في كلام العلماء المتقدِّمين في نقدهم للرواة الجمع بين ألفاظ التوثيق وألفاظ التجريح ؛ كقولهم : " كان كثير الخطأ ، وكان لا بأس به " ؛ فكيف يُجمع بين هذين اللفظين المتعارضين ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
في كلام العلماء المتقدِّمين في نقدهم للرواة الجمع بين ألفاظ التوثيق وألفاظ التجريح ؛ كقولهم : " كان كثير الخطأ ، وكان لا بأس به " ؛ فكيف يُجمع بين هذين اللفظين المتعارضين ؟
A-
A=
A+
السائل : شيخنا الفاضل ، يرد في كلام العلماء المتقدِّمين في نقدهم الرواة الجمع بين ألفاظ التوثيق وألفاظ التجريح ؛ كقولهم - مثلًا - : " كان كثير الخطأ ، وكان لا بأس به " ؛ فكيف يُجمع بين هذين الشطرين المتعارضين ؟ جزاك الله خير .

الشيخ : ليست مشكلة ؛ لأن المنبع يختلف ، فالذي يقول : " كان كثير الخطأ " ليس هو الذي يقول : " لا بأس به " ؛ لأن الكلمة الأولى تعني تضعيف الراوي وتضعيف حديثه إذا ما تفرَّد به ، وأما التعبير الآخر - وهو " لا بأس به " - فيعني أن الرجل يُمشَّى حديثه على شيء من الحذر ؛ فقد يكون في حديثه شيء من الخطأ ؛ فينبغي أن يُحسَّن حديثه ولا يُصحَّح ولا يُضعَّف ، ولا إشكال فيما إذا صدرت كلٌّ من هاتين الجملتين من شخصين أو محدِّثين أو إمامين مختلفين ؛ بل لا غرابة أن يصدر كلٌّ من هاتين العبارتين من إمام واحد ، وهذا له أمثلة كثيرة كثيرًا ما نراها في تراجم بعض الرواة ، يُنقل عن الإمام الواحد عبارتان متنافرتان تمامًا ؛ تارةً يوثِّقه بغضِّ النظر عن عبارة التوثيق ، وتارةً يضعفه - أيضًا - بغضِّ النظر عن عبارة التضعيف ؛ لأن القصد الآن كيف يُمكننا أن نتصوَّر صدور عبارتين متعارضتين تعارضًا لا يُمكن التوثيق بينهما تصدر هاتان العبارتان من إمام واحد ؟

هذا أمر سهل جدًّا إذا ما تذكَّرتم مثل ذلك في علم الفقه ، فأنتم تجدون بعض الأئمة يُروى عنه قولان مختلفان في المسألة الواحدة ، ومن أكثر الأئمة الأربعة اختصاصًا بكثرة الأقوال في المسألة الواحدة هو الإمام أحمد ؛ فهل هذا ينقص من قيمة الإمام ؟ الجواب : لا .

ما وجه هذه الأقوال المتعارضة ؟ اختلاف الاجتهاد ، كما نقول هذا في الفقهاء الذين تَرِدُ إلينا أقوال متعارضة عن بعضهم في المسألة الواحدة كذلك نقول في أئمة الحديث إذا ما وردَ إلينا عن أحدهم قولان متعارضان ؛ أحدهما يوثِّق ، والآخر يضعِّف ؛ مع ذلك ... بأنه اختلف رأيه واجتهاده في هذا الراوي الواحد ، وهنا ينفع للترجيح أن ننظرَ ما هو موقف الأئمة الآخرين ؟ فإذا كانوا شاركوه في التوثيق رجَّحنا رواية التوثيق على رواية التضعيف ، وإذا خالفوه في التوثيق ومالُوا إلى التضعيف رجَّحنا تضعيفه أو رواية تضعيفه على رواية التوثيق ؛ هذا هو الجواب عن هذا السؤال .

السائل : شيخنا الفاضل - حماك الله ورعاك - .

الشيخ : لحظة بالله لنشوف إيش في .

سائل آخر : أنا أقصد فيه أنه ... في نفس اللحظة من إمام واحد وفي نفس الوقت في نقد راوي معيَّن ... كان كثير الخطأ ، وكان لا بأس به ؟

الشيخ : هذا هو الجواب أعطيتك إياه ؛ " لا بأس به " توثيق ، " كثير الخطأ " تضعيف ، فقال هذا مرَّة ، وقال هذا مرَّة .

السائل : نفس الجملة يا شيخ ؟

الشيخ : كيف ؟

السائل : يقولها في نفس الوقت .

الشيخ : آ ، بارك الله فيك ... في نفس الجملة يقول : لا بأس به كثير الخطأ ؛ فحينئذٍ إحدى العبارتين لا بد من أن تُقيَّد بالأخرى ؛ لأن كلمة لا بأس به إذا فُصِلَت فإنما تُعطي ما قلت آنفًا بأن حديثه يكون حسنًا ، أما الآن فالسؤال تحدَّد بالصورة الثانية ؛ يقول أحد المحدثين في راوٍ واحد : " لا بأس به كثير الخطأ " ؛ كثير الخطأ يعني أنه صدوق في نفسه لكنه كثير الخطأ ، ومن كان كذلك فلا يُحتجُّ به لكثرة خطئه ، فقوله : " لا بأس به " ههنا ينبغي أن يُفسَّر بما لو قال : صدوق كثير الخطأ ؛ لأن كلمة صدوق في استعمالهم العام باستثناء بعض الأئمة كأبي حازم الرازي كلمة " صدوق " إذا قيل في الراوي تعني أن حديثه حسن ، بخلاف ما إذا قيل في : " ثقة " فتعني أن حديثه صحيح ، كذلك إذا قيل : " لا بأس به " فيعني أن حديثه وسط ، لا هو صحيح ولا هو ضعيف ، وإنما هو حسن ، فإذا جاءت هذه العبارة مقرونة بالعبارة الأخرى : " لا بأس به كثير الخطأ " فيعني كما لو قال : صدوق كثير الخطأ ، والفائدة من ذلك أنه لا يُتَّهم في شخصه وإنما هو صدوق في نفسه ، لكنه كثير الخطأ .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 15
  • توقيت الفهرسة : 00:09:00
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة