ما ضابط التشبه بالكفار على ضوء الحديث : ( من تشبَّه بالكفار فهو منهم ) ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما ضابط التشبه بالكفار على ضوء الحديث : ( من تشبَّه بالكفار فهو منهم ) ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ ، أرجو من فضيلتكم أن توضِّحوا لنا ضابط التشبه بالكفار على ضوء الحديث : ( من تشبَّهَ بقومٍ فهو منهم ) - وجزاكم الله خير - ؟

الشيخ : إن من كمال شريعة الإسلام أن الله - تبارك وتعالى - شرعَ على لسان نبيِّه - صلى الله عليه وآله وسلم - أحكامًا يوجب فيها على كلِّ مسلم أن يُحافظ على شخصيَّته المسلمة ، أن يحافظ على مظهره الإسلامي ، وألَّا يتزيَّا بزيِّ الكفار ؛ لأن هذا التزيِّي وهذا التشبُّه بالكفار يدل على ضعف المتشبه من جهة ، وقوة المُتشبَّه به من جهة أخرى ، والمسلم عزيز وقوي ، وكما قال - عليه السلام - : ( إن المؤمن القوي أحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلٍّ خير ) ، المؤمن القوي في إيمانه وفي اعتقاده لكمال شريعة ربِّه لا يمكنه أن يتزيَّا بزيِّ الكفار ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد نهى عن ذلك أشدَّ النهي .

ومن الأحاديث المشهورة في هذا الصَّدد ما رواه أبو داود في " سننه " مختصرًا والإمام أحمد في " مسنده " كاملًا ؛ ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ ، حتى يُعبدَ اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) .

( ومَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) : هذه الجملة هي التي رواها أبو داود في " سننه " ، أما الحديث بتمامه فهو في " مسند الإمام أحمد " كما ذكرنا ، فقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) يوازي أحاديث كثيرة يُبدل فيها حشرُ الرسول - عليه السلام - لمن أتى عملًا في زمرة مَن ليس من المسلمين ؛ كما قال - مثلًا - في الحديث الذي في " صحيح مسلم " : ( من غشَّنا ؛ فليس منَّا ) ، فقال في الحديث الأول : ( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) ؛ أي : ليس منَّا ، فلا يجوز لمسلم ... أن يتعاطى لباسًا يضيِّع به شخصيَّته المسلمة .

والألبسة فيما يتعلَّق بالتشبه تختلف قوَّةً وضعفًا ، فأنتم تعلمون - مثلًا - أن لباس البنطلون المُبتلى به كثير من المسلمين اليوم هو من لباس الكفار ، ولكن ليس التشبه بهذا اللباس في قوَّة ظاهرة التشبه كوضع القبَّعة أو البرنيطة ، هذا الشعار وهو لبس القبَّعة أو البرنيطة هو أقوى في إضاعة الشخصية المسلمة والتشبه بالكافر من لبس البنطلون وكلاهما تشبُّه بلا شك ، لكن قصدي التمثيل كيف أن أنواع التشبُّه تختلف قوَّةً وضعفًا ، البنطلون فيه مصيبة أخرى غير ظاهرة التشبه وهو أنه ضيِّق يحجِّم العورة ، وتُكره الصلاة فيه كراهة تحريميَّة للضيق الذي يحجِّم الإليتين أو الفخذين ؛ فلا تفهموا من كلامي أنني حين قلت إن ظاهرة التشبه بالبرنيطة أقوى ، أما لباس البنطلون لا بأس به ؛ لا ، هو لا يجوز لسببين اثنين : أولًا فيه تشبه بالكفار ، وثانيًا فيه تحجيم للعورة كما ذكرنا ، لكن غرضي أن قوة التشبه بالبرنيطة أقوى من البنطلون ، قوة التشبه بالبنطلون أقوى من التشبه - مثلًا - الجاكيت أو بالقميص القصير أو ما شابه ذلك ، فالمقصود أن التشبه بكل أنواعه وأقسامه ينبغي على المسلم أن يبتعد عنه ، ولكن الحكم يختلف ويتردَّد ما بين التحريم وما بين الكراهة .

وهناك بعض الأحاديث الأخرى التي فيها أو في بعضها أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فسلَّم عليه ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - : ( هذه من ثياب الكفار ؛ فلا تلبسها ) ، يمكن أن يكون النهي هنا عن لباس ذلك النَّوع الذي كان ذلك الصحابي لابسًا له من باب النهي عن التشبه وإما من باب مخالفة المشركين ، وهنا فرق مهم جدًّا من الناحية الشرعية ، وفيه دقَّة من الناحية الواقعية ؛ النهي عن التشبه كما ذكرنا آنفًا لباس يكون من عادة الكفار ومن تقاليدهم وعاداتهم وأزيائهم ؛ فلا يجوز للمسلم أن يتشبَّهَ بأولئك الكفار ، أما مخالفة الكفار فدائرتها أوسع بكثير ؛ ذلك بأن المخالفة قد تكون في شيء لا يملكونه هم ولا يتصنَّعونه ولا يتكلَّفونه ، وذلك ما أشار إليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الذي أخرجه البخاري في " صحيحه " ، أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورَهم فخالفوهم ) ، هذا البياض الشَّيب فرضَه الله - عز وجل - على الناس على كل فرد حينما يصل لسنٍّ معينة ، لا فرق في ذلك بين مسلم وكافر ، لا فرق في ذلك بين مسلم صالح أو مسلم طالح ، فكلُّ من بلغ سنَّ الشيب شاب ولا بد شاء أم أبى ، فههنا سنة الله في خلقه (( ولن تجد لسنة الله تبديلًا )) ، الكافر يشيب كما يشيب المسلم ، فإذا شاب المسلم شابَهَ الكافر بالمظهر ، لكن هو ليس من صنعه ، وإنما ذلك من صنع الخالق - تبارك وتعالى - ، مع ذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : خالفوهم واصبغوا شعوركم ؛ ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم ؛ فخالفوهم ) ، إذًا في هذا شيء زايد من الأمر على قضية التشبه ، فمأمور المسلم ألَّا يتشبه بالكافر فيما هو من صنعه ، وفيما هو من كسبه ، أما أمره - عليه الصلاة والسلام - بمخالفة الكفار فهو يشمل - أيضًا - فيما ليس من صنعهم كالشيب الذي فرضَه الله - عز وجل - على البشر ، فأمر النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - المسلم الشايب أن يتقصَّد مخالفة الكافر بصبغ شعره ؛ لأن الكفار لا يصبغون ، إذا عرفنا معنى التشبه ومعنى المخالفة فنخرج بنتيجة حاسمة ؛ وهو أن المسلم يجب أن يحافظ على سمته وعلى دلِّه وعلى شخصيَّته المسلمة ، ولا يجوز له أن يتزيَّا بزيِّ الكفار مهما كان هذا التزيِّي شديد الشبه أو ضعيفه ؛ فلكلٍّ درجته وحكمه .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 33
  • توقيت الفهرسة : 00:16:25
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة