ما هو الضابط الشرعي للتفريق بين سنة العادة وسنة العبادة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما هو الضابط الشرعي للتفريق بين سنة العادة وسنة العبادة ؟
A-
A=
A+
السائل : شيخ - بارك الله فيك - ، بالنسبة ما هو الضابط الشرعي في التفريق بين سنة العادة وسنة العبادة ؟

الشيخ : الضابط يحتاج إلى شيء من العلم بالنسبة للذي يريد أن يفرِّق بين سنة العبادة وبين سنة العادة ، من المقطوع به أن هناك أفعالًا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانت تصدر منه تقرُّبا منه إلى - الله تبارك وتعالى - ؛ فهذا النوع هو من سنن العبادة ، ويقابله قسم آخر - أيضًا - من المقطوع به أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يفعل ذلك ، أقل ما نقول ليس بحكم العبادة ، وإنما بحكم العادة ، أو بحكم أمر يعود إلى رغبة الإنسان التي لا علاقة لها بالعبادة ، هذا القسم منه ما هو واضح أنه ليس له علاقة بالعبادة فيكون من قسم العادة ، وبين القسمين أمور مشتبهات .

سائل آخر : السلام عليكم .

الشيخ : - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - ، فإذا نظر إليها من زاوية معينة قد يميل الإنسان إلى إلحاقها بالعبادة ، وإذا نظر إلى هذا القسم الوسط بنظرة أخرى قد يميل حينذاك إلى اعتبارها من سنن العادة ، وحسب طالب العلم ، هذا القسم الثاني الذي يقابل القسم الأول يكفي طالب العلم أن يقف عنده مثلًا كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعلان لهما قبالان ، ما يبدو لأول وهلة لطالب العلم أن كون النعل لها قبال واحد هو خلاف السنة ، والسنة يكون له قبالان ، ما يبدو أن هذه لها علاقة بالعبادة ، وإنما هي عادة عربيَّة ، كانوا يلبسون هذا النوع من النعال ، ولا يلبسون النعال المعروفة اليوم الذي يسمى بالحذاء أو الموتين أو الصبَّاط أو ما شابه ذلك ، من أسماء تختلف باختلاف البلاد ، ويبقى بالنسبة لطالب العلم القسم الذي ممكن أن يلحق بالأول أو بالثاني ، هذا يحتاج إلى علم لتمييز أو للجزم بأنه يلحق بالقسم الأول دون الثاني ، أو العكس يلحق بالثاني دون الأول ، من أجل ذلك نجد بعض العلماء اتَّفقوا على أمور أنها من سنن العادة ، واختلفوا في مفردات منها ؛ هل هي من سنن العبادة أو سنن العادة ؟

مثلًا فيما يتعلق بالحج - ونحن مقبلون قريبًا إن شاء الله على الحج - ؛ جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل في البطحاء ، فقال بعض الصحابة - وأظنها عائشة - : " ليس التحصيب بالسنة " ، وإنما اتفق أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نصبت له الخيمة هناك ، فنزل بعض الناس من القدامى يظنُّون أن النزول في الحصباء هناك في البطحاء هو من تمام مناسك الحج ، فهنا قد يقع خلاف لأنها مسألة تحتاج إلى شيء واضح جدًّا لنلحقه بالقسم الأول بالقسم الثاني ، فلندخل الآن في بعض الأمثلة الواقعية ، الآن كثير من الشباب والحمد لله يعنون بتقصير لباسهم وعدم إطالته عملًا بالسنة ؛ فهل هذه سنة عادة أم سنة عبادة ؟

لو نظرنا إلى فعل الرسول - عليه السلام - منفصلًا عن بعض أقواله لَرُبما تردَّد النظر في إلحاق هذه السنة العملية بالقسم الأول أو القسم الثاني ، ولكن لما جاءت أحاديث من قوله - عليه السلام - منها حديث : ( أُزرة المؤمن إلى نصف الساق ، فإن طال فإلى الكعبين ، فإن طال ففي النار ) ، هذا يرفع التَّردُّد في إلحاق هذه السنة بالسنة التعبدية أو العادية ، ويؤكد أنها سنة تعبدية ؛ لأنه وصف منهج اللباس بالنسبة للمؤمن ، فقال إنه إلى نصف الساق ، فإن طال لا بأس ، إن طال فإلى الكعبين ، أما إن طال أكثر من ذلك ففي النار ، إذًا هذه سنة عبادة وليست سنة عادة ، يقابل هذا سنة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهو أنه كان له شعر طويل ، تارة يبلغ شحمتي الأذنين ، فإن طال بلغ رؤوس المنكبين ، بل ثبت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما دخل مكة دخلها وله أربع غدائر ضفائر ؛ هل هذه الإطالة للشعر أولًا ثم تضفيرها وجعلها غدائر ثانيًا ؛ هو سنة عبادة أم سنة عادة ؟

الجواب بالنسبة لي ، لا داعي هنا أو مبرِّر أو مسوِّغ للتَّردُّد ، هذه سنة عادة ؛ لماذا ؟ أولًا لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس هو الذي سنَّ هذه السنة ، وإنما هي كانت موجودة قبل ولادة الرسول فضلًا عن قبل بعثة الرسول - عليه الصلاة والسلام - فكانت من عادة العرب ، كانوا يُربُّون شعورهم ، والشباب منهم حتى اليوم في بعض البوادي السورية شاهدناهم ، الشباب منهم يضفِّرون شعرهم ، يجعلونه غدائر ، فهذه العادة لم يسنَّها الرسول - عليه السلام - ، إنما جرى على عادة العرب ، فأطال شعره واتَّخذ منه يوم دخل مكة ، دخلها وله أربع غدائر ، ليس هناك ما يضطرُّنا إلى أن لا نعتبر هذه السنة سنة عادة ، بخلاف سنة أخرى - مثلًا - وهي أن الرسول - عليه السلام - كان يلبس البياض ؛ فهل هذه سنة عادة أم سنة عبادة ؟ لو لم يرد مثل قوله - عليه السلام - : ( خير ثيابكم البياض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفِّنوا فيها موتاكم ) لَقلنا هذا ذوق ، والرسول كان يحبُّ البياض كما يحب العسل مثلًا و يكره لحم الضَّبِّ ، ذوق هذا ، لكن لما جاء قوله : ( خير ثيابكم البياض ) ، ثم أَمَرَ - على الأقل أمرَ استحباب - فقال : ( فألبسوها أحياءكم ، وكفِّنوا فيها موتاكم ) ، خرجت هذه السنة عن كونها سنة عادة ، ودخلت إلى كونها سنة عبادة .

وبهذا المعيار وبهذا الميزان يجب أن نقيس أفعال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فما سنَّه هو ابتداء ولم يكن هناك قرينة تجعلنا نؤمن بأنها سنة عادة ؛ فهي سنة عبادة ، أما ما فعله - عليه السلام - انسجامًا منه مع العادات العربية ؛ فهذه عادة عربية لا بأس من فعلها ، ولا بأس من تركها ، وما فعله - عليه السلام - من عمل له علاقة بجبلَّته وبذوقه ؛ فهذه - أيضًا - ليس لها علاقة بالأمور التعبدية ، والمثال سبق ذكره آنفًا كان يحب - عليه السلام - العسل ، فقد نجد بعض الناس يكرهون العسل ، فما نقول خالفوا السنة ؛ لأن أكل العسل في أصله ليس عبادة ، فلو أنه لم يتيسَّر لإنسان ما أن يأكل العسل ، أو ما رغب أن يأكل العسل ؛ فما نقول خالف السنة ، لكن خالف طبيعة النبي التي كانت تحبُّ العسل ، لكن من جهة أخرى كان - عليه الصلاة والسلام - يكره لحم الضَّبِّ ، والعرب يستسيغونه ، ولما وُضع على مائدته - عليه السلام - وقيل له هذا لحم ضب ؛ أمسك ، وكان بين يديه أحد أصحابه المشهورين ؛ ألا وهو خالد بن الوليد كان يأكل بشهوةٍ عارمةٍ لدرجة لفتت النظر ، كان يأكل والمرقة تسيل على لحيته ، فلما رأى نبيَّه لا يأكل قال : يا رسول الله ، أحرامٌ هو ؟ لأنه هو صار صدمة في نفسه ، هو يأكل بنهم ، ورسول الله لا يمدُّ يده ؛ فقال : أحرامٌ هو ؟ قال : ( لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي ، فأجد نفسي تعافه ) ، إذًا نحن ما نقول لمن يحب لحم الضب خالفت السنة ؛ لأن الرسول كره لحم الضب ، ولا نقول لمن قد لا يحبُّ العسل وهذا موجود ، وفي أحد أولادي ، أنا أحب العسل وأحب الحلوى بصورة عامة ، لكن أحد أولادي يكره العسل ، فما أقول له خالفت السنة ؛ لأنه لا علاقة لها بالعبادة .

على نحو هذا يجب أن ننظر إلى أفعال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وغفلة الناس وطلاب العلم خاصَّة في هذا الزمان عن هذا التفصيل وقعوا في شيء من الغلوِّ ، فتجد بعض الشباب يتقصَّدون إطالة الشعر ، بزعم أن هذه سنة الرسول - عليه السلام - ، نعم أقول أن هذا من فعله - عليه السلام - ، ولكن ليس هناك ما يدل على أن هذا هو الأفضل ، بل قد صرَّح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في " صحيح مسلم " قال : ( احلقوه كله ، أو اتركوه كله ) ، فإذًا إطالة الشعر ليست سنة تعبدية ، وإنما هي سنة عادية ، فلو ظلَّ الإنسان يحلق رأسه طيلة حياته ، ما يقال إنه خالف سنة النبي الذي أطال شعره طيلة حياته ، إلا في الحج أو في العمرة ؛ فقد كان - عليه السلام - يحلق شعر رأسه ، وتعرفون الحديث الذي ورد في " الصحيحين " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( اللهم اغفر للمحلِّقين ، اللهم اغفر للمحلِّقين ، اللهم اغفر للمحلِّقين ، وقالوا : وللمقصرين يا رسول الله ؟ قال : وللمقصرين ) ، لكن التقصير مفضول ، والفاضل هو الحلق ، فإذًا إذا ربَّى الإنسان شعره كعادة أو كمزاج يُناسب طبيعته لا مانع من ذلك ، أما أن يتقصَّد التقرب إلى الله بإطالة شعره - عليه السلام - ؛ فنقول إن في هذا مخالفة لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهنا دقيقة يجب الانتباه لها ، الذي يطيل شعره اتباعًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أطال شعره ، هو يظن أنه اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكني أقول بكل صراحة أنه خالف النبي ، لكن المخالفة هنا ليست ظاهرة ، وإنما هي باطنية داخلية ، والاتباع ظاهر وهو يطيل شعره كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فما وجه المخالفة ؟

وجه المخالفة أننا يجب أن نلاحظ قول نبينا - صلوات الله وسلامه عليه - : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ؛ فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه ) ، من خرج مجاهدًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سبيل الله ظاهره ماذا ؟ مجاهد في سبيل الله ، لكن هو خرج لدنيا يصيبها ، أو لامرأة ينكحها ؛ فهو قد خالف النبي - صلى الله عليه وسلم - في نيَّته ؛ فهل يُؤجر ثواب المجاهدين وقد خالف سيد المجاهدين ؟ في ماذا ؟ النية ، الجواب لا ، الآن الذي يطيل شعر رأسه اقتداءً بنبيِّه ، مَثَلُه كمثل ذلك المجاهد الذي خرج مع النبي مجاهدًا ، لكن نيته تخالف نية نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، كيف هذا بالنسبة للذي يطيل شعره ؟ نقول له : هل تعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما أطال شعر رأسه قصد بذلك التقرُّب إلى ربه ؟ إن كنت تعتقد ذلك ففعلك نعمَّا هو ، وإن كنت لا تعتقد فإذًا خالفت الرسول في نيته ، هو لا يتقرَّب إلى الله - عز وجل - بحبه العسل ، ولا يتقرب إلى الله بكراهته لأكل لحم الضب ، كذلك لم يتقرَّب إلى الله - عز وجل - بإطالة شعر رأسه ، فأنت تتقرَّب إلى الله فإذًا خالفت النبي - صلى الله عليه وسلم - في أعزِّ شرط من شرطَي العبادة :

الشرط الأول : أن تكون النية خالصة لوجه الله - تبارك وتعالى - .

والشرط الثاني : أن يوافق عمل الرسول .

أنت وافقت الرسول في عمله ، ولكنك خالفته في نيَّته .

صلاة الفجر كلٌّ من السنة والفريضة ركعتان ركعتان ، فلو أن رجلًا صلى ركعتي سنة الفجر بنيَّة الفرض ؛ هل أصاب السنة ؟ الجواب لا ، من ضلالات القاديانية أنهم يعتقدون أن سنة الفجر واجبة ، فحين هم يصلون هذه السنة شكلًا وافقوا الرسول - عليه السلام - قلبًا ، ونيَّة خالفوا الرسول - عليه السلام - ، فمن صلى ركعتي سنة الفجر بنيَّة الفرض ، هذا مَثَلُه خالف الرسول - عليه السلام - في النية ، وافقه في الشكل ، الشكل هنا لا قيمة له ؛ لأن الأعمال بالنيات ، ومعنى الحديث إنما الأعمال الصالحة بالنيات الصالحة ، فإذا كنا لا نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقرَّب إلى الله بإطالة الشعر ؛ فلا يجوز للمسلم أن يتقرَّب إلى الله بما لم يتقرَّب به رسول الله ، وهذا هو البدعة في الدين ، كما تعلمون من الأحاديث المحذِّرة أشد التحذير من الابتداع في الدين ؛ ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ؛ فهو ردٌّ ) إذًا هذا إحداث في الدين ، لأنه يتقرب إلى الله بما لم يتقرب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وهذه طبيعة المبتدعة ، لأنهم يأتون أعمالًا ما تقرب بها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه - عز وجل - ، ولذلك فالمسألة هذه التفريق بين سنة العبادة ؛ فنقتدي بالرسول فيها ، وبين سنة العادة ، فنحن مخيَّرين في فعلها وفي تركها ؛ لأنها سنة عادة ، لكن لا يجوز أن نزيد على النبي - صلى الله عليه وسلم - في فعل سنة العادة شيئًا هو لم يفعله ، وأعظم الأفعال ما كان متعلقًا بالقلوب ، لأن القلب يعمل كما يشرح ذلك ابن تيمية - رحمه الله - في كثير من مؤلفاته ورسائله ، وأرى لزامًا الآن أن نُنهي الجلسة ... فنخشى أن نكون قد شققنا على صاحبنا الدَّاعي لنا ، وجزاه الله خيرًا .

سائل آخر : أطل إلى الظهر يا شيخ .

الشيخ : جزاك الله خيرًا .

سائل آخر : نجلس حتى الظهر يا شيخ .

الشيخ : شكر الله لك ، لكن لا بد لنا من مصالح لنا ولغيرنا ، لا سيَّما وقد رأينا بعض العيون يداعبها النعاس .

سائل آخر : وجئنا من اليمن من أجلها .

الشيخ : عندك أسئلة .

سائل آخر : إي نعم .

الشيخ : وصابر ما شاء الله كل هذه المدة !

سائل آخر : صابر ، الإخوة يتكلَّمون ، ولا أريد أن أقاطعهم .

سائل آخر : ... .

الشيخ : نعم ، تفضل ما عندك ؟ ... .
  • رحلة الخير - شريط : 5
  • توقيت الفهرسة : 00:00:01
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة