ما قولك فيما ورد عن ابن عمر أنه كان يأخذ من لحيته ما زاد عن القبضة ، ألا يتعارض هذا مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة التي وردت بألفاظ متعددة حيث قال : ( وفِّروا اللحى ) ، ( أرخوا اللحى ) ، ( اعفوا اللحى ) ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما قولك فيما ورد عن ابن عمر أنه كان يأخذ من لحيته ما زاد عن القبضة ، ألا يتعارض هذا مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة التي وردت بألفاظ متعددة حيث قال : ( وفِّروا اللحى ) ، ( أرخوا اللحى ) ، ( اعفوا اللحى ) ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ ، السلام عليكم ورحمة الله ، أثابكم الله .

ما قولك في لفظ في حديث ابن عمر : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من لحيته ما زاد عن القبضة " ، مع تعارضه مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة المطَّردة وقال : ( وفِّروا اللحى ) ، ( أرخوا اللحى ) ، ( اعفوا اللحى ) ؟

الشيخ : باعتقادي أن هذا النوع لا يصح أن نسمِّيَه تعارضًا ؛ لأن النَّصَّ العام قد لا يكون دائمًا على عمومه وشموله ، وآنفًا ذكرنا مثالًا واضحًا ؛ ألا وهو قوله - عليه السلام - : (صلاة الرجلين أزكى من صلاة الرجل وحده) ، وبيَّنَّا =

-- إيش هذا الأذان ؟ السائل : العشاء . الشيخ : العشاء ؟ --

= وبيَّنَّا أن هذا العموم لا يُؤخذ به ؛ لأنه لم يجرِ العمل عليه ، فيا تُرى قوله - عليه السلام - : ( واعفوا اللحى ) ، و ( أرخوا اللحى ) ، و ( وفِّروا اللحى ) ؛ هل هذا العموم جرى عمل السلف عليه ؟

الحقيقة أن القاعدة التي ذكرتها آنفًا قاعدة هامة جدًّا ، يتفرَّع منها أن نستكشف أمورًا يظنها كثير من الناس من العبادات وهي ليست من العبادة في شيء ؛ فهذا العموم في : ( وفِّروا اللحى ) هل جرى عمل السلف على ذلك أم لا ؟ إن كان جرى عمل السلف - جواب تحفُّظ احتياطي - إن كان جرى عمل السلف على ذلك فالأمور ماشية على طول ؛ حتى لو إنسان ربُّنا بارك له في لحيته وجرَّها على الأرض جرًّا هيك السلف ! وهكذا نحن نفعل ، أما إذا كان السلف لم يعمل في هذا العموم ؛ فهل يجوز العمل به ؟ عرفنا الجواب آنفًا : لا ، أيُّ عامٍّ لم يجرِ العمل به فمعنى فهمنا للنَّصِّ على العموم الذي أوجب علينا عملًا لم يفعله السلف فهذا دليل أن فهمنا خطأ ، والأمر في هذا الحديث هو من هذا القبيل تمامًا ؛ أي : إن السلف لم يجرِ عملهم على هذا الإطلاق والشمول ( اعفوا اللحى ) ، بل جرى عملهم على خلاف ذلك ، وفي مقدِّمتهم ابن عمر وهو أحد رواة هذا الحديث ، وهنا تكمن فائدة ... جدًّا ؛ وهي التي يقول العلماء بمناسبتها : رأي الراوي أو فهم الراوي أدرى بمرويِّه من غيره ؛ فنحن حينما نسمع هذا الحديث من بعد أربعة عشر قرنًا : ( وفِّروا اللحى ) ، ( اعفوا عن اللحى ) يتبادر إلى ذهننا أن المقصود توفيرًا مطلقًا بدون حدود .

ولكن إذا تذكَّرنا قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ) ، وقوله الآخر باللفظ الآخر : ( ليس الخبر كالعيان ) ، حينئذٍ نقول : نحن بعد أربعة عشر قرنًا يمكننا أن نفهم هذا الحديث أكثر ممن رأى المتكلم به ، المتكلم به هو رسول الله ، والراوي له هو عبد الله بن عمر ... ما تحت القبضة كان ابن عمر يأخذه ، فنحن - والحالة هذه - لو كان هو في هذا المجال وحدَه لا نستطيع أن نقول خالف حديث الرسول ، لأنه تكون المخالفة متجسِّدة لو قال - مثلًا - : لا تأخذوا من اللحية شيئًا ثم أخذ هذه مخالفة ، أما : ( اعفوا عن اللحى ) ( أرخوا اللحى ) فهذا نصٌّ عام يمكن أن يكون بهذا الإطلاق ، ويمكن أن يكون بذاك التحديد الذي فعله ابن عمر ، قلت : هذا لو تفرَّد ابن عمر وحدَه بهذا الأخذ ؛ فكيف وقد ورد ذلك عن غيره من السلف منهم أبو هريرة ، منهم مجاهد ، منهم إبراهيم بن يزيد النخعي ، حيث قال : " كانوا يأخذون من لحيتهم " ، إذا ابن يزيد تابعي والنخعي متبوع ، " كانوا يأخذون " يعني الصحابة ، ولم يرد عن غير هؤلاء ما يُخالف ما ذهبوا إليه ، في مثل هذا يقول ابن قدامة المقدسي في كتابه " المغني " : فثبتَ أنه لا خلاف فهو إجماع ، لا يُعرف له مخالف ، هذا يقول أحيانًا - رحمه الله - في الصحابي الواحد إذا قال قولًا أو فعل فعلًا ولم يُعرف له مُخالف فهو بمنزلة الإجماع ؛ بمعنى فهي حجة ؛ فإذا لاحظنا هنا ما يأتي :

أولًا : ابن عمر هو راوي الحديث ؛ فهو أدري بمرويِّه من غيره .

ثانيًا : أن ابن عمر كان أحرص الصحابة إطلاقًا في اتباع الرسول - عليه السلام - في أفعاله حتى الأفعال التي يسمِّيها بعض العلماء أنها غير تعبُّدية وإنما هي أفعال عادية ، فكان من عادة الرسول - عليه السلام - أحيانًا أن يفكَّ أزرار قميصه ، ففعلَ ابن عمر ذلك ؛ فقيل له : لِمَ ؟ قال : رأيت رسول الله يفعل ذلك ، ممكن الرسول كان في مثل هذا الجو الحار الآن في هالغرفة وفكَّ زر أو زرين ؛ فهذه مش قضية عبادة ، هذه قضية عادة ، أو كان الجو العام خارج البنيان كما هو الشأن في البلاد العربية خاصَّة بأيام الصيف حارًّا فأراد - عليه السلام - الاسترواح والترفُّه ففكَّ بعض الأزرار ؛ ليس لهذا علاقة بالعبادة ، مع ذلك فابن عمر كان يتَّبع الرسول - عليه السلام - حتى في هذه الأشياء ، وله نماذج أخرى يذكرها الحافظ المنذري في أول كتابه " الترغيب " في باب السنة كتاب السنة ، فإذا كان هذا شأن ابن عمر في الحرص على اتباع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى في الأمور العادية ؛ فكيف يخالف الرسول - عليه السلام - ؟ كيف يتصور أن يخالفه في الأمر التعبدي وأمر صادر من قوله : ( اعفوا اللحى ) ؟ هذا أبعد ما يكون لو كان ابن عمر وحده في هذا المجال ؛ فكيف وقد ذكرنا أن معه ناس آخرون من الصحابة والتابعين ، فيكون الأمر المذكور في الحديث ليس على إطلاقه ؛ فلا يصح أن نقول بأن ابن عمر خالف حديث الرسول .

السائل : فضيلة الشيخ ، علَّمتنا الدقة في جميع المسائل ، ألفت النظر هنا يقول : في حديث ابن عمر : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من لحيته ، وما نسبها إلى ابن عمر ؟

الشيخ : لأ ، هو ليس .

السائل : ... كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

الشيخ : هذا ليس صحيحًا ، لو صحَّ انتهت القضية ، هذا حديث فيه رجل شديد الضَّعف ، ولذلك خرَّجناه في " سلسة الأحاديث الضعيفة " ، لفظ الحديث : " كان يأخذ من عرضها وطولها " ، هذا الحديث لو صحَّ لَانتهى القيل والقال في المسألة ، لكن الحديث لم يصح ، ولذلك رجعنا إلى ملاحظة فعل السلف ، وقلنا أن فعله يدل على إن هذا العام بل هذا الأمر المطلق ليس على إطلاقه .

السائل : وهل كان هذا الأمر في الحج فقط ؟

الشيخ : لأ ، في الحج والعمرة وغيرهما ، كذلك الروايات الأخرى التي جاءت عن بعض الصحابة ليس متعلِّقًا بالحج .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 45
  • توقيت الفهرسة : 00:40:43
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة