في كثير من المواضع تضعِّفون الحديث الصحيح ، وفي مواضع أخرى تضعون الصحيح وهو ضعيف ؛ لو توضِّحون هذا ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
في كثير من المواضع تضعِّفون الحديث الصحيح ، وفي مواضع أخرى تضعون الصحيح وهو ضعيف ؛ لو توضِّحون هذا ؟
A-
A=
A+
السائل : بالنسبة لبعض الأحاديث ... .

الشيخ : - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - .

السائل : في كثير من المواضع يضعف الحديث الصحيح ، وفي مواضع أخرى يوضع الصحيح وهو ضعيف وضح هذا ؟

الشيخ : سؤالك يتضمَّن سؤالين عن سؤالًا واحدًا .

السائل : قد يكون ذلك .

الشيخ : لا ... القدقدة الآن ليس أوانها ؛ حتى أعرف ماذا أجيبك .

السائل : يعني كيف يكون مثلًا ، مثلًا خُذْ مثال حديث ... في " سنن ابن ماجة " .

الشيخ : لا أنا ما أطلب مثالًا ، أريد أن توضِّح سؤالك هذا ، يتضمن سؤالين سؤالًا واحدًا ، أنا أذكر لك ... ، أولًا أسأل عن هذه النقطة وهي واضحة ، والثاني الذي يبدو لي أنك قد تعنيه أني أذكر حديثًا وأصله صحيح وأعزوه إلى " سلسلة الأحاديث الضعيفة " أو بالعكس .

السائل : لا ليس هذا .

الشيخ : إذًا القول الأول ؟

السائل : ... .

الشيخ : إذًا القول الأول ؟

السائل : ... .

الشيخ : طيب - بارك الله فيك - إذًا خلينا في هذا ، أنت تستشكل وما أنت بأول مستشكل ، أنني أحيانًا أصحِّح حديثًا في كتاب وأضعِّفه في آخر ، وقد يكون العكس ، هذا أم غيره ؟

السائل : هذا واصح ، قد يكون الجواب عليه ... ؟

الشيخ : كيف إذا رجعنا إليه وجدناه صحيحًا ؟ وإذا رجعنا إليه وجدناه ضعيفًا ؛ كيف ؟

السائل : أصل الحديث مثلًا ... في " الإرواء " حديث رقم كذا ، فنرجع للحديث وجدناه ضعيفًا .

الشيخ : يعني في " سنن ابن ماجة " قلنا : صحيح ، في " الإرواء " قلنا : إنه ضعيف ؛ هل عندك مثال ؟

السائل : ... .

الشيخ : لا ، لحظة واحدة ، " الإرواء " مع " سنن ابن ماجة " .

السائل : و " الترمذي " و " أبي داود " ... كذلك حديث ابن عمر أنَّ .

الشيخ : يكفي الآن مثال واحد حتى ما يتشعَّب الموضوع ، أنت تعرف أن الحديث قد يكون صحيحًا لذاته وقد يكون صحيحًا لغيره ؟

السائل : نعم .

الشيخ : طيب ؛ هل لاحظت - مثلًا - أن ما في " الإرواء " من التضعيف هو تضعيف لإسناد الذي في " سنن ابن ماجة " ؟ لكن قد يكون في الباب أحاديث أخرى تؤيِّد معنى هذا الحديث ؛ لاحظت شيئًا من هذا أم لا ؟

السائل : هذا الذي ... لكن الحديث الآخر .

الشيخ : ما أجبتني ، لاحظتَ أم لا ؟

السائل : من أيِّ ناحية ... ؟

الشيخ : طبعًا ، أنا بقول : الحكم على الحديث في " صحيح ابن ماجة " في كلمة واحدة ، والاحالة بالتصحيح إلى " الإرواء " في مثالنا هذا ، فحينما ترجع إلى " الإرواء " تجد فيه التصريح بتضعيف حديث ابن ماجة ، إلى هنا ماشي الكلام ؟

السائل : نعم .

الشيخ : طيب ؛ تتمة كلامي : ألا تلاحظ - مثلًا - أنه قد يكون في الباب بتقبيل الميت حديث آخر أو أحاديث أخرى ؛ هذه الأحاديث الأخرى تلتقي مع حديث ابن ماجة المُضعَّف بـ " الإرواء " إسناده ، فيمكن أن يكون حديث ابن ماجة إسناده ضعيف لكن متنه صحيح ، فيكون صحيحًا لغيره ؛ ممكن أن يكون هذا ؟

السائل : ممكن .

الشيخ : حسنًا ، هل دقَّقت النظر في مثل هذا المثال لعله من هذا القبيل ؟

السائل : نعم دقَّقت بالمثال ... .

الشيخ : لا ، عفوًا - بارك الله فيك - ما يصح البحث نشرِّق ونغرِّب ، نحن الآن موضوعنا حول هذا الحديث بالذات ، وأنا أسأل من باب الاحتياط ؛ هل فعلت ذلك أم لا ؟ لأن هذه المسألة فيها دقَّة ، وأنا - كما قال - عليه السلام - في حجة الوداع - لو استقبلت من أمري ما استدبرت لقسمت التصحيح والتحكيم إلى قسمين كما هو معلوم في علم الحديث ، وكما ذكرت آنفًا ؛ إذا كان إسناد الحديث صحيحًا لذاته قلت : صحيح ، لو استقبلت من أمري ما استدبرت لَقلتُ فيما كان إسناده صحيحًا : صحيح ، وفيما إذا كان إسناده ضعيفًا لقلت : صحيح لغيره ، إشارة إلى هذه القضية التي لا يتنبَّه لها كثير من المبتدئين في هذا العلم ؛ حتى تذهبَ البلبلة ، ولكن :

قد كان ما قد خفْتُ أن يكونا *** إنا إلى الله راجعونا

ولذلك وأنا أرجو من طلاب العلم ألا يقفوا فقط عند هذه الظاهرة ؛ صحَّحت الحديث في " سنن ابن ماجة " ضعَّفتُ إسناده في " الإرواء " أو في " السلسلة " أو ما شابه ذلك من مصادر أخرى ، عليهم أن يأخذوا البحث برمَّته بتفاصيله في كتاب " الإرواء " ؛ لأنه تخريج مُفصَّل ، فإن انتهى التخريج إلى تقوية الحديث ؛ فإذًا فهمنا أن التصحيح هناك ليس لخصوص سند ابن ماجة المُضعَّف في " الإرواء " ، وإنما لخصوص المجموع في الأحاديث التي جاءت في الكتاب ، هذا احتمال ، ولا أريد ... .

السائل : مع المثال الأول ما دقَّقت ، لكن المثال الثاني دقَّقت فيه ، وقرأت تخريجه ... .

الشيخ : لا بأس ، أي مثال إيت به ؛ المقصود الفائدة .

السائل : إذا كان ... " أبو داود " صحيح سيكفي ، هذا الحديث ... عنوان الباب في " صحيح أبي داود " ، الحديث كُتِبَ ضعيف هنا ... .

الشيخ : هذا هو ، هذا المثال يبيِّن لك ما قلته لك آنفًا ، هنا جاء حسن لغيره أم لذاته ؟

السائل : لغيره .

الشيخ : طيب ؛ وهناك إذا جاء تضعيفه فإنما جاء لخصوص إسناده .

السائل : إذًا طيب ... هذه الكتب النظر في هذا الكتاب فقط أم في كل الطرق ؟

الشيخ : لو راجعتَ مقدمة " سنن ابن ماجه " الخاصة لوجدت أنه نصصت هناك ما تيسَّر لي تحقيق الكلام فيه تكلَّمت بالطريق الذي جريتُ عليه في كل كتبي ؛ يعني صحيح لذاته أو صحيح لغيره ، حسن لذاته حسن لغيره ، وما لم يتيسَّر لي نظرت في " سنن أبي داود " أو " ابن ماجة " أو ما شابه ذلك وأعطيته الحكم الذي يقتضيه السند نفسه ، لذلك قلت من أجل تدارك هذه الأسئلة التي لا يتنبَّه للتفاصيل فيها تمنَّيت لو استدركت الأمر وجعلت التقسيم والتحكيم على قسمين : صحيح لذاته وصحيح لغيره ، نقتصر في الصحيح لذاته على الصحيح ، ويمكن أن يقال : صحيح باسناد ، ونقول فيما صحَّ لغيره نضيف كلمة لغير حتى يتنبَّه الإنسان أن هذا الإسناد في خصوصه فيه كلام ، وهذا يُشبه تمامًا الترمذي المعروف أنه إذا قال في حديث ما : حسن غريب ؛ فإنما يعني أنه حسن لذاته ، وإذا قال في حديث آخر : حديث حسن ؛ فإنما يعني حسن لغيره ، فأنا أفسِّر - مثلًا - بما عندي من واسع الممارسة والتجربة أن الترمذي إذا قال في حديث ما : حديث حسن ؛ فأفسِّر إسناده بأنه ضعيف ، وما أعتقد أن أكثر المشتغلين بعلم الحديث في هذه الأيام ينتبهون لهذه الدِّقَّة ، الترمذي يقول في حديث ما : حديث حسن ؛ أنا أفهم أن إسناده ضعيف ، ويتساهل متساهل ؛ مثلًا كحديث ابن لهيعة المشهور بسوء حفظه نجد الترمذي يقول في بعض أحاديثه : حديث حسن ، هو قد نصَّ في كتابه " العلل " الذي هو في آخر السنن أنه إذا قال في حديث ما : حديث حسن ؛ فإنما يعني أنه حديث حسن متنه ، وأنه جاءت له شرائط لم تشتدّ ضعفها ، على هذا الأسلوب أنا جريت في هذه التخاريج المختصرة جدًّا ، لكن كان الأولى أن نأتي بهذا التفصيل لحتى ما يقعَ الناس في حيصة بيصة ، هذا يعني وجه ، والوجه الآخر أن الإنسان قد يتغيَّر رأيه واجتهاده ؛ فحكمي - مثلًا - قبل عشرين سنة أو أكثر على حديث ما قد يتبيَّن لي من المراجع والمصادر ما يكشف لي عن أنَّ فيه علة ، أو بالعكس ؛ نكون قد ضعَّفنا حديثًا لضعف إسناده ثم نجد له شواهد تقوِّيه ، فنقول في كتاب أخيرًا بأنه حديث حسن أو صحيح ، يُشكل هذا بطبيعة الحال على مَن لا علم عنده في هذا المجال .

وأخيرًا نقول : طبيعة الانسان أن يخطئ وأن يصيب ، وكما قال الإمام مالك : " ما منَّا من أحدٍ إلا ردَّ ورُدَّ عليه " ، وأنا ألاحظ أن هناك هجمة غريبة جدًّا على الألباني - أما النوايا فعلمها عند ربي - في انتقادي أنُّو هنا قال : صحيح ، هنا قال : حسن ، هنا قال : ضعيف ، إلى آخره ، هذا طبيعة هذا العلم ، وقد نصَّ الحافظ الذهبي - رحمه الله - في كتابه " الموقظة " بأن الحديث الحسن بالذات من أدقِّ علوم الحديث ؛ لأن رأيَ المحدِّث الواحد قد يختلف في هذا الحديث الحسن ؛ لأنَّ راويه قد اختُلف فيه ما بين موثِّق وما بين مضعِّف ، وما بين قائل : لا بأس به ، أو ما شابه ذلك ؛ فيتردَّد نظر الباحث في ترجمة مثل هذا الراوي ، فتارةً يميل إلى تحسين حديثه ، وتارةً يميل إلى تضعيف حديثه ، يختلف رأي المحدث الواحد في الحديث الواحد فضلًا عن أن يختلف محدِّثان اثنان في الحديث الواحد ؛ لأنه من موارد النزاع والاجتهاد ، هذه الحقائق يجب أن نكون على ذكرٍ منها ، لذلك يزول الإشكال يَرِد في مثل هذه المناسبة ، فلا نعني ذلك أن العصمة لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإنما كل بني آدم خطاء ، وخير الخطَّائين التوابون ، ولعلكم لاحظتم في بعض كتبي أو كثير منها أنني أنا بنفسي أنبِّه على خطأٍ سبق مني ؛ سواء كان تصحيحًا أو تضعيفًا ، ووجه هذا ما أشرت إليه آنفًا .
  • رحلة النور - شريط : 6
  • توقيت الفهرسة : 00:38:23
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة