هل أبو جعفر الطحاوي من المقلدين ؟ وكلمة في ذمِّ التعصب والتقليد ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل أبو جعفر الطحاوي من المقلدين ؟ وكلمة في ذمِّ التعصب والتقليد ؟
A-
A=
A+
السائل : أسألكم عن عبارة الطحاوي ؟

الشيخ : عن ؟

السائل : عبارة الطحاوي ... .

الشيخ : إيش ؟

سائل آخر : يسأل عن عبارة الطحاوي ... .

السائل : .. إليَّ عبارة الطحاوي ... .

الشيخ : ما فهمت .

السائل : عبارة الطحاوي ، ماذا يقول في ذمِّ التقليد والتعصب ؟

الشيخ : أبو جعفر الطحاوي ؟

السائل : نعم .

سائل آخر : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلًا وسهلًا مرحبًا ، الآن فهمتُ أو كدتُ ، - أهلًا ومرحبًا ، أهلًا ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - لعلك تعني ما قلتُه صباحًا اليوم ؟

السائل : نعم .

الشيخ : " لا فرق بين مقلِّد يُقلِّد وبين بهيمة تُقاد " أو هذا معناه .

السائل : إيوا ، أظن قاله : " لا يقلد إلا غبي أو عصبي " .

الشيخ : إي نعم ، فيه لفظة عصبي ، صح ، غبيٌّ أو عصبي . إي نعم .

السائل : أنا رأيت أهل التعصب من المذهب الحنفي شيء رهيب .

الشيخ : معليش يا شيخ ، لكن ( اذكروا محاسن موتاكم ) ، ولو أن الحديث ضعيف السند ، لكن المعنى صحيح ، ( لا تسبوا الأموات ؛ فإنهم قد أفضَوا إلى ما قدَّموا ) ، أبو جعفر الطحاوي نعم مقلِّد ، ويغلب عليه التقليد ، ويدافع عن المذهب دفاع المقلدين ، ولكن هو خير من كثيرين .

السائل : هل هو أعلم من أبو حنيفة يا شيخ ؟

الشيخ : أقول لك هو خير من كثير من المقلدين ، بدليل أنه خالف المذهب في عشرات المسائل ، لكن أنا في الواقع أريد من إخواننا الدعاة إلى السُّنَّة أن يعرفوا بطبيعة البشر ، وأن يلاحظوا صعوبة الانفكاك عن العادة وعن التقليد إلا بعد جهدٍ جهيدٍ وزمنٍ مديدٍ ، لعلك تشاركني في اطلاعك على علم " أبي الحسنات اللكنوي " ، وأنه من نوادر الحنفية في الهند الذين تأثروا بمنهج أهل الحديث ، واختاروا كثيرًا من المسائل التي يخالفون فيها أئمتهم ، وأنه مات ولم يكتب له أن يعيش حياة طويلة ، وفي اعتقادي لو أُتيح له ذلك لَكان رأسًا في الدعوة إلى الحديث وأهل الحديث هناك في الهند حيث كان يقيم ، لكن كما يقولون - وما أدري هذه العبارة يصح أن يقال أو أن تقال - : " عاجلته المنيَّة " ، فلم يُتح له أن يستمر في هذا النقد العلمي في غزارة علمه لَأصبح - في رأيي - خيرًا من الذي جرت بينه وبينهم مناقشات طويلة وهو " صديق حسن خان " ، فإذًا إذا رأينا أبا جعفر الطحاوي وأمثاله متمسِّكين بالمذهب ، فيجب أن نعرف أن هذه طبيعة البشر ، وأن التخلص من آثار بل ومن أوضار هذا الجمود المذهبي ليس بالأمر السهل أبدًا ، فإذا وجدنا أبا جعفر يُخالف مذهبه في عشرات المسائل في كتابه الذي تتجلَّى فيه تعصبه لمذهبه وهو " شرح معاني الآثار " ، ففي هذا الكتاب نفسه يقرِّر مخالفته لأبي حنيفة والإمام محمد وأبي يوسف اتباعًا للحديث ، فأنا أعلِّل بأنه لم يخرج عن التقيد بالمذهب إلى حدٍّ كبير ، كما هو الشأن في ابن تيمية وابن القيم حيث خرجا عن التمسُّك بالمذهب الحنبلي إلى أبعد الحدود ، لكن مع ذلك بقيت هناك رواسب كثيرة ، وبخاصة بالنسبة لابن القيم ، حيث بقيت فيه رواسب تصوُّف ، كان قد تتلمذ - فيما يبدو لنا - على بعض المشايخ الصوفية هناك ، ولذلك تجد منه التصوف لا نجده في ابن تيمية ، وأنا شخصيًّا لا ألومه ؛ لأن الخلاص من هذه الرواسب ليس بالأمر السهل أبدًا .

فخلاصة الكلام أن أبا جعفر الطحاوي هو رجل عالم بالسُّنَّة ، عالم بالحديث على طريقة أهل الحديث ، ويجمع الطرق والألفاظ ويبني عليها أحكامًا شرعية ، وفي كثير من الأحيان يجتهد ولا يقلِّد ، لكن أكثر الأحيان - مع الأسف - هو حنفي المذهب ، فإذًا إذا ذكرنا سيئاته ذكرنا - أيضًا - معها حسناته ، ولكن أنصح في سبيل إيجاد شيء من التقارب الفكري بيننا وبين المخالفين لنا أن لا نُدندن حول السيئات ، وإنما نُكثر من الدندنة حول الحسنات ، وحينما نضطرُّ إلى أن نذكر أن هذا الرجل مع فضله وعلمه ظل جامدًا على تقليده لأكثر المسائل نفعل ذلك ، لأننا لا نريد أن نُحابي أحدًا ، ولكن نريد كما أشرت أنت آنفًا - عفوًا - قريبًا في بعض الجلسات العلمية يجب أن نستعمل السياسة الشرعية ، ومن سياستك أن تمنع صاحبنا أن يسجِّلَ كلامًا لك ، هذه سياسة شرعية ، لا بأس فيها إذا ما وُضعت موضعها ، كذلك لأن الحقيقة أنا أخشى من الإفراط والتفريط ؛ أن يتربَّى إخواننا الطلاب الناشئون على الغمز واللمز والطعن في المخالفين لنا في كثير من المسائل ، بينما هم يسلكون معنا في الخطِّ الأساسي وهو اتباع الكتاب والسنة ، لكن يختلفون عنا أنهم لا يزالون مقلِّدين .

وأنا - كما يقولون عندنا في سوريا : العبد الفقير - ، أنا أعرف لماذا أنا منسجم معكم كثيرًا ، لأني ما عشتُ تحت توجيه عالم حنفي ، وإنما ربنا - عز وجل - أنقذني بفضل من عنده ، ونشَّأني نشأة علمية خاصة ، فما عرفت التَّمذهب إلا في أول حياتي العلمية ، قرأت على والدي - رحمه الله - وعلى غيره من بعض مشايخ الحنفية مثل " مراقي الفلاح " ، مثل " القدوري " ونحو ذلك ، لكن سرعان ما ربِّي هداني إلى السنة ، وعشت عليها كما ترون ، لكني أتصور لو كنتُ قد نشأت على المذهب الحنفي سنين طويلة ، ثم جاءني الفتح بعد لأيٍ الكتاب والسنة ، كما نفعل نحن مع الناس اليوم ، هات ! حتى يرجع ويعود إلى الصواب بالمائة خمسين ستين ، صعب جدًّا هذا ، ولذلك فأنا أعتقد أنه ينبغي علينا أن نكون قنوعين إذا ما رأينا إنسانًا في الخطوة الأولى وافق معنا على الكتاب والسنة . ... بيقولوا عنُّو في الشام .

السائل : ... يفلح .

الشيخ : إن شاء الله يكون هو من الفالحين اسمًا ومسمًّى .

فالمقصود أردتُ أن أقول : لو التقينا مع بعض هؤلاء المقلِّدين ، أو الصوفيين المنحرفين ، أو الأشاعرة ، أو الماتريديين ؛ فاستجاب لنا أن هذا الكلام هو الحقُّ ، الكتاب والسنة ، ولا شيء ، لكن أنت تراه لا يزال على عقيدته لا يزال على حنفيَّته ، فأنا أقول مجرَّد أن تسمع منه هذا الإعتراف على التعبير السوري " اضحك في عبَّك " ، " اضحك في عبَّك " إذا ما وافق معك على هذا الأصل الصحيح ، لكن بعد ذلك تابعه بالموعظة والتذكير و إلى آخره ، ثم ما حصَّلت منه من انحراف عما كان عليه من التمذهب إلى التمسك بالكتاب والسنة فهذا نور على نور ، أما أن يصبح سلفي العقيدة والمنهج العلمي قصرًا ما بين عشية وضحاها ؛ فهذا أمر مستحيل ، والمثل بين أيدينا أن نرى جهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعبه مع أصحابه ، ولنضرب على ذلك الخليفة الثاني الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، كم كان عدوًّا شديدًا ضد الدعوة ! وكم كان يحاول أن يفتن الناس عن الدعوة ! إلى أن حان الأوان وأسلم عن قناعة ، ثم كان من أقوى الناس في دين الله - تبارك وتعالى - .

السائل : أعزَّ الله به الإسلام .

الشيخ : نعم ؟

السائل : ما زال الإسلام عزيزًا منذ أسلم عمر .

الشيخ : أحسنت ، .. قال ابن مسعود - رضي الله عنه - .

الشيخ : ابن مسعود ، نعم . الشاهد .

سائل آخر : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أنا أقول لبعض إخواننا ، أضرب لهم مثلًا ، وهذا المثال الآن أذكره لأضرب به عصفورين بحجر واحد يقولون عندنا ، عصفورين بحجر واحد ، أولًا تنبيهًا للحاضرين ، وتوكيدًا لصعوبة إرسال الناس ونقلهم عن عادة من العادات ، مع أنهم مسلمون ومتعبِّدون لله رب العالمين ، ولكنهم اعتادوا عادة فمن الصعب جدًّا جدًّا أن يَحيدوا عنها ، وحينما سنذكر هذا المثال أو نذكر هذا المثال وسنذكره - أيضًا - ، نذكر عظمة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي أُرسل إلى العرب الذين كانوا يعبدون الأصنام ، وكانوا على أخلاق معروفة سيئة ؛ من وأد البنات ، ومعاقرة الخمور ، ونحو ذلك ، كيف استطاع - عليه الصلاة والسلام - أن ينقلَ هذه الأمة ، الأمة العربية من الضَّلال إلى الهدى ؟ من الشرك الأكبر إلى التوحيد إلى آخره ، هذه وحدها معجزة للرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا ما قسناها بالدعاة الآخرين ، المثال هو : وإخواننا الأردنيون يعرفون ذلك ، تعرفون صديقنا " أبو مالك محمد شقرة " ، هو إمام مسجد هناك يسمَّى بمسجد صلاح الدين ، وهو من أوائل الذين استجابوا للدعوة السلفية - والحمد لله رب العالمين - هناك ، وعرف في جملة ما عرف من السنة التي خفيت على كثير من المصلين ، وهنا القصد بالتذكير ، الحديث المعلوم لديكم مما أخرجه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا أمَّن الإمام فأمنوا ؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدَّم من ذنبه ) ، المشاهد الآن في العالم الإسلام كله ، وهذه البلاد من هذا العالم ، لا يكاد الإمام يتمُّ قراءة الآية الأخيرة من الفاتحة ، لا يكاد يُسكن نون ولا الضالين إلا والمسجد ضجَّ بآمين ، والحديث يقول : ( إذا أمن فأمنوا ) ، والعلماء يشرحون هذا الحديث بمعنيين :

- إذا أمَّن : أي : شرع .

- إذا أمَّن : إذا فرغ .

وإذا أخذنا القول الثاني في تفسير الجملة هذه يظهر تباين التطبيق لهذا الحديث ، والخطأ فاحش جدًّا ، وإذا أخذنا القول الأول وهو الذي اطمأنَّت نفسي إليه أخيرًا إذا شرعَ الإمام بآمين ؛ فاشرعوا أنتم بآمين ، مع ذلك فالمخالفة متجسِّدة تمامًا ، هذا هو العصفور الواحد ، وهو تنبيه إخواننا الطلاب أولًا ليُربُّوا أنفسهم على هذه الملاحظة ، فلا يسبقوا الإمام بكلمة آمين ، إلا بعد أن يسمعوا تأمين الإمام ، ولا يستعجلنَّ أحد فيقول : وإذا كان الإمام لا يؤمِّن جهرًا كالحنفية مثلًا ؟ هذا له حكم آخر ، الشاهد هذا هو العصفور الأول ، العصفور الثاني أخونا هذا أبو مالك إلى هذه الساعة منذ سنين وهو يحاول أن يُربِّي الناس القليلين الذين يصلون في مسجده ، وفي كل صلاة جمعة فضلًا عن بقية الصلوات الخمس ؛ ينبِّه الناس هذا التنبيه بإيجاز ، ويذكِّرهم بالحديث ، مع ذلك بأول ما يقرأ : (( ولا الضالين )) وكأنه ما تكلم !

نقول وأقول لإخواننا صراحة ؛ انظروا ما أصعب إرشاد الناس ونقلهم من عاداتهم وتقاليدهم إلى الصواب ! - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - ، فإلى الآن تجد الناس مع تكرار التنبيه والتعليم والتوجيه ما استقاموا على السُّنَّة في هذه الجزئية ؛ فما بالكم إذا وسَّعنا دائرة التعليم والتذكير في العشرات والمئات المسائل ، والله هذه الدعوة تحتاج إلى صبر أيوب - عليه السلام - ، ولا أقول إلى عمر نوح - عليه السلام - الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا ، لأن هذا خلاف سنة الله - عز وجل - في خلقه ، لكن يحتاج الداعية أن يكون صبورًا ، ومن الصبر أن نستعمل الحكمة والسياسة ، كما أشرتم أنتم في بعض كلماتكم مع هؤلاء المخالفين ، وأن نتلطَّف معهم ، ولا أن نحقِّرَ علماءَهم بينهم ، فيظنُّون بنا ظنَّ السوء ، ولذلك فمثل أبو جعفر هذا الطحاوي ؛ أنا أتمنَّى أن يكون الحنفيُّون كلهم قديمًا وحديثًا مثله في العلم ، وفي العدول عن الجمود على التقليد المذهبي في بعض المسائل ، هذه نعمة كبيرة ، ومع ذلك الأمر كما قيل :

وكانوا إذا عدُّوا قليلًا *** فصاروا اليوم أقلَّ من القليل

فصاروا اليوم .

سائل آخر : أحسن من القليل .

الشيخ : إي نعم ، فنسأل الله - عز وجل - أن يهدينا ، وأن يوفقنا لاتباع السنة ، والدعوة إليها بالحكمة والموعظة الحسنة . نعم .

السائل : ومع ذلك يا شيخنا لو رأيت العجائب في سرعة التحول عن الباطل في بعض الناس .

الشيخ : آه .

السائل : يعني لو عاش عمرًا مديدًا على خطأ ، ثم تقول : قال الله قال رسول الله ينتهي هذا الخطأ بسرعة .

الشيخ : الحمد لله .

السائل : رأينا في كشمير العجائب يا شيخنا ... .

الشيخ : الحمد لله .

السائل : يعني الشيخ عبد الرزاق كان يعطي محاضرة ، عبد الرزاق ... في المساجد لاحظ عليهم أخطاء في الصلاة وغيرها ، فالملاحظة واحدة تلقيها ينتهي كل شيء .

الشيخ : بس هذا لا شك لا يكون متفقِّهًا التفقه الخَلَفي ، يكون لسَّاتو خمير فطير .

السائل : لا ، هدول أصولهم صحيحة أهل حديث أصلهم التمسك بالكتاب والسنة ، ... يعني الأصل صحيح ، فإذا قلت : قال الله قال رسول الله مهيئين هم للتغيير بسهولة - أيضًا - ... .

الشيخ : بارك الله فيك ، جزاك الله خيرًا .

السائل : ذهبنا إلى المدارس أول ... بعد الجامعة أيامها أرسلنا إليهم ملابس ، فجئنا وهم يدرِّسون فيما يدرسون ؛ أن السلفية في العقائد كتب التوحيد لا وجود لها ، كتب ابن تيمية لا وجود لها ، لا وجود لها أبدًا ، وعمدتهم في العقيدة الماتريدية ، فاستذكرنا وقلنا كيف هذا المنهج ، أنتم تزعمون أنكم أهل حديث وأنكم سلفيون ؛ فأين مرجعكم من السلفية ؟ ثم ما عندكم من السلفية شيء ، بل عندكم ضدها ، وهي العقيدة الماتريدية فيها المقبول وغير المقبول ، ثم ... المنهج ، قال المنهج أنتم ضعوه بين أيديكم ، خذوا ما شئتم من الكتب ، وخلاص الأمور تمشي ، ثم غيَّرنا المنهج ، وجئنا بكتب التوحيد لابن تيمية ، " الطحاوية " و " الواسطية " ، " التدمرية " ، " كتاب التوحيد " ، " فتح المجيد " ، ومشت ، وراحت الجامعات الهندية تغيَّر فورًا إلى السلفية ، تغيَّر فورًا أصولهم صحيحة .

الشيخ : الحمد لله .

السائل : الحمد لله ، بعدين بس الجماعة يمكن يبردون لما تقول لهم هذا الكلام ، يروحوا ينامون عن الدعوة ، قل لهم اصبروا وواصلوا إلى الدعوة ، بس تكون الأخلاق طيبة ؛ أليس كذلك ؟ فالشيخ ما يبغى يبرّدكم ، خليكم رجال شغالين لكن بالحكمة والأدب ... .
  • رحلة الخير - شريط : 6
  • توقيت الفهرسة : 01:00:35
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة