ما رأيكم بما يُشاع بين الشباب بتكفير المُعيَّن ؛ نرجو الإيضاح في هذه المسألة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما رأيكم بما يُشاع بين الشباب بتكفير المُعيَّن ؛ نرجو الإيضاح في هذه المسألة ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ما رأيكم بما يشاع بين الشباب بالتكفير المُعيَّن ؛ نرجو الإيضاح في هذه المسألة مع الدليل ؟

الشيخ : تكفير إيش ؟

السائل : تكفير المُعيَّن .

الشيخ : تكفير شخص مُعيَّن ، هذه - أيضًا - من المسائل الهامة التي ... هذه الأيام مع الأسف ؛ وهو التسرُّع بإطلاق لفظة الكفر على المسلم ، إما لانحرافه في فهمه لبعض الأحكام أو العقائد الإسلامية الصحيحة ، أو لإهماله القيام لبعض الأركان أو الواجبات ، واليوم يوجد طائفة من المسلمين عٌرفوا بـ " جماعة التكفير " " جماعة التكفير والهجرة " ، هذه قديمًا كان عندهم هناك فكرة تبيَّن لهم فيما بعد أن فكرة الهجرة غير واردة إطلاقًا ؛ ولذلك قنعوا بالبقاء على القسم الأول في شعارهم السابق ؛ ألا وهو تكفير المسلمين ليس تكفيرًا بعينه كما جاء في السؤال بل تكفير يقول في بعض البلاد بـ " الكوم " ؛ يعني بالجملة ، ذلك لأننا نجد - مع الأسف الشديد - في البلاد الإسلامية ... بالقوانين غالبُها غير شرعيَّة ، ويصدق عليها أنها حكم بغير ما أنزل الله ، وعلى ذلك أطلق هؤلاء الناس الذين يُسمَّون بـ " جماعة التكفير " أطلقوا التكفير على الحكام الذين يحكِّمون ... الإسلامية كالهند والباكستان سوريا الأردن ومصر كانت قد حُكمت واستُعمرت من بعض الدول ... كافرة ، ففرضوا قوانينهم المخالفة للشريعة الإسلامية على تلك البلاد فرضًا ، ثم خرج المستعمر منها وخلَّف فيها قوانينه وأفكاره وعاداته وهكذا ، ولا يزال - مع الأسف الشديد - كثير من هذه البلاد ما غيَّروا من تلك القوانين إلا الشيء اليسير واليسير جدًّا ، خاصَّة ما كان من أحكام متعلقة بما يسمُّونه اليوم بالأحوال الشخصية ، فيُلاحظ هؤلاء الجماعة - أي : " جماعة التكفير " - أن ما دام الحكم هو بالقوانين فإذًا هؤلاء الحُكَّام هم كفار ، يستدلون بالآية المعروفة ألا وهي قوله - تعالى - : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) ، وفي الآية الثانية : (( فأولئك هم الظالمون )) ، وفي الثالثة : (( فأولئك هم الفاسقون )) ، لكن هذه الآية كما في " تفسير ابن جرير الطبري وابن كثير الدمشقي " لها معنى غير المعنى الذي يذهب إليه هؤلاء الذين غَلَوا في تكفير المسلمين كما سيأتي بيانه ، يقول ابن جرير : أن معنى الآية إنما يُراد به اليهود ومَن شارَكَهم في اعتقادهم في الحكم بغير ما أنزل الله ؛ أي : أنَّ مَن لم يحكم بما أنزل الله إما أن يكون عن اعتقاد ؛ لأن الحكم بغير ما أنزل الله هو صواب ، وأن الحكم بما أنزل الله لا يصلح لهذا الزمان وهو الكفر بعينه ؛ هذا هو الحق ، أما إذا كان الحاكم يحكم بغير شريعة الإسلام في كثير أو أكثر أحكامه يعتقد أنه مخطئ فيما يفعل ولكن الهوى غلبَ عليه كما يغلب الهوى على الذين يتعاملون - مثلًا - بالربا ويتعاملون بالغشِّ ويسرقون وينهبون و و يزنون ويشربون الخمر ؛ كل هؤلاء بلا شك هم عصاة ، لكن هؤلاء العصاة بدءًا ممَّن يحكم بغير ما أنزل الله إلى مَن يشرب الدخان والخمر لهم حالتان ؛ حالة من حالتين :

إما أن يستحلُّوا هذه المحرَّمات بقلوبهم وأن يقولوا كما يقولون عندنا في الشام : " بلا حلال بلا حرام " ؛ ما عاد في حلال وحرام ، هذا هو الكفر بعينه ؛ لأنه اعتقد أن الشرع لا يجب الأخذ به .

أما إذا قال - كما يقول بعض العصاة - تذكِّره بمعصيته بفسقه وفجوره فيقول : إن الله غفور رحيم ، الله يتوب علينا ؛ هذا معناه أنه يعترف بمعصيته ، ويدين الله بأنه يستحقُّ أن يعذَّب لكن الله غفور رحيم ، هذا ليس كذاك النوع من الكفار الذين لا يعترفون بشريعة الإسلام ، لا فرق بين معصية وأخرى ، وأخطرها الحكم بغير ما أنزل الله ؛ فإذا كان الذي يحكم بغير ما أنزل الله يرى أن الشَّرع لم يعُدْ صالحًا فهذا مرتدٌّ عن دينه ، أما إذا كان يعتقد بقرارة قلبه والله يعلم ذلك حقيقةً ، وقد يقول ذلك لبعض مَن حوله من الناس ؛ فحينئذٍ يكون كافرًا كفرًا عمليًّا ؛ فإن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقسم الكفرَ إلى كفرين - وهذا التقسيم علمي دقيق جدًّا - ؛ فهو يذكر تارةً أن الكفر كفر اعتقادي وكفر عملي ، وتارةً يقول : كفر قلبي وكفر لفظي ، الكفر الأول هو الذي يخرج به صاحبُه من الملة ؛ إذا كان كفره كفرًا قلبيًّا اعتقاديًّا ، أما الكفر الثاني إذا كان كفرًا لفظيًّا أو عمليًّا فهذا لا يكفر كفرًا يخرج به من الملة ، وإنما هو عاصٍ من العصاة أمره إلى الله - تبارك وتعالى - كما قال : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ، هؤلاء الذين نتكلَّم عنهم كلامًا مطلقًا من الحكَّام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله لهم حالة من حالتين في قرارة نفوسهم ؛ إما أن يدينوا بالشَّرع ويعتقدوا أن فعلهم هذا مخالف للشرع ؛ فهذا كفرهم كفر عملي لا يخرجون به من الملة ، أما إن كانوا يعتقدون - وهذا لا يصلح أن يكون بعض الحكَّام من هذا القبيل - كالذي - مثلًا - حرَّم الصيام في رمضان قال : توفيرًا للقوة والصحة وأن الشعب بحاجة إلى توفير الوقت والجهد و و إلى آخره ؛ هذا لا شك في كفره ، لكن البحث الآن بصورة عامة من حيث التفصيل والاطلاع على ما في القلوب لا سبيل لنا للاطلاع عليه إلا إذا أعربَ بلسانه كهذا المثال الذي ذكرناه آنفًا ؛ فهذا يكون دليله مصرِّح بأن كفره كفر اعتقادي ، أما أنا لا أعلم ما في صدره ما في قلبه فنقول : إن حكمه بغير ما أنزل الله ليس كحكم اليهود ؛ لأن اليهود لم يعتقدوا شرعية ما أنزل الله ، أما هذا المسلم الحاكم بغير ما أنزل الله هو يعتقد الشرعية ، ولكن لا يعمل بها كالذي يعتقد شرعيَّة تحريم الربا ، لكن عمليًّا يأكل الربا ، كالذي يزني يعتقد بأن الزنى حرام لكنه عمليًّا يزني ؛ فهل يُكفَّر مُواقِعُ المعصية سواء كانت كبيرة أو صغيرة ؟

عرفتم الجواب من الآية المذكورة : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ، والبحث في هذا - أيضًا - طويل الذَّيل وقد انتهى الوقت ، ولكن أرى نفسي لا بد من تقديم فائدة مهمة جدًّا بمناسبة هذه الآية : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ، يجب أن تعلموا جيِّدًا أن كلَّ كفرٍ شركٌ ، وكلَّ شركٍ كفرٌ ، وأن لا نفرِّق شرعًا بين الكفر والشرك ، كلُّ من كفرَ فقد أشرك ولو لم يبدُ لكم واضحًا أن هذا الذي كفر أشرك ، كثير من الناس يتوهَّمون أن الكفر أعمُّ من الشرك ، والشرك أخصُّ من الكفر ؛ مثلًا نحن الآن في صدد الحكم بغير ما أنزل الله ؛ فإذا رأينا حاكمًا يحكم بغير ما أنزل الله ويعتقد أن شرع الله لا يصلح لهذا الزمان قلنا فيه ماذا ؟ مرتد عن دينه ، هل هو مشرك ؟

سائل آخر : لأ .

الشيخ : صح ، هذا هو الجواب ، وهذا هو عين الخطأ ، هو ليس مشركًا لغةً ، لكنه مشرك شرعًا ، هذا الذي أنا أردت أن أنبِّهَ عليه ؛ لماذا ؟ قلنا أن هذا حَكَمَ بغير ما أنزل الله واعتقد أن هذا الحكم جائز ؛ فقد كفر وارتدَّ عن دينه ، لكن هل هو مشرك ؟ الجواب : نعم (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) ، ... بإيجاز واختصار : كلُّ من استحلَّ أن يتَّبع هواه فقد جعل إلهه هواه ، وهو مشرك ، هذا ... جدًّا ؛ لأنكم أول شيء قد تُفاجؤون ؛ طيب ؛ هذا الذي حَكَمَ بغير ما شرعَ الله وهو قال : أن الشرع غير صالح لهذا الزمان ، هذا ممكن أن يغفر الله له أم لا ؟ ستقولون قولًا واحدًا : لا ، ربنا لا يغفر له . سيطالبكم بالدليل ، ما الدليل ؟ ستقولون : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به )) ... الجواب هذا ما أشرك ، فكيف تقولون لا يُغفر له ؟ لاحظتم الدِّقَّة بالموضوع ، أما إذا فهتم أن كلَّ من كفر فقد أشرك والعكس ، ولا انفصال بين الكفر والشرك لغةً شرعيَّة مش لغة وضعية ، لغة شرعية تبقى في كثير من الأحيان أعم وأحيان تكون أخص ، والبحث يطول ، لكن الخلاصة :

أذكِّركم ببعض الأدلة القرآنية التي تُعطيكم هذا المعنى ؛ لتكونوا شارحين له ، وهي القصة التي حكاها ربنا - عز وجل - في سورة الكهف بين المؤمن والكافر : (( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُۥ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَٰحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا۠ أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا )) ، الآن السؤال حسب العرف العام هذا كَفَرَ أم أشركَ ؟

السائل : كفر وأشرك .

الشيخ : ها ؟

السائل : كفر وأشرك .

الشيخ : لا ، أقول : حسب العرف العام .

الحاضرون : كفر .

الشيخ : كفر ؛ هذا الذي أريد التنبيه عليه ، كفرَ لأنه أنكر البعث ، أو على الأقل شكَّ بالبعث والنشور (( قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا )) ، هذا كفر وليس شركًا ، (( وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا )) ، (( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا )) ، لماذا قال له : (( لَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا )) ؟ لأن ذاك الكفر هو الشرك ؛ لأنه حينما حسم بأنه لا بعث ولا نشور ثم تمنَّى على الله الأماني وقال : (( وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا )) ؛ إذًا هذا أشرك عقلَه مع ربِّه ، فحكمَ بغير حكمه وبغير خبره ؛ (( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ )) إلى آخره ، بعدين ربُّنا بتابع القصة المحاورة بين الاثنين شو بيقول في آخرها ؟ (( فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا )) وين شركه ؟ الذي لا يعرف هذه الحقيقة الشرعية يتساءل وين شركه ... ؟ هو ما أشرك ، لكن اعلموا أن كل كافر مشرك ؛ فضلًا عن كون كل مشرك كافر ؛ حينئذٍ إذا قيل أنه يحكم بغير ما أنزل الله مستحلًّا بقلبه فقد كفر وارتدَّ عن دينه ؛ فهل يُغفر له ؟ الجواب : لا ، حينما نستدل بالآية (( إن الله لا يغفر أن يشرك به )) فسّروها بمعنى أن يُكفر به ؛ لأن كل كفر شرك ، هذا الذي أردت أن أختمَ معكم هذه الجلسة ، والحمد لله رب العالمين .
  • رحلة النور - شريط : 36
  • توقيت الفهرسة : 00:41:53
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة