تحقيق العدالة الاجتماعية أن العوز والفقر هو سبب قوي للخروج على الحكم الشرعي : هل هذا صحيح ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تحقيق العدالة الاجتماعية أن العوز والفقر هو سبب قوي للخروج على الحكم الشرعي : هل هذا صحيح ؟
A-
A=
A+
الشيخ : الصواب أن نقول كما قلنا آنفاً طبقوا ما تستطيعون من هذا وذاك وجهة نظر الذين يشترطون تحقيق العدالة الاجتماعية أن العوز والفقر هو سبب قوي للخروج على الحكم الشرعي وهو تحريم السرقة مثلاً نحن نقول إذا كان باستطاعة الحاكم المسلم أن يؤمن القوت الضروري فهذا واجبه كما أنه إذا كان باستطاعة الحاكم أن ينفذ حكم من الحدود الشرعية فهذا واجبه فلا يدع واجباً من الواجبين لعجزه عن القيام بالواجب الآخر واضح هذا إذا رجعنا إلى العهد النبوي الأنور الأطهر نجد أن هناك فقراً مطقعاً ومع ذلك نجد تطبيق للأحكام الشرعية فلم ينتظر رسولنا صلوات الله وسلامه عليه حتى تستغني الأمة بسبب تمكنه من تحقيق ما أشرنا إليه آنفاً من ما يسمونه بالعدالة الاجتماعية فمن منا يجهل أنه كان هناك طائفة من الصحابة يعرفون بأهل الصفة كانوا يأوون إلى المسجد وكانوا فقراء مع ذلك ما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجود فقر في أصحابه خاصة في أول تأسيس دولته ما كان ذلك مانعاً له من إعلان تطبيق الأحكام والحدود الشرعية ولزموا اشتراك تطبيق العدالة الاجتماعية لجواز إقامة الحدود الشرعية ...جدًا لأنه يقتضي أن الحاكم المسلم عليه أن يؤمن لكل من بلغ سن الرجال زوجة حتى يسد الطريق على الزناة لأنه الإنسان في الغالب لما يزني ؟ لأنه فطر على الشهوة فإذا كانت لا تقام الحدود الشرعية إلا بتحقيق ما يسمى بالعدالة الاجتماعية وهذا خلاف الواقع مما أشرنا إليه في العهد النبوي فيلزم كذلك أن يطلع الناس بشرط آخر بإقامة حد الزنا أنه يجب على الحاكم المسلم يؤمن لكل مسلم زوجة حتى إذا ما زنى زاني لا يكون له عذر فمما ريب فيه أن أحدا من المسلمين لا يمكن أن يعلق وجود إقامة حد الزنا بشرط تحقيق ما أشرت إليه من تزويج .... فما الفرق حين إذ بين هذا الشرط اللاغي وبين الشرط السابق الذكر وهو تحقيق وسط من الحياة ومن العيش لكل مسلم فإذا ما وقعت السرقة استحقت حين ذاك حد السرقة والواقع النبوي يدل أنهم كانوا يعيشون في فقر وكانوا يعيشون في حالة لا يجد التائق إلى الزواج مهراً ولو خاتماً من حديد فأي شيء يدل على فقر ذاك المجتمع أكثر من هذا وما يماثله مع ذلك فالحدود قائمة فليس معنى إقامة الحد سواء حد السرقة أو حد الزنا هو لأنه المقام عليه الحد لم يؤمن له ما يقيته وما يشبع شهوته وإنما لتعويد الناس على مجاهدة نفوسهم الأمارة بالسوء وتعلمون جميعاً قوله عليه السلام يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج ومن لم يستطيع فعليه بالصوم فإنه له حجاب هذا الذي لم يجد الباءة وأمر بالصوم زنى هل هو يكون معذوراً بسبب أنه لم يجد الزوجة التي تحصنه ؟ الجواب لا .

فإذا كل ما ينبغي بالنسبة للحاكم أن يعلن على الملأ أنه شرع الآن في تطبيق حدود الله على كل من واقع شيئا من الهوى حتى لا يكون الناس في غفلتهم سائرين كما كانوا من قبل ذلك الإعلان فيكون حين ذلك عذر لمن كان على غير علم مسبق بهذا الإعلان للإقامة الحدود الشرعية أما والله فلان فقير فليس طريق الفقير أن يسطوا على أموال الناس بالباطل فإن هناك سبلاً وطرقاً يجب على المحتاج أن يسلكها أسوأها أن يشحد ويسأل الناس أسوأها ، أما أن يقال أنه يجوز له السرقة لأنه محتاج هذا فتح باب للتسلط على أموال الناس بالباطل الفقيرة جداً لأن كل واحد بصير يدَّعي في نفسه أنه ما سرق إلا لأنه كان محتاجاً ، في الأوضاع العادية من وجود فقر أو غنى فيجب تطبيق الأحكام الشرعية أما إذا عرض عارض ما مثل مجاعة عامة مثلاً ليست هناك الأغذية المتيسرة متوفرة ولو بالطريق الأسوأ الذي أشرت إليه آنفاً ألا وهو السؤال والشحادة فمثل هذا الأمر الطارئ وهو القحط والجذب قد يكون عذراً في تعليق إقامة حد السرقة لأنه وجد عارض ليس من الطبيعة المضطردة وهذا مما يمكن أن نقول أنه إذا حضر عمر بن الخطاب ومنه نحن استفدنا هذه الدقة لما ترك إقامة حد السرقة عام الرمادة لأنه وجد وضع غير طبيعي يضطر الناس إلى أن يسرقوا كذلك جاء مثلاً في حديث صحيح أن مولى عبداً لسيد له خرج لحاجة فسطا على نخل أحدهم ، فألقى القبض عليه رب وصاحب النخل وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتأديبه فسأله فقال يا رسول الله حملني على ذلك الجوع ، فما أقام عليه الحد ورجع إلى صاحب النخل قائلًا له لا أنت أطعمته إذ كان جائعاً ولا أنت علمته إذ كان جاهلاً فهكذا النظام العام له حكمه والأمر العارض له حكمه ففي مثل أوضاعنا العادية اليوم ليس هناك عذر لتبرير السرقة وليس هناك عذر لتبرير الزنا والفاحشة فعلى الحاكم أن ينفذ هذه الحدود وغيرها بعد أن يعلن ذلك على الملأ من الناس إذاً هل يتدرج في التطبيق إذا كان لا يستطاع فالجواب نعم وإذا كان يستطاع التطبيق فوراً دون تدرج الوضع الآن غير ما كان في زمن التشريع حيث كانت الأحكام الشرعية تنزل واحدة بعد أخرى نحن الآن جاءتنا الأحكام كلها وليس بعضها فنحن مكلفون بها كلها ففي الزمن الأول في العهد المكي وبعده العهد المدني اليوم لا يوجد عندنا عهد مكي وعهد فلذلك يجب أن نسعى إلى تطبيق الأحكام الشرعية كلها ما وسعنا التطبيق وما استطعنا التطبيق

مواضيع متعلقة