة كانوا ... يسألون السؤال سؤالًا موجَّهًا إلى أحد علمائهم فيتقبَّلونه دون أيِّ مناقشة ، وليس الأمر كما هو الشأن اليوم ؛ إنسان لا يفقه من العلم شيئًا يسأل يجوز ولَّا لا يجوز ؟ رأسًا بيقول له : ما الدليل ؟ هو ليس في هذا المستوى العلمي أن يفهم الدليل ، هو قال له : هذا حديث صحيح ، بيقول له : ما الدليل في صحته ؟ يُقال له : روح اقرأ كتب المصطلح ... تراجم الرجال ... وبعدين تعال اسأل : ما الدليل على صحة هذا الحديث ؟ ولذلك فالتقليد قسمان : تقليد لا بد منه ، وهذا لا ينجو منه كبار العلماء ، والقسم الآخر اتخاذ التقليد دينًا يُخالَف به ما قال الله وما قال رسول الله كما يفعل متعصِّبة المذاهب . غيره ؟

السائل : أقول : أنا طالب علم ، وبحثت الحديث مثل حديث : ( الذين يصلحون إذا فسد الناس ) ، فالمراجع التي بين يدي الترمذي والخطابي ، والحديث ضعيف في الاثنين ، ثم وجدتك تقول في " المشكاة " : رواه أبو عمر الداني ، وأبو عمر الداني ليس بين يدي ؛ فهل أقلدك في هذا ؟

الشيخ : هذا الذي كنَّا ندندن حوله ؛ لا بد من التقليد ، أما تسمِّيه تقليدًا أو تسميه اتباعًا فمش مشكل ؛ لأنُّو الصنعاني - كما قلت آنفًا - أنت تأخذ بخبر الواحد الذي هو أنا ، قلت : روى الداني ، هذا خبر أريد أن تقبله ، قلت بسند صحيح - أيضًا - يجب أن تقبله ؛ لأن هذا إما صواب وإما خطأ ، أما أنت فلا يجوز أن تعتمد على بحثك الضَّيِّق وتقول : هذا حديث ضعيف ، وتُهدر عمل مَن سبقك إلى هذا الحديث ودراسته ، فجاء بنتيجة تخالف ما أنت عليه ، ولن تستطيع أن تقول المصدر الذي هو فيه صح الحديث ، فلا يجوز لك الاستقلال والحالة هذه ، بل عليك إما الاتباع وإما التقليد .
  • رحلة النور - شريط : 46
  • توقيت الفهرسة : 00:31:47
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة