بعض أهل العلم يرى أن قول ابن عباس - رضي الله عنهما - : " كفر دون كفر " إنما قاله للمظالم التي كانت من بني أمية ، أما إلقاء التشريعات الإسلامية كلها كحال هذه المجتمعات ؛ فلا ينطبق عليه هذا القول ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بعض أهل العلم يرى أن قول ابن عباس - رضي الله عنهما - : " كفر دون كفر " إنما قاله للمظالم التي كانت من بني أمية ، أما إلقاء التشريعات الإسلامية كلها كحال هذه المجتمعات ؛ فلا ينطبق عليه هذا القول ؟
A-
A=
A+
السائل : يقول السائل : بعض أهل العلم يرى أن قول ابن عباس - رضي الله عنهما - : " كفر دون كفر " إنما قاله للمظالم التي كانت من بني أمية ، أما إلقاء التشريعات الإسلامية كلها كحال هذه المجتمعات ؛ فلا ينطبق عليه هذا القول ؟

الشيخ : ما أدري من المقصود في هذا البعض ولا هم من أي اسم ، لكنه خطأ على كلِّ حال ، لأن ابن عباس قال هذا القول في تفسير الآية ؛ فلا مجال لحمل هذا الحديث على ولاة بني أمية أو غيرهم ، أعني هذا الحديث يعني الموهوم ، ذكرَ ابن عباس هذه الآية فقال : " ليس كما يظنُّون - أو كما يقولون - ؛ إنما هو كفر دون كفر " ، وذكر إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري في " تفسيره " العظيم أنَّ هذه الآية تعني الكفار من اليهود والنصارى ، فهم الذين لا يُحكِّمون ما أنزل الله ، ولا يرضَون به حَكَمًا ، فمن فعلَ فعلهم فهو مثلهم ، لكن فعلهم ليس مجرد فعل غير مقرون بالعقيدة ، بل فعلهم مقرون بالعقيدة ؛ أي : إنهم كانوا لا يؤمنون بحكم الله ، وبالتالي يكون رفضُهم بحكم الله عملًا ، فمن توفَّر فيه هذان الشَّرطان من المسلمين الحُكَّام فشأنه شأن اليهود والنصارى ؛ أي : من أنكر شريعة الله كلًّا أو جزءًا في قرارة قلبه ثم جرى على هذا الإنكار في قانونه وفي تطبيقه ؛ فيصدق عليه الآية ؛ لأنها نزلت في الكفار ، وهو عَمِلَ واعتقدَ عملَ الكفار وعقيدة الكفار ، أما إذا كان هذا الحاكم أو ذاك يعتقد في قرارة قلبه أن الحكم بما أنزلَ الله هو الواجب ، وهو حقٌّ ، لكن يبرِّر خطأه بترك الحكم بما أنزل الله بتبريرات ما أنزل الله بها من سلطان .

ومثل هذا ينبغي ألا ينحصر أذهانكم في الحُكَّام فقط ، لنقف قليلًا مع غير الحُكَّام ؛ ماذا نقول لأفراد هم أكثر من الحكام عددًا الذين يستحلُّون الربا عملًا ؛ ما حكمهم هؤلاء ؟ سبحان الله ! مع أن هؤلاء شرُّهم كبير وعددهم كثير ؛ ما نجد أحدًا من هؤلاء يقول هؤلاء كفَّار ؛ لماذا ؟ لأنهم لا يفكِّرون إلا في الحاكم ! مع أن هذا الحاكم ما نزل عليهم من المرِّيخ ، هو منهم ، وكما يُقال في المثال العامي القديم : " دود الخل منُّو وفيه " ؛ فما الفرق يا تُرى بين من يستحلُّ الربا أكلًا وإيكالًا ، أكلًا وإطعامًا ، ما الفرق بين هذا وبين مَن لا يحكم بما أنزل الله ؟ لا فرقَ في شريعة الله أبدًا ، وعلى ذلك قِسْ الذين يُقامرون ، والذين يبيعون للنساء ما يساعدهم على الفسق والفجور و و إلى آخره ؛ تُرى هؤلاء كفار كلهم ؟ نحن ما نقول هم كفَّار ولا نقول ليسوا بكفار ، لكننا نقول قاعدة تطبيقها ليس علينا ؛ لأننا لا نستطيع أن نصل إلى قلوب هؤلاء ، وإنَّما حكمهم إلى الله ، حسبنا أن نقول هؤلاء كلهم ضالُّون ؛ لأنهم لا يُحكِّمون شريعة الله ، لكن هل هم مرتدُّون ؟ هل يجوز قتالهم ؟ إن قالوا نعم يجوز قتال هؤلاء ؛ إذًا يجوز قتال أكثر الأمة الإسلامية ، ثم نقول بعد ذلك : من الذي يُقاتلهم ؟

يعود البحث إلى من يعيش في المجتمع العلماني ؛ من الذي يقاتل هؤلاء المجتمع العلماني والحاكم الكافر ؟ الكافر اعتقادًا وعملًا ونسبًا ، من الذي يُقاتل ؟ يجب أن يكون هناك مسلمون تمرَّنوا على العمل بالإسلام الصحيح ومضى عليهم ؛ فلم يبقَ لهم عمل سوى الجهاد في سبيل الله ؛ هؤلاء الذين يقومون بهذا الواجب ، فإذًا يجب ألَّا ننسى أن المشكلة ما هي محصورة بالحُكَّام ، بل المشكلة محصورة بالحُكَّام والمحكومين معًا ، وبدليل أنُّو ترى اليوم فلان هو الرئيس ، بعد أيام قليلة أو كثيرة تجد رئيسًا آخر ، من أين جاء هذا ؟ منَّا وفينا ؛ إذًا هو كان يعيش بنفس العقل والفكر الذي يعيشه الآن وهو على رأس الحكم ، فعلينا أن نُفرِّق حتى لا نقع في الخروج ، وأعني بالخروج أي : أن نكون كالخوراج ، أن نفرِّق بين الكفر الاعتقادي وبين الكفر العملي ، الكفر الاعتقادي علاقته بالقلب ، والكفر العملي علاقته بالعمل ، العمل ظاهر ، الذي نراه لا يُصلي نستطيع أن نقول لا يُصلِّي ، لكن لا نستطيع أن نشقَّ على قلبه ونقول هذا جاحد للصلاة ولا يؤمن بالصلاة إلا إذا سمعنا منه ، فهذا حينئذٍ صار عملًا ظاهرًا فنُدينه بما قال ، فمن كان كفره اعتقاديًّا فهذا كافر ، وشأنه شأن اليهود والنصارى ، ومن كان كفره عمليًّا فشأنه شأن الفُسَّاق والفُجَّار بأيِّ نوع من أنواع الفسق والفجور .

لهذا أقول ختامًا أن أثر ... في الحقيقة أعطانا بيانًا لكي لا نقع في الإفراط والتفريط ، لا نقول أن الذي لا يحكم بما أنزل الله سواء كان حاكمًا أو محكومًا ؛ كل القضاة الآن ، لأنُّو الناس أول ما ينصرف ذهنهم (( من لم يحكم )) مين هو ؟ رئيس الدولة ، طيب والحُكَّام الذين هم تحت أيديهم الذين يسمُّونهم اليوم بالقضاة في كثير من الدول الإسلامية يصدق عليهم في كثير من أحكامهم أنَّهم يحكمون بغير ما أنزل الله ؟ وأنا ناقشتُ كثيرًا ممن كانوا يُعرفون من قبل بجماعة الْـ إيش ؟ الإيش ؟

السائل : التكفير والهجرة .

الشيخ : التكفير والهجرة ، كانوا يكفِّرون ، يكفِّرون من هدفهم الخروج عليه ، فكنت أنزل معهم ؛ أقول لهم : إيش رأيكم بقاضي الشرعي الذي يحكم بالشرع لكنَّه في مسألة ما حكم بغير ما أنزل الله ؟ هل تقول بكفره ؟ كان بادي الرأي يقف مفكِّرًا ؛ لأنُّو ما فكَّر في هذه الجزئية ، هو دائمًا فكرو وين ؟ بالرئيس فوق ، بينما نحن بيهمّنا أنفسنا قبل كل شيء ، يمكن هذا القاضي الشرعي يكون أبوه أو يكون أخوه أو إلى آخره ! ما فكَّر فيه ، بعد مناقشة طويلة أو قصيرة - يختلف الأمر باختلاف الأشخاص - كان يقول : لا ما يكفر ! أقول له : ليه ؟ قال : لأنُّو هذا مرة واحدة ، قلنا له طيِّب ، نتصوَّر أنُّو هذا القاضي نفسه في قضيَّة أخرى - أيضًا - حكمَ حكومة أخرى على خلاف الشرع ؛ فهل كفرَ ؟ كل ما قال : لا لا ؛ قلت له : متى يكفر هذا القاضي الشرعي ؟ لا تستطيع أن تقول بعدد قضاء حكومة كذا وكذا ، وإنما تقول : ولو بحكومة واحدة هو يعلم بأنها خلاف الشرع ويستحلُّ ذلك بقلبه ، ما دام استحلَّ الحكم بغير ما أنزل الله بقلبه فهو كافر مرتد عن دينه ، ومهما ارتكب من مخالفات في الشريعة والتعامل بخلاف الشريعة فنحن لا نستطيع أن نُكفِّره ، شأن آكل الربا وموكل الربا ، وما أكثرهم اليوم في العالم الإسلامي ! لا نستطيع أن نكفِّر أحد من هؤلاء إلا إذا كان الكفر قد حلَّ في قلبه ، وليس في عمله فقط .

السائل : ... .

الشيخ : نعم ؟

السائل : ... .

الشيخ : قلت آنفًا إذا سمعنا منه ؛ فحينئذٍ نُدينه بقوله قلنا .

نعم .

مواضيع متعلقة