في تعليقات أبي غدَّة وحواشيه لبعض كتب أهل الحديث ، وما نصيحتكم لطلاب العلم بالنسبة لتعليقات أبي غدة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
في تعليقات أبي غدَّة وحواشيه لبعض كتب أهل الحديث ، وما نصيحتكم لطلاب العلم بالنسبة لتعليقات أبي غدة ؟
A-
A=
A+
السائل : بالنسبة الآن انتشرت الكتب التي بتحقيق أبي غدة ، وخصوصًا الكتب التي تطرَّق إلى كتب الحديث ؛ كـ " قواعد التحرير " وكـ " التكميل " للكنوي وغيرها ، ولا شك أن طلاب العلم عندما يرون مثل الكتب يشترونها ؛ فما هي تعليقاتكم بالنسبة لتعليقات أبي غدة وحواشيه التي يحشِّي بها مثل هذه الكتب ؟ وما هي نصيحتكم لطلاب العلم بالنسبة لتعليقات أبي غدة ؟

الشيخ : أنا أنصح طلاب العلم بأن يختاروا مشايخهم أن يكونوا من أهل السنة والعلم بالكتاب والحديث ، والمشيخة اليوم تختلف عن سابقها ، كالتتلمذ تمامًا ، قديمًا كان التتلمذ أو طلب العلم على المشايخ مباشرةً ؛ بحضور جلساتهم ، وحلقات دروسهم ، ونحو ذلك ، اليوم قلَّ مثل هذا الأسلوب في طلب العلم لتيسُّر وسائل نشر العلم بطريقة طباعة الكتب ، فقامت المؤلفات مقام المؤلفين ، فكما كان من الواجب على الطريقة القديمة أن يختار طالب العلم الشيخ المعروف بسلامة عقيدته أولًا من الانحراف والتأثر ببعض الفرق الإسلامية الضالة ، وكما كان يجب عليه أن يختار بعد هذا الاختيار عالمًا ، عالمًا بمعنى الكلمة ، بالمعنى العلمي الصحيح ؛ أي: بالكتاب والسنة ، وليس عالمًا بأقوال بعض الأئمة ، أو بعض مقلِّديهم ، فهذا ليس عالمًا ! العالم هو كما قال ابن القيم - رحمه الله - في وصف العلم :

" العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فقيه

كلا ولا جحد الصفات ونفيها *** حذرًا من التعطيل والتشبيه "

فالعلم إذًا قال الله قال رسول الله ، والعالم هو الذي تسمعه في غالب أحيانه يقول في أجوبته وفي فتاويه : قال الله قال رسول الله ، وليس هو الذي يقول : قال فلان كذا ، وقال فلان كذا ، هذا بالتعبير الشامي " حَكَواتي " ؛ يعني يحكي ما قال فلان وفلان ، يعني لا فرق بينه وبين المسجلة ، فهي تحكي ما لُقِّنت ، إن كان صوابًا فهو صواب ، وإن كان خطأ فهو خطأ ، لكن ... ذكره صاحبنا هذا الآن قد يسجل صوابًا ، وقد يسجل خطأً ، صوابًا مع خطأ ، فهل هي تميز الصواب من الخطأ ؟ لا شيء من ذلك ، كذلك شأن المقلد تمامًا ، إنما هو حكواتي ، يحكي ما سمع ، لكنه لا يميز بين الصواب وبين الخطأ ، بين الحق وبين الضلال ، هكذا يجب على طالب العلم - يرحمك الله - أن يختار الشيخ ، وقد توفَّرت فيه العقيدة الصحيحة والعلم النافع ، والعلم النافع ليس إلا العلم المُستقى من الكتاب ومن السنة ، والسنة الصحيحة .

في اعتقادي أن طلاب العلم من أمثالكم يعلمون أن أبا غدة وهو في الحقيقة في ما يتعلق بالعلم غدَّة كغدة البعير ، تعرفون الغدة ؟ إي نعم ، فتعرفون أنه ليس عنده عقيدة سليمة ، وليس عنده علم بالكتاب والسنة الصحيحة ، وأقول الآن السنة الصحيحة ؛ لأنه هو حاطب ليل ، وهو ينقل في بعض تعليقاته ما يوافق هوًى له في نفسه ، وليس لأنه تحقَّق عنده أن هذا الذي علَّقه هو صحيح في واقع أمره ، لا إنما هو كما قال الإمام الشافعي حينما ضرب مثلًا للعالم المقلد يقول : "ومثله كمثل حاطب ليل ، يحتطب الحطب ، ثم يلقيه على ظهره ، وفيه الأفعى تلدغه وهو لا يشعر " ، هكذا شأن المقلدين ، وما أحسن قول الإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي النادر مثاله في الأحناف في علمه ، خاصة بالسنة وبالحديث وطرقه وأسانيده يقول : " لا فرق بين مقلِّد وبين دابَّة تُقاد " ، هذا مثل رائع جدًّا ، فالمقلد لا علم له ، ومن الفقه النادر ومن ندرته أن ينبع من المقلدين ، حيث جاء في كتاب " الهداية " : " لا يجوز نصب الجاهل على القضاء " ، لا يجوز أن يكون القاضي جاهلًا ، الأمر واضح جدًّا ، لكن الذي يحتاج إلى الوضوح أو الإيضاح هو ما فعله الشارح للهداية ؛ ألا وهو ابن الهمام المصري ، المؤلف للشرح على " الهداية " ، الذي سمَّاه " فتح القدير " قال شرحًا للجاهل قال : " أي المقلد ، لا يجوز أن ينصب على القضاء الجاهل ، قال : أي : المقلد " ، يعني أن المقلد ليس عالمًا ، وهذا أمر مُتَّفق عليه كما نقله أبو الحسن السندي ، وهذا من أفاضل علماء الحنفية ، ومن المتأثرين بالسنة إلى حدٍّ كبير خلافًا لجماهير الأحناف ، فهو ينقل عن الحافظ السيوطي بأن العلماء اتفقوا على أن المقلد ليس عالمًا ، من أجل ذلك قال ابن الهمام في شرح الجاهل أي : المقلد .

إذًا من كان مقلدًا - وبخاصة في العقيدة ؛ كالماتريدية والأشعرية - هذا ليس عالمًا ، فما الذي يرجوه طلابنا حينما يقبلون على كتاب أبي غدة هذا لينالوا من علمه ؟ وفاقد الشيء لا يعطيه ! هذا ما أنصح به طلابنا للعلم أن يعرفوا كيف تُؤكل الكتف ، أن يعرفوا من أيِّ مؤلف يأخذون العلم الصالح منه ، وأبو غدَّة نحن نعرفه في حلب ، وإن كان سكني في دمشق يومئذٍ ، فقد كنت أتردَّد إليها في كل شهر مرة في سبيل الدعوة من جهة ، وفي سبيل دراسة المخطوطات في مكتبة الأوقاف الإسلامية هناك في حلب ، وقد كان إخواننا يطلبون منه أن نلتقي معه فيأبى ويصرُّ ، وقد جمعنا مجلس قبل ذلك معه وتناقشنا في مسألة ؛ وهي أن الحنفية يُجيزون التداوي بالخمر ، وهو حنفي كما هو معلوم ، فلما ذكرت له قوله - عليه الصلاة والسلام - الوارد في " صحيح مسلم " : ( إنها داء وليست بدواء ) قال : " الحديث يحتاج إلى مراجعة " !! قلنا له : راجع ! والحديث في " صحيح مسلم " ، ماذا يريد أن يراجع ؟!

هذا تخلُّص من الحجة تعصُّبًا للمذهب ، بعد ذلك مع كثرة الإلحاح من بعض إخواننا على الموافقة باللقاء معي لنتباحث معه في ما يتعلق بالخلافيات بين الدعاة إلى السنة والدعاة إلى المذهبيَّة الضَّيِّقة أبى واستكبر ! وأقف إلى هنا في تمام الآية .
  • رحلة الخير - شريط : 5
  • توقيت الفهرسة : 01:09:50
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة