كلمة حول بعض المفاهيم المأخوذة من المشركين . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كلمة حول بعض المفاهيم المأخوذة من المشركين .
A-
A=
A+
الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ، (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون )) ، (( يا أيها الناس اتقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالًا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا )) ، (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا )) ، أما بعد :

فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكلَّ محدثة بدعة ، وكلَّ بدعة ضلالة ، وكلَّ ضلالة في النار .

فعطفًا على ما قلنا في الأمس القريب حول نهي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن التشبُّه بالكفار من جهة وأمره - صلى الله عليه وآله وسلم - بمخالفة المشركين اليهود والنصارى ... أريد أن أنبِّهَ على شيء قد لا ينتبه بعض الناس ، ولكن إذا ربطناه بذلك النهي وذلك الأمر لَوجدنا أنفسنا أنَّنا كنَّا غافلين عن أن هذا الأمر ينبغي أن يُعدَّلَ ويوافقَ فيه نهي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن التشبه ، وأمره - عليه الصلاة والسلام - بمخالفة المشركين ؛ ألا وهو قولهم بمناسبة ما سمعتم آنفًا ... : " ألو ألو " ، " ألو ألو " كلمة أجنبية ، وهي حين يقوم مقامها كلمة عربية أخرى ... ولكنها بديل " ألو ألو " " ألا ألا " ، فـ " ألا " أداة استفتاح في اللغة العربية ؛ ولذلك فيجب الإعراض عن هذه الكلمة الشائعة ؛ أولًا : لأنها ليست كلمة عربية ، وثانيًا : بقصد مخالفة الكفار حتَّى في هذه الجزئية لأمره - عليه السلام - الذي ذكرناه آنفًا : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم ؛ فخالفوهم ) ، هذا الشَّعر - كما قرَّرنا أمسِ - شيء فرضه الله - عز وجل - على الكافر وعلى المسلم ؛ فليس بيد المسلم ولا بيد الكافر ألَّا يشيب ، مع ذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : ( خالفوهم ) ؛ أي : خالفوهم في شيء ليس من صنعهم ، وإنما ... ، فكيف لا نخالفهم في شيء ... ومن عادتهم وتقاليدهم التي ... في كل بلاد الدنيا ، فإذا أراد أن يهتف أحدٌ ما إلى صاحبه فبديلَ أن يقول : ... السلام عليكم نقول ... : " ألو ألو " ؛ فينبغي الإعراض عن هذه الكلمة وأن نقيم مقامها هذه اللفظة العربية " ألا " ، في الشعر العربي القديم الذي شهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنه : ( أصدق كَلِمة قالها شاعر : ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطل ) . هذا أداة تنبيه ، فلتستعمل ... الذكرى الأولى .

والذكرى الأخرى وهي أنني قد رأيت في بعض البيوت ... أو المراحيض موجَّهةً إلى القبلة ، حينما أنَّ الجالس فيها لقضاء الحاجة يستدبرها أو يستقبلها ، وأنا حين أذكر هذا أعرف أنَّ المسألة فيها اختلاف قديم بين العلماء ؛ فمن قائل بأن الاستقبال المذكور أو الاستدبار عامٌّ يشمل البينان كما يشمل الصحراء ، ومن قائل : لا ، النهي إنما هو خاص بالصحراء دون البنيان ، فالأدلة الواردة في هذه المسألة قد تُساعد كلًّا من الفريقين ، ولكن - كما تعلمون - أقول : - كما تعلمون إن شاء الله تعالى - أنَّ الحقَّ في المسألة الواحدة لا يكون إلا قولًا واحدًا ، ولا يُتصوَّر أن يكون هناك قولان متعارضان كلاهما صواب ، فقول الرسول : لا يجوز استقبال القبلة ببول أو غائط في البنيان وآخر يقول يجوز ؛ فهذان قولان متناقضان لا يمكن إلا أن يكون أحدهما هو الصواب والآخر هو الخطأ ، فحينئذٍ الواجب - كما تعلمون جميعًا - إذا اختلف العلماء في شيء أن نرجعَ في ذلك الى كتاب الله وإلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كما في قوله - عز وجل - : (( فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلًا )) .

الأصل في هذا الحديث وفي هذا الموضوع ما يقوله البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( إذا أتيتُم الغائطَ ؛ فلا تستقبلوا القبلة ببولٍ أو غائطٍ ، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا ) ، ولا شك أن قوله - عليه السلام - : ( شرِّقوا أو غرِّبوا ) إنما هو بالنسبة للمدينة ، وإلا في بعض البلاد ... في المغرب تنعكس القضية تمامًا ، المهم أن من أدب الخلاء أن المسلم لا يستقبل القبلة أو ... ببول أو غائط .

ومن تمام الحادثة أن ... أن هذا الحديث تمامه أن راويه - وهو أبو أيوب الأنصاري كما سمعتم - قال : " فلما أتينا الشام وجدنا ... موجَّهة إلى القبلة ، فنحن نستغفر الله " ، تعلمون أن بلاد الشام كانت بلاد الروم ، وأن هؤلاء ليس عندهم احترام لبيت الله الحرام ... ، فإذًا فهم كانوا لا يراعون أدب بنيان ... في البيوت بحيث لا يوجِّهونها إلى الكعبة ؛ كانوا نصارى ، كانوا كفارًا ؛ ولذلك يقول أبو أيوب الأنصاري أنه يعني الصحابة لما فتحوا الشام ، وجلسوا فيها ما جلسوا أو أقاموا ، فقد وجدوا القبلة هناك موجَّهة إلى الكعبة قال : فنحن نستغفر الله .

والشاهد من تمام هذا الحديث ، ومن قول أبي أيوب هذا أن راوي الحديث وهو نفسه فَهِمَ من الحديث العموم ؛ لا استثناء ولا فرق عند راوي الحديث بين أن يكون استقباله في البنيان أو أن يكون في الصحراء ، وكلاهما حكمهما واحد .

حينما نذكر هذا دليلًا ... لعدم التفريق بين الصحراء والبنيان لا يخفى علينا أنَّ هناك بعض الأحاديث التي تصرِّح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رُئِيَ مستقبلًا القبلة أو مستدبرها حين كان يقضي حاجته ، وحينئذٍ الواجب يقتضينا أن نذكِّر إخواننا بقاعدة أصوليَّة هامَّة من أصول الفقه ، هذه القواعد التي تُساعد طالب العلم على الفقه الصحيح ، وعلى ترجيح قول على قول بالجمع بين هذه الأدلَّة المختلفة مما ... من قواعد الشريعة ، هذه القاعدة هي التي تقول : إذا كان هناك حديثان متعارضان ؛ أحدهما من فعله - عليه الصلاة والسلام - ، والآخر من قوله ؛ فإذا لم يمكن التوفيق بين هذين الحديثين من فعله وقوله كان الواجب - والحالة هذه - الرجوع إلى القول وليس إلى الفعل ؛ ذلك لأن القول مشروع عام وخطاب للمسلمين ، أما فعله - عليه الصلاة والسلام - فقد يعتوره ... في هذه الحالة عدَّة احتمالات :

الاحتمال الأول : أن يكون ما فعله - عليه الصلاة والسلام - قبل ما قاله تشريعًا ... .

ويحتمل أن يكون ذلك الفعل إما التزم به - عليه الصلاة والسلام - ... كما سمعتم آنفًا عن أبي أيوب الأنصاري أنه ... في الشام فلم يسَعْهم أن يغيِّروها ، فاستقبلوا القبلة واستغفروا الله .

والاحتمال الثالث - والأخير - : أنه يمكن أن يكون الفعل الذي خالفَ قوله - عليه الصلاة والسلام - خصوصيَّةً له ؛ ذلك ... ما الدليل ؟ خطابه للأمة ، فيكون الفعل الذي فعله ... خاصًّا به - عليه الصلاة والسلام - ؛ هذه هي القاعدة الأولى ، وهي إذا خالف فعلُه قولَه - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يمكن التوفيق بينهما بوجهٍ من وجوه التوفيق الكثيرة المعروفة عند العلماء لا بد حينَ ذاك من تبنِّي القول وترك الفعل باحتمال من تلك الاحتمالات الثلاثة .

ثم هناك قاعدة أخرى ؛ وهي التي تقول : إذا تعارض حاظر ومبيح ، حاظر ... يحظِّر يحرِّم ، ومبيح ، نص يحرِّم ونص لا يمكن التوفيق بينهما ؛ فحين ذاك لا بدَّ من تبنِّي النَّصِّ الحاظر وتغليبه على النَّصِّ المُبيح ... لأن الأصل في الأشياء الإباحة كما تعلمون ، لأن الشرعية لم تأتِ أحكامها جملةً وطفرةً واحدة ، وإنما جاءت ... ، وكلكم يعلم قصة تسلسل التشريع في الخمر ، وأنها لم تحرَّم - أي : نصًّا - ، وإنما حُرِّمت على مراتب ومنازل ودرجات إلى أن جاء النَّصُّ الأخير : (( فهل أنتم منتهون )) ؛ فقال عمر - كما تعلمون - : انتهينا يا ربي .

فالخمر التي هي أمُّ الخبائث كانت حتى ... كانت مباحةً ، فبالأولى والأحرى أن نقول ... دون ذلك من الأشياء التي ... تكون حُرِّمت من بعد أن تكونَ كانت مُباحةً على الأصل وفُعِلَت ثم جاء النهي عن ذلك ، فحينئذٍ صحَّت القاعدة التي ذكرناها ثانية وهي : إذا تعارض الحاظر والمبيح قُدِّم الحاظر على المبيح .

وإذا تأمَّلنا في الأحاديث الناهية عن استقبال القبلة ببولٍ أو غائطٍ والأحاديث المبيحة لوجدنا ... تنطبقان على ... القول على الفعل ؛ لأن القول مُقدَّم على الفعل ، والحاظر مقدَّم على المبيح ، ففعله - صلى الله عليه وآله وسلم - ... وهو فعلٌ ، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ... وهو قول ، فاجتمع القول والفعل في هذه المسألة ؛ فكان الترجيح نلتزم ... بأن نأخذ بقول العلماء الذين قالوا بأن الحديث على عمومه ، وأنه لا فرق بين الصحراء والبنيان ، والنظر الصحيح والسديد في بعض النصوص الأخرى من جهة وفي تقديم تلك النُّصوص كلِّها من جهة الكعبة يقتضينا أن ننبِّهَ - أيضًا - من هذه الزاوية قول العلماء الذين قالوا بعدم التفريق بين الصحراء والبنيان .

لعل الكثيرين منكم يعلمون نهي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن البصق تجاهَ القبلة ، وقد جاءت أحاديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى نخامةً في قبلة المسجد فحكَّها ... وأزال ... ونهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن التمخُّط وعن التبصُّق تجاه القبلة ، ... تلك الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذكر أنه : ( إذا كان أحدكم يصلي وغلبَه البصاق فلا يبصُقْ قِبَلَ القبلة ، ولكن لِيبصُقْ عن يساره أو تحت قدمه ) ، وفي حديث آخر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( مَن بصقَ ) - ويُقال : ( مَن بزقَ ) ، صيغتان - ؛ ( من بصقَ تجاه القبلة جاء يوم القيامة وبصقُه بين عينه ) ، فأنتم ترون في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن البصق تجاه القبلة مطلقًا ، لا فرق بين بنيان وصحراء ، بل سمعتم قبل هذا الحديث أنه نهى وهو يصلي أن لا يبصق تجاه القبلة ، فإما عن يساره أو تحت قدمه ، وهذا الحكم - أيضًا - مما غفلَ عنه جماهير المسلمين ، فتجد الإنسان وهو في الطريق أو في المسجد أو في الدار جاءته بصقة فيبصق ... وإنما ذكر الله أن يذكر محارم الله وأحكامه ؛ وإلا كان - مثلًا - من السنة أن مسلم إذا دخل المسجد قدَّم اليمنى ، فإذا خرج من المسجد خرج باليسرى ، هذا ذكر لله عملي ، ومن يفعل هذا الشيء لا شك أنه هو من الذاكرين ؛ لأن الذكر كما يكون باللفظ يكون - أيضًا - بالفعل ، كذلك إذا دخل أحدهم الخلاء دخل بالرجل اليسرى وخرج بالرجل اليمنى ، وقال عند الدخول : ( اللهم إني أعوذ بك من شرِّ الخبث والخبائث ) ، وعند الخروج قال : ( غفرانك ) ، هذا الأسلوب الذي ... هذه الأحكام سواء ما كان منها فعلًا أو قولًا فهو بلا شك ذاكرٌ لله ذكرًا كثيرًا .

إذا علمتم أن المسلم في كل أوضاعه ؛ سواء كان في بنيانه أو صحرائه لا ينبغي أن يبصقَ تجاه القبلة ، وعلمتم أخيرًا بأن القول الذي يقول بعموم النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط لا فرق بين البنيان والصحراء ... الاعتماد عليه و ... به احترامًا لهذه القبلة التي يستقبلها المسلمون يكون ... ؛ هذا من حيث النصوص الواردة في هذه المسألة ، أما من حيث النظر إن جهةً موقَّرةً شرعًا دينًا يستقبلها المسلم في الصحراء والبنيان لا يكون البنيان بينهما وبين القبلة ؛ فسواء صلى في الصحراء فهو يستقبلها ، وسواء صلى في البنيان فهو يستقبلها ، فكما أن هذا ... واسع لهذا البنيان وتلك الأمثلة لا تُعتبر فاصلًا بين هذا المصلي وبين ... على العكس كذلك لا تُعتبر هذه الأبنية فاصلة ... لحكم النهي عن استقبال القبلة وبين ... ، نحن مأمورون باستقبال القبلة في الصلاة منهيُّون عن استقبالها بالبول أو الغائط ، نكتفي بالصحراء والبنيان ؛ لأن المسألة الأخرى هو كما لو قيل ... - والحمد لله - أنُّو الصلاة إذا صلَّى الإنسان فهو وارد يصلي في الصحراء ... يحول بينه وبين استقبال القبلة ... وإنما النَّظر ... بالإضافة إلى ما سبق من النصوص فيما يتعلق بالبول والغائط مباشرة ، يكون ما يتعلق ... ثانيةً كل هذا وهذا يجب على المسلمين أن يتأدَّبوا بهذا الأدب الكريم ؛ ألَّا يستقبلوا القبلة ببول أو غائط ولو كان ذلك في بناء .

وشيء آخر وهو ... من معاني النظر وإعمال الفكر ؛ لماذا نقول ... يحول بينَنا وبين القبلة ... بالبول أو الغائط تجاه القبلة بسبب جدار ما ؛ لماذا لا نقول أن هناك جبل أو ... أو صخرة في الصحراء ؛ لماذا ... ؟ كلُّها راجعة - أيضًا - لحكم النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط ؛ أقول : إنَّ من تأمل في هذه كلها لا يسَعُه إلا أن يقطع بأن ما أشار إليه أبو أيوب الأنصاري في آخر حديثه هو القول الصحيح في هذه المسألة ؛ ( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ببولٍ أو غائطٍ ؛ ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا ) .

وأخيرًا : فلا ينبغي أن يكون شعار دُور المسلمين وبيوتهم أن تختلفَ عن بيوت الكفار الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله ، فتكون بيوت المسلمين كما أن مساجدهم تستقبل القبلة فـ ... لا تستقبل القبلة ؛ وإنما كما سمعتم فالجهة التي تستقبلها للصلاة ينبغي ألا تستقبلها ببول أو غائط ، هذا ما أردت أن أذكِّركم به و (( الذِّكرى تنفع المؤمنين )) كما قال ربُّ العالمين .

نعم .

السائل : ... .

الشيخ : نعم ؟

السائل : ... .

... ... ...

الشيخ : أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رُئِيَ مستقبلًا القبلة أو مستدبرها هذا حجَّة مَن ذهب إلى التفريق بين استقبال القبلة ببول أو غائط ... عن هؤلاء ، والآخرون أخذوا بعموم الأحاديث التي وردت عن النهي ، وهذا كله محاضرة كانت لبيان وجهة نظر ... بأنه لا سبيلَ لهم سوى ما رُئِيَ الرسول - عليه السلام - في بيته في داره يستقبل القبلة ببول أو غائط ، فقلت : إن هذا يحتمل ثلاثة أشياء ، واحدة من ثلاثة أشياء : إما أن يكون النهي ، وإما أن يكون بحاجة لضيق المكان ، وإما أن يكون لخصوصيَّةٍ تتعلق بالرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ... فإذًا فسؤالك ليس فيه شيء جديد ، لكن هناك ... لقد ذكَّرتني بتقريب الموضوع من مثال آخر ؛ تعلمون - أيضًا - أن العلماء اختلفوا في تحديد عورة الرجل ؛ فالجمهور يرى أن عورة الرجل ما بين السرة والركبة ، وابن مالك كما رُوي عنه في رواية أن العورة هي السوءتان فقط وأن الفخذين ليسا من العورة ، ودليل هذا القول ما جاء في " صحيح مسلم " وغيره من كتب السنة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أتى حديقةً - أي نخيلًا - فيها بئر ، فدلَّى رجليه في هذا البئر ، فكشف عن ساقيه وعن شيء من فخذيه ، فاستأذن أبو بكر في الدخول عليه ، فأذن له ، وجلس عن يمين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ثم استأذن عمر ، فدخل فجلس عن يسار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، بقي على حاله لم يغيِّر شيئًا مما كان عليه من كشف شيء من فخذه ، ثم استأذن عثمان - رضي الله عنه - فقال : ( ائذنوا له وبشِّروه بالجنة على بلوى تُصيبه ) ، فدخل - رضي الله عنه - وستر النبي فخذه ، ... السيدة أم كلثوم وعائشة - رضي الله عنها - تراقب هذه الحادثة ، فلما انصرفوا قالت : يا رسول الله ، دخل أبو بكر تعني أباها ، فجلس ولم تغيِّر شيئًا من ثيابك ، ثم عمر وأنت كذلك ، ثم عثمان لما دخل ألقيت عليك ثوبك . قال - عليه السلام - : ( أفلا أستحي ممَّن تستحي منه الملائكة ؟! ) . هذا الحديث صحيح ، ومروي في كتاب السنن ، لكن من باب التدقيق في الرواية الحديث جاء في " صحيح مسلم " كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه ، لكن في بعض الكتب الأخرى التي أشرتُ إليها آنفًا ، ومنها كتاب " شرح معاني الآثار " لأبي جعفر الطحاوي وغيره جاء بلفظ : كاشفًا عن فخذه ، يبيِّن يصحُّ الاستدلال به على أن الفخذ على الأقل في ذلك الوقت لم يكن عورة .

فالآن هذه القصَّة تشبه قصة ما صحَّ أن النبي - عليه السلام - استقبل القبلة ببول أو غائط ، لكن كما عرض هذا الذي صحَّ من فعله - عليه السلام - ما تقدم ... إياه ، ولا داعي للتكرار ؛ كذلك قد عاودَ قصة عثمان بن عفان مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذه الخطبة قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( الفخذ عورة ) ، فيشبه قصة عثمان فيما جاء في " صحيح البخاري " يشبه ذلك ما أخرجه الإمام البخاري في " صحيحه " عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما دخل خيبر على فرسه حَسَرَ الإزار عن فخذه .

هذا كذاك الحديث فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كشف الثوب عن فخذه ؛ إلا أن هذا من الناحية الحديثية ليس عليه أن مسلمًا ... رواه بلفظ : انحسر الإزار ، لفظ البخاري : " حسر الإزارَ " ، لفظ مسلم : انحسرَ الإزارُ ؛ وحينئذٍ يدخل الشك في الاستدلال في رواية البخاري التي ظاهرها أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تقصَّد الكشف عن فخذه ؛ لو كانت الرواية هكذا بالاتفاق بين الشيخين لَأمكن أن يُقال : إن في الحديث دلالةً على أن الفخذ ليس بعورة ، لكن لما جاء في رواية مسلم بلفظ : " انحسرَ " حينئذٍ هذا اللفظ لا يعني أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تقصَّد كشف الثوب عن فخذه ، ولكن الاستدلال بهذا الحديث على أنه - عليه السلام - عامدًا كشف عن فخذه ، والذي يرجِّح رواية مسلم أن في آخر القصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل بفرسه مطالبًا اليهود محاربًا ، والمحارب في هذه الحالة لا يمكن أن يكون حسن الثوب لما انكشف الفخذ لأنه في أمر أهم من ذلك ، فلا يُؤاخذ أيُّ إنسان حين يقع منه الثوب بغير قصد ، فلو فُرِضَ أن في هذا الحديث قصدَ الرسول - عليه السلام - الكشفَ عن فخذه ؛ فالجواب عن هذا الحديث وعن حديث عثمان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هو القاعدة الثاني المذكور ... البحث السابق ؛ إذا تعارض القول والفعل قُدِّم القول على الفعل ، كشفه - عليه السلام - عن فخذه يتعارض مع قوله : ( الفخذ عورة ) ، إذا تعارضت قاعدتان ؛ إذا تعارض الحاظر والمُبيح قُدِّم الحاظر على المبيح ، فالفخذ قوله - عليه السلام - : ( الفخذ عورة ) حاظر ، وكشفه في القصة الأولى وكشفه في القصة الأخرى إن صحَّ أنه تعمَّد ذلك فهو فعلٌ خالف القول ؛ فالقول مُقدَّم على الفعل ، والقول حاظر ، والحاظر مُقدَّم على المبيح الذي هو الفعل .

هكذا ينبغي أن تُعالج الأحاديث التي قد يبدو شيء من التعارض بينها ، فإذا سُلِّط عليها طرق التوفيق بينها زال الإشكال في كثير من ... يبدو شيء من الأحاديث فعل وقول تعارضا فالقول مُقدَّم على الفعل ، وبخاصَّة إذا كان القول حاظرًا والفعل مُبيحًا .

غيره ؟
  • رحلة النور - شريط : 35
  • توقيت الفهرسة : 00:06:21
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة