ما رأيكم في أقوال الغزالي في أهل الحديث في كتابه الأخير ؛ علمًا بأنكم قد أثنيت عليه في مقدمة كتاب : " غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما رأيكم في أقوال الغزالي في أهل الحديث في كتابه الأخير ؛ علمًا بأنكم قد أثنيت عليه في مقدمة كتاب : " غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ - حفظكم الله - ، ما رأيك في أقوال الغزالي في أهل الحديث في كتابه الأخير ؛ علمًا بأنك قد أثنيت عليه في مقدِّمة " غاية المرام في تخريج الحلال والحرام " ، وجزاكم الله خيرًا ؟

الشيخ : عفوًا أرجو التذكير ؛ ما هو الثناء الذي أثنيتُ عليه ؟ هل السائل يذكر ذلك ؟

السائل : لا ما ... .

الشيخ : موجود السائل ؟ ما هو الثناء الذي أثنيت على الغزالي وأنا لما خرَّجت كتابه " فقه السيرة " قد بيَّنت منهجي في تخريج هذا الكتاب ، ثم بيَّن هو منهجه بأنه يُخالف فيه منهج علماء الحديث ؛ فإنه ينتقد الأحاديث بعقله - إن لم نقل بهواه - ؛ فهذا لا يجوز ؛ لأنه سيصحِّح ما هو ضعيف أو يضعِّف ما هو صحيح ... فأقول : الغزالي هذا أو الغزالي الحقيقة كان يبدو من بعض كتبه انصراف كنَّا نظنُّ أنه عرضٌ زائل ، وهذا الانحراف أول ما رأيناه حينما عقَّبَ على مقدمته لتخريج لأحاديث كتابه " فقه السيرة " ، فكشفَ هناك عن هذا الانحراف الخطير ؛ وهي أنه يضعِّف الأحاديث الصحيحة ، ويصحِّح الأحاديث الضعيفة بعقله ، وأنا اجتمعت به مرارًا لما كنا من أعضاء المجلس الأعلى في الجامعة الإسلامية ، ولفتُّ نظره إلى هذا المنهج ، ثم قلت له - فيما أذكر - أن تضعيفه لحديث ابن عمر المذكور في " الصحيحين " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أغار على بني قريظة وهم على ماء لهم ، فهو ردَّ هذا الحديث وإن كان في " الصحيحين " ، هو يعترف أنه في " الصحيحين " ، وأن التخريج العلمي دقيق ، لكن هو يردُّ هذا الحديث بأنه من الثابت المقطوع به أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يغزو قومًا إلا بعد أن يبلِّغهم دعوته ، فقلت له في بعض المجالس التي كنا نجلسها هناك في الجامعة الإسلامية من أين أنت جئتَ وأضفت هذه الإضافة على الحديث أنه أغار عليهم ولم يكن قد بلغَتْهم الدعوة ؟ من أين ؟ الحديث واحد يجمع لك أحكام الجهاد أحكام المغازي ، لا بد أن تجمع ذلك من مختلف الأحاديث المتعلِّقة في أحكام الجهاد ، فنحن معك بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما غزا قومًا إلا بعد أن بلَّغهم الدعوة ، لكن أنت تقول أن هذا الحديث لا يصح ؛ لأنه غزاهم قبل أن تبلغَهم الدعوة ، فهذه الحاشية قبل أن تبلغهم الدعوة من أين جئت بها ؟ ليس لك حجة أو مستند فيما تذهب إليه ، إلا أن المحدِّث الذي هو ابن عمر لم يذكر أنه كان قد بلَّغَهم ، وهل هذا من الضروري أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كلما غزا قومًا ورجع وحدثنا بذلك أحد الصحابة أن يقول في كل حادثة وكان قد بلَّغهم وكان قد بلَّغهم ، لا ، إنما نفهم من غزو الرسول - عليه السلام - لقوم أنه ما غزاهم إلا بعد أن يكون قد بلغَتْهم الدعوة .

وذكرت له ما جاء - أيضًا - في " الصحيح " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا أراد غزوةً ورَّى بغيرها ؛ فهل أنت تريد أن يعلن للقوم الذين نوى أن يغزوَهم أن يقول لهم تهيَّؤوا فأنا غازيكم ؟ هذا ما أظن تقول بذلك ، طبعًا هو قال : لا ما هذا الذي أريد ؛ فإذًا حينما يريد أن يغزو قومًا ويورِّي بغيرها ، وهذا من أسلوب الجهاد ، وكما قال - عليه السلام - : ( الحرب خُدعة) - أو خَدعة أو خِدعة - ؛ فإذًا يجب أن نفهم من هذا الحديث وحده أنه - عليه السلام - إذا أراد أن يغزو قومًا ألا يكون قد بلغتهم الدعوة ؟ يكون قد بلغهم الدعوة ، فقلت له وأنا أرجو أن تعيد النظر فيما كتبتَ ، وإلا فستقع - كما يقولون اليوم في العصر الحاضر - في مطبَّات كثيرة ومخالفات في الشريعة لا حصرَ لها ، فوعدني خيرًا ، لكنه في الواقع لم يفِ بذلك ، بل قد رأيت بعض الطبعات الجديدة والطبعة التي كنت خرَّجت أحاديثها هي الطبعة الرابعة ، فوجدت بعدها طبعة خامسة أو ما بعدها لا أذكر الآن وإذا به يتعقَّبني بهذا المنهج المنحرف عن علماء الحديث في بعض الأحاديث التي كنت ضعَّفتها من أحاديث كتابه .

أما كتابه الأخير الذي جاء السؤال عنه ؛ فهو قد بلغَ الغاية في الانحراف عن السنة وفي التحامل على أهل السنة قديمًا وحديثًا ، وهذا لا شك أنكم قرأتم كتابه وعرفتم مخازيه فيه ، ولا يهمُّنا أنه قد طعن في أهل السنة الحريصين على اتباعها ؛ إنما الأهم أنه طعن في أحاديث صحيحة صدرت من فم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ثم هو بجهله أوَّلًا بطرق تصحيح الأحاديث ، وثانيًا بفهمه لهذه الأحاديث - وهو يزعم أنه فقيه ! - ؛ فهو لا عرف الفقه ولا عرف الحديث ، فلا هو بالمحدِّث ولا هو بالفقيه ؛ بدليل أنه يردُّ بعض الأحاديث الصحيحة ، فلو كان يعرف علم الحديث لما تجرَّأ على ردِّ هذه الأحاديث الصحيحة ، ثم ردَّ بعضها بسبب سوء فهمه إياها ؛ فأين فقهه للحديث الذي يتبجَّح به ويتهم أهل الحديث بأنهم لا فقه عندهم ؟!

ولذلك فأنا إن كنت أثنيتُ عليه فليس في هذا المجال بطبيعة الحال ، فهو معروف ولا شك في ذلك أن له جهودًا في الدعوة ، ولكن تبيَّن فيما بعد أن هذه الدعوة لم تكن دعوة الكتاب والسنة ، بل كانت دعوةً ضد الكتاب والسنة ، وحسبكم أنه يصرِّح دونما أيِّ خجل ولا خشية من الله أو من عباد الله - تبارك وتعالى - أنه يحلو له أن يخلو أحيانًا وأن يسمع الموسيقى أو يسمع أغاني أم كلثوم ، داعية إسلامي ينحطُّ إلى هذا الحضيض ويخالف في ذلك اتفاق الأئمة الأربعة ؛ فهنا يظهر لكم مقدار فهمه للفقه ، فهو تارةً يتهم أهل الحديث بأنهم لا يحترمون ولا يقدِّرون أقوال الأئمة ؛ لأنهم يتمسَّكون بالأحاديث يزعم هو أنهم يسيؤون فهمها ، ولا يعرفون الخاص والعام ونحو ذلك ، وإذا به هو يقع في أسوأ مما اتَّهم أهل الحديث به ، فيُخالف الأئمة الأربعة وغيرهم اتباعًا لهواه ، والحجة معهم ، من ذلك تصريحه بأنَّه يريد الغناء والسماع للموسيقى ، ويتفلسف ويسمِّي ويقسم الموسيقى إلى قسمين ؛ موسيقى - ما أدري إيش أوصفها ؟ - يعني ناعمة وموسيقى يعني صاخبة وإلى آخره ، فهو يروق له أن يسمع من النوع الأول ، ويفرُّ من السماع من الموسيقى ؛ هذا فقيه ؟! هذا مسلم ويرى ويعلم أن الأئمة الأربعة قد اجتمعوا على تحريم آلات الطرب كلها بناءً على بعض الأحاديث التي صحَّت في هذا المجال ؟ ثم إذا كان لا يهتم بالحديث ؛ فلماذا لا يهتم باتفاق الائمة الأربعة وهو يشدِّد المسيرة على أن الحديث حينما يُخالفو الفقهاء اتباعًا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ولو كان عنده شيء من التَّقوى ومن الخوف من الله - تبارك وتعالى - لَكفَّ على الأٌقل وسترَ نفسه بأن لا يصرِّح بحبِّه لسماع الموسيقى ، ولكنه يريد أن يتقرَّب إلى الشباب المائع الذي يعتبر أن قول أهل الحديث : هذا حرام ، هذا لا يجوز ، هذا بدعة ؛ هذا تشدُّد في الدين ، فهو يريد أن يظهر بنفسه أمام هؤلاء الشباب بأنه من النوع الهيِّنين واللَّيِّنين ، فها هو يصرح بأنه يسمع غناء أم كلثوم وأضرابها !!

كتاب واحد كان يكفيه ردعًا ، وهو لأحد متأخري علماء الشافعية ، والمعروف بأحمد الفقيه أحمد الهيثمي ، وينبغي التنبُّه أن هذه النسبة تختلف أحيانًا طباعةً ثم نقلًا بالهيثمي ، والهيثمي هو متقدِّم على هذا ، وهو شيخ الحافظ العراقي في الحديث ، وهو نور الدين الهيثمي مؤلف كتاب " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " ، أما أحمد بن حجر الهيتمي فهو بالتاء المثناة كما يقولون في كتب الحديث ، فهذا الفقيه له كتاب سمَّاه - ونعم ما سمَّاه - : " كفُّ الرّعاع عن السَّماع " ، كان يكفيه هذا العنوان أن يصدَّه عن أن يبوحَ فيما أباح به من حبِّه من سماع الآلات وسماع الأغاني خلافًا لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( ليكوننَّ في أمتي أقوامٌ يستحلُّون الحرَّ والحرير والخمر والمعازف ، يمسون في لهو ولعب ، ويصبحون وقد مُسخوا قردة وخنازير ) .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 15
  • توقيت الفهرسة : 00:31:04
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة