حول كتاب : " المسلمون والعمل السياسي " للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، ومسألة المشاركة بالعمل السياسي عن طريق الانتخابات . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
حول كتاب : " المسلمون والعمل السياسي " للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، ومسألة المشاركة بالعمل السياسي عن طريق الانتخابات .
A-
A=
A+
السائل : بالنسبة يا شيخ ، لعلكم اطَّلعتم على كتاب " المسلمون والعمل السياسي " للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، وهذا الكتاب قد أحدث ضجَّة في أوساط الشباب بالنسبة للمفاهيم التي اشتمل عليها ، والإخوة يتنوَّرون - بإذن الله - بما تذكرونه من تقييم لهذا الكتاب ، وبحكم نور خبرتكم في مجال الدعوة إلى الله - جل وعلا - ، وتلك الفوائد التي تطعِّمونهم بها من خلال نظرتكم الطويلة جدًّا للواقع ، فلعلكم تذكرون شيئًا عن هذا الكتاب ، وكذلك - أيضًا - بالنسبة لو توسَّعتم في مسألة المشاركة بالعمل السياسي عن طريق الانتخابات ؛ فهل هذا عمل مشروع أو لا فأفيدونا أثابكم الله ؟

الشيخ : لقد سُئلنا كثيرًا حول هذا السؤال أكثر من مرَّة فيما أذكر ، لعل ذلك كان في جدَّة أو في غيرها من البلاد فأقول : قد كنت قرأتُ هذه الرسالة منذ بضع سنين ، فالحق - والحق أقول - إن الأخ عبد الرحمن عبد الخالق كنا ولا نزال نظنُّه معنا في الدعوة السلفية القائمة على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح الذي هذا المنهج الذي يميِّز دعوة الحق عن كلِّ الدعوات الأخرى التي صارت في هذا الزمان - كما يقولون - موضة العصر الحاضر ، فكل جماعة إسلامية التي لم تكن من قبل تسمع منها لفظة الكتاب والسنة إلا حينما بدأت تقوى الصحوة الحقيقة صحوة دعوة الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح ؛ صارت كل الطوائف وكل الأحزاب الموجودة اليوم في الأرض الإسلامية تدعو إلى الكتاب السنة ، وكلُّ طائفة تدَّعي أنها على الكتاب والسنة ، ومع أنها مجرَّد دعوة ، وكما قيل قديمًا :

والدعاوي ما لم تُقيموا عليها *** بيِّناتٍ أبناؤها أدعياء

مع ذلك ما تجد أحدًا منهم يضع هذا القيد الضروري الذي استفدناه من كتاب الله ومن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما شرحنا ذلك هنا وفي غير هذه البلدة ؛ وهي على منهاج السلف الصالح ، يقولون : الكتاب والسنة ، لكن لا يقولون : على منهج السلف الصالح ، وهذا هو الفرق بين دعوتنا وبين دعوة الآخرين الذين يُشاركوننا لفظًا في الدعوة إلى الكتاب والسنة ، ولكن في الواقع لا يشاركوننا على فهم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح ، فهذه فارقة كبيرة جدًّا ومهمة تميِّز صاحب الدعوة الحق من غيره ، وكما قيل قديمًا - أيضًا - :

فحسبكُمُ هذا التفاوت بيننا *** وكل إناء بما فيه ينضحُ

أعود فأقول : كنا ولا نزال نعتقد فيما نظنُّ - والله حسيب كل مسلم - أن أخانا عبد الرحمن هذا معنا على الخط السلفي الصحيح ؛ الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ، ولكنه - مع الأسف - حينما بدأ يشتغل بالسياسة وهذا عيب الاشتغال بالسياسة قبل النضج العلمي الصحيح ، وقبل تحقيق التربية الإسلامية الصحيحة في المجتمع الذي يريد أن ينهض بهذا العمل السياسي الذي أصبح اليوم كثير من الجماعات تلهج بهذه الدعوة وهو العمل السياسي ، فأنا أقول : إن العمل السياسي لا يجوز القيام به إلا بعد أن تتكتَّل جماعة وتتربَّى - ليس تتكتَّل فقط - وإنما أولًا تتكتَّل على هذا المنهج الصحيح الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، ثم تتربَّى تربيةً صحيحةً بحيث يذكِّرنا هؤلاء بمنهج السلف الصالح وتطبيقهم العمل على القول ؛ بحيث تصبح هذه الجماعة قدوةً صالحةً للجماعات الأخرى ، فقبل أن تتكتل هذه الجماعة على هذا الأساس من التكتل أنا أعتقد أن العمل السياسي حتى لو كان في حدود ضيِّقة وليس فيها الغلو الذي يقع فيه بعض الجماعات الإسلامية الأخرى ، ومنهم - مثلًا - الذين عُرفوا بجماعة التكفير أو الهجرة ونحو ذلك ؛ حتى لو كانوا معتدلين فأنا أرى أن من مساوئ العمل السياسي أنه سيُورِّثهم وسيفتح لهم بابًا من الخروج عن بعض الأحكام الشرعية ، وبابًا آخر لتسويغ هذا الخروج وتبريره لدعاوي ليس لها دليل في كتاب الله ولا في حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .

قرأت هذا الكتاب لأخينا المذكور فوجدت فيها تصريحًا عجيبًا ، ولكن لم أستغربه وإن كان في نفسي عجيبًا غريبًا ؛ لأنه دخل في العمل السياسي ولا يستطيع أحد أن يدخل في هذا العمل إلا أن يكون من ... الإيمان بالقول وعلى علم بالكتاب والسنة علمًا يكاد يكون محيطًا بواقع العمل الإسلامي وبالأحكام التي ينبغي أن يتعرَّف عليها من كتاب الله ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ... يقول : " إن المسلم ... ، من هذه العبارة وهو يعلم - كما تعلمون جميعًا - قوله - تبارك وتعالى - : (( ومن يتَّق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) ، لكن صدور هذا الكلام من أخينا هذا أعجب العجب ؛ لأنه قد أصدر رسالةً وإن كانت هي تحمل رأيي في مسألة بيع التقسيط وأنتم على علم بذلك ، ولكن هذا الحكم مع قولي معروف عند العلماء أنه لا شيء فيه ، وأن كثيرًا من التجار يتعاملون على هذا الأساس ، فما فائدة تأليف هذه الرسالة مع تصريحه برسالته الأولى بأن المسلم لا يستطيع اليوم في معاملاته إلا أن يرتكب أمرًا محرمًا ، فهذا نصٌّ صريح حتى لو كان من الاتفاق محرَّمًا ؛ فما فائدة تأليف تلك الرسالة في أمر اختُلف فيه قديمًا وحديثًا ؟ الذي حمله على ذلك هو اشتغاله بالعمل السياسي ، وهذا سيفتح طريقًا لتسويغ بعض الكتابات الأخرى ، وهو - مثلًا - أن يعاهد أو يبايع على تأييد نظام أو دستور لا يكون مطابقًا للكتاب والسنة ، بل نقولها بعبارة أوسع : لا يكون مطابقًا للشريعة على ما فيها من خلافات بين العلماء ؛ فإن هذه القضية التي هي الحكم بغير ما أنزل الله في قليل أو كثير من الأحكام لا خلاف بين المسلمين أنها لا تجوز ، فكيف يختار أن يكون بعض إخواننا السلفيين أن يكونوا نوَّابًا يخضعون للقرارات التي لا تكون نابعةً من الشريعة الإسلامية ، ولا أقول الآن فقط من الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح لذلك ، بالتالي لا أؤيد العمل السياسي ؛ لأنه سابق لأوانه ، وأنا بطبيعة الحال حينما أقول العمل السياسي وهو التكتُّل والتجمُّع على أساس من البناء على الشريعة الإسلامية لكن ليس فقط ... صحيح وتربية صحيحة ، بل والاستعداد - أيضًا - للجهاد في سبيل الله ؛ لأن هذا الجهاد لا يجوز أن يكون به إلا من كان حاكمًا على المسلمين ، وعليه أن يقوم بهذا الواجب .

وأنا أذكر بهذه المناسبة أنني دُعِيتُ أكثر من مرة إلى المخابرات السورية ، كانت إحداها مناقشة ، هناك مشايخ كما تعلمون - مع الأسف الشديد - يتهموننا بالوهابية ؛ لأن كل إنسان يدعو إلى العمل بالكتاب والسنة يعتقدون أن هذا وهابي مو بحب الرسول ، لا يحب الرسول ، لا يصلي على الرسول ؛ فيتَّخذون هذه الفرية ... لهم في الوشاية بنا إلى الحكام هناك ، والحكام هناك - كما تعلمون - علمانيون لا يهتمون بدين سواء كان إسلامًا أو غيره ، المهم لما جرى التحقيق والاستجواب والاستنطاق من رئيس المخابرات هناك أنا أجبته بأن دعوتنا قائمة على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ، وأننا جماعة إصلاح الأفكار والعقائد التي دخلت المسلمين بدءًا من التوحيد إلى تطهير كتب السنة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وبعض الأحكام الفقهية إلى آخره ، بعد ذلك الرجل لما سمع مني الجواب قال : كانت الشكوى أن هذا يقيم دروس ، وفعلًا أنا كنت أقيم دروس لكن ليس بالمساجد ، وإنما في مقرّ لنا كان هناك ، فكانوا يريدون منعنا من التدريس حتى في بعض البيوت ؛ لأن الشباب - ما شاء الله - كان مقبلًا ، مثل هذا العدد أحيانًا أو أكثر ، فلما سمعوا ما أنا عليه قال لي هذا المستوقف : إذًا أنت اذهب ودرِّس ، لكن نحو السياسة لا تقرِّب ، هو قال هذا الكلام وأنا عُدْت فقلت له : أنا قلت لك آنفًا أننا لا نشتغل بالسياسة ؛ لا لأن السياسة ليست من الدين ، كان يكفينا أن شيخ الإسلام ابن تيمية ألَّف رسالة معروفة ، لكن - وهنا الشاهد - الشاهد : قلت : لكن أرى أنا رأيي الآن لكثرة ما أحاط بالمسلمين من انحراف عن العقيدة وعن السنة أنَّ من السياسة الآن - هذا رأيي - ترك السياسة ؛ ليس لأن السياسة ليست من الدين ، السياسة من الدين ؛ لكن أرى الآن في وضعنا في هذه البلاد - أعني هناك - من السياسة ترك السياسة ، فقال لي : مع السلامة .

فالشاهد : أن لا أعتقد أن العمل السياسي مخالف للشرع ، وإلا كيف تُساس الأمم والشعوب إلا بالسياسة الشرعية ؟ ولكن لكلٍّ سبيله ، ولكلٍّ أوانه ؛ فالآن نحن بحاجة إلى ترتيب المسلمين على أمرين اثنين أنا أدندن دائمًا حولهما ؛ على ما أسمِّيه بـ " التصفية والتربية " ، وفي اعتقادي أن هذين الواجبين لا يستطيع علماء المسلمين اليوم لو توجَّهت هممُهم وجهودُهم إلى تحقيق هذين الأساسين أو هاتين النتيجتين إلا بعد سنين طويلة ؛ لأن إصلاح ما فسد على مرِّ السنين والقرون ليس من السهل تجميل بنائه ، وذلك مما يحثُّنا على الدَّأب والمواصلة على ما كان أخونا عليه أخونا عبد الرحمن وهو - كما تعلمون - متخرِّج من الجامعة الإسلامية ، وكان من تلامذتي أيضًا ، فكان ينبغي أن يلتزم الدعوة وأن يربِّي مَن حوله على هذا الأساس ، ولا يُشغل نفسه بالعمل بالسياسة ، وبخاصة أنه يعيش تحت حكم لم يُعلن عمليًّا تحكيم شريعة الإسلام ، أما أنه يتخذ التشريعات أن الدولة دولة إسلامية ؛ حتى الدولة السورية تقول هذا الكلام في الدستور ، ولكن كما يُقال إنما هو حبر على ورق .

لهذا ما أرى العمل بالسياسة هذا إطلاقًا ؛ لما فيه من خطورة انصراف العاملين به عن كثير من الأحكام الشرعية وبخاصة بعد تصحيحه بذاك الكلام ، هذا ما يحضرني الآن من جواب حول ذاك السؤال .
  • رحلة النور - شريط : 30
  • توقيت الفهرسة : 00:37:11
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة