ابتلاء المسلم وكفَّارة معاصيه . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ابتلاء المسلم وكفَّارة معاصيه .
A-
A=
A+
الشيخ : السيئات التي يبتلى بها الإنسان ولو أن هذا الإنسان شعر بأنها كثيرة فلا ييأس من روح الله ؛ لأن الله - عز وجل - قد تفضَّل على عباده ، وجعل لهم من الأعمال الصالحة ومن الابتلاء ما يكفِّر ربنا - عز وجل - عن هذا الإنسان معاصيه ، فهو يقول في هذا الحديث في كل ما يُصاب به المسلم كفَّارة حتى النَّكبة يُنكبها أو الشَّوكة يُشاكها ، يعني مهما أُصيب الإنسان بمصيبة صغيرةً كانت أو كبيرةً إلى درجة أن يُشاك شوكة ، أن يُغرز بإبرة ويقول : " أخّ " ؛ فهذه ربنا - عز وجل - يعتبرها ويسجِّلها عليه كفَّارة لمعصية أو معاصي كثيرة ، ولا شك أن الإنسان خاصَّة المسلم في هذه الحياة فهو دائمًا وأبدًا مُبتلى كما ذكرنا في أحاديث مضت من قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( نحن - معاشر الأنبياء - أشدُّ ابتلاءً الأمثل فالأمثل ) ، والمؤمن يُبتلى على قدر نيَّته ، فمهما أصيب إذًا المسلم من مصائب فهي كفَّارات لذنوبه ، من هنا يهون وقع هذه الآية : (( من يعمل سوءًا يجز به )) ؛ لأنه لا يُجزى بكل ما أساء فيه ؛ لأن هذه السيئات كما في هذه الأحاديث تكفِّرها الأمراض والبلايا ؛ لأن هذه السيئات تكفِّرها الصلوات ، تكفِّرها الطهارة الوضوء ، الكفَّارات كثيرة وكثيرة جدًّا ، وقد مرَّ بنا ما شاء الله من النصوص الكثيرة في ذلك .

في معنى الحديث السابق هذا الحديث الآتي وبه ننهي الدرس ؛ وهو قوله عن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلًا تلا هذه الآية : (( من يعمل سوءًا يجز به )) ، فقال : " إنا لنُجزى بكل ما عملنا ؟ هلكنا ، هلكنا إذًا " ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فقال : ( نعم ، يُجزى به في الدنيا من مصيبة في جسده ممَّا يُؤذيه ) ، فهذا بمعنى الحديث السابق ، لا بد أن أتلو - أيضًا - الحديث التالي ؛ لأنه بمعنى ما قبله حتى لا نُعيد الموضوع عليكم ؛ وهو قوله عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال : يا رسول الله ، كيف الصلاح بعد هذه الآية : (( أنه ليس بأمانيِّكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به )) الآية ، وكل شيء عملناه جُزينا به ؟ فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( غفر الله لك يا أبا بكر ؛ ألست تمرض ؟ ألست تحزن ؟ ألست يصيبك اللأواء - أي : الشدائد - ؟ ) . قال : قلت : بلى ، قال : ( هو ما تُجزون به ) .

إذًا هذا الحديث أوضحَ لنا معنى الآية على الوجه الكامل ، (( من يعمل سوءًا يُجز به في الدنيا )) ، لكن هذا الحكم يجب أن تعلموا أنه خاص بالمؤمن ، أما الفاسق المغرق في العصيان وفي المعاصي ، ثم هو دائمًا حديد شديد قويُّ البنية ، دائمًا يعتني يعني بنفسه وصحَّته المادية الدنيوية ، ولا يفكِّر في آخرته مطلقًا ؛ فهذا الإنسان لا يشمله مثل هذا النَّصِّ القرآني الكريم ، ولذلك جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن رجلًا دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس أظنُّ أنه ذُكرت فيه الحمَّى ، فسأل ذلك الرجل : ما هي هذه الحُمَّى ؟ فقال له - عليه السلام - : ( أَلَم تُصَبْ بها ؟ ) . قال : لا ، قال - عليه السلام - : ( من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار ؛ فلينظر إلى هذا ) .

فهذا يدلُّكم أهمية ما يُبتلى به الإنسان ليس فقط من أمراض ، وإنما أيُّ شيء يُؤذيه كما شرح لنا هذا الأمر بوضوحٍ تامٍّ حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، فالمؤمن إذًا كل ما يرتكبه من المعاصي في الدنيا يُجزى بها عن لما يُبتلى به من أمراض ومصائب وأي شيء يُحزنه .

فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين ، ونرجو أن يجعلنا من الصَّابرين اذا ما ابتلانا بشيء ، نحن نسأل الله العافية والسلامة ، وما علمتم من جلوسنا هذه في هذا الكتاب أن خير شيء يسأله الإنسان ربَّه هو العافية ، ولكن ليس الأمر كما نشتهي نحن ؛ فقد نُبتلى ؛ فإذا بُلينا فذلك خير لنا ، وهذا هو الموضوع كله يدور على هذا الباب ، على هذه القضية تمامًا .

يعني المسلم إذا أُصيب بمرض أو بأيِّ مصيبة فعليه أن يحمد الله وأن يرضى فيتذكَّر قول الرسول - عليه السلام - أخيرًا : ( عجبٌ أمر المؤمن كله إن أصابَتْه سرَّاء حمد الله وشكر فكان خيرًا له ، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له ، فأمر المؤمن كله خير ، وليس ذلك إلا للمؤمن ) ، وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .

مواضيع متعلقة