نعيش تحت حكومة علمانية لا تطبِّق نظام الاسلام في الحكم ؛ فما الطريق التي ينبغي أن تسلكها الدعوة مع هذا النظام ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
نعيش تحت حكومة علمانية لا تطبِّق نظام الاسلام في الحكم ؛ فما الطريق التي ينبغي أن تسلكها الدعوة مع هذا النظام ؟
A-
A=
A+
السائل : يقول السائل : نحن نعيش في بلادنا تحت ظلِّ حكومة علمانية لا تطبِّق نظام الإسلام في الحكم ؛ فما الطريق السليم التي ينبغي أن تسلكها الدعوة مع هذا النظام من حيث الرضا بهذا الوضع وعدمه ؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن حيث ما إذا تعرَّضت الدعوة لبعض المظالم من الحكومة ؛ كإغلاق بعض المساجد ، أو إيقاف بعض الأنشطة ؟

الشيخ : التاريخ يعيد نفسه - كما يقولون - ، وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ كما قال محمد نفسه - عليه الصلاة والسلام - ، عجيب من المسلمين ما أدري هل هو الجهل أو الغفلة أو يجتمعان معًا ؟ هم يعلمون أنَّ ما يُصيب المسلمين اليوم في كثير من البلاد أو في بعضها قد أصاب الدعوة في أوَّل نشأتها ، فأنتم تعلمون أن الدعوة كان لها مرحلتان مكية ومدنية ، ففي المرحلة المكِّيَّة كان يُلاقي المؤمنون بالله ورسوله أكثر مما يُلاقي المسلمون في مثل هذا الحكم العلماني الذي ذكرَه السائل ؛ فماذا يفعل هؤلاء تحت هذا الحكم الكافر الجاهل ؟ يفعل ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ما الذي فعلوه ؟ لا شيء سوى أنهم صبروا على ما أوذوا مع الدعوة بقدر ، وأوذي رسول الله وأوذي أصحاب رسول الله - كما تعلمون - كثيرًا وكثيرًا ، وأما إذا كان لا يجدون صبرًا على الأذى الذي يلقونه ؛ مع أني أشهد بأن الأذى الذي لقيَه الجيل الأول لا مثل له في زماننا هذا ؛ بسبب تطور ما يسمُّونه بالحرية والقوانين و وإلى آخره ، وإن كان لا يبدو الأمر هناك ظلم ، هذا لا يُمكن إنكاره ؛ لكن وين الذين كانوا يُنشرون بالمناشير ، والذي كان يُوضع تحت أشعَّة الشمس الحارَّة ، ويوضع على بطنه الصخرة نار وثقل وما شابه ذلك ؟ حتى لم يصبر أحدهم - وهو عدي بن حاتم الطائي - كما جاء في بعض الروايات ولو أن فيها ضعفًا ، لكنَّها تمثِّل الحياة الضَّنك والعذاب الشَّديد الذي كان يُوقَعه هؤلاء الصحابة ؛ فماذا فعلوا ؟ صبروا كما قال - تعالى : (( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )) ، يقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح كالتفسير لهذه الآية الكريمة : (( كان من قبلكم كان أحدهم يُؤخذ فيوضع المنشار على مفرق رأسه ليرتدَّ عن دينه ؛ فلا يرتدُّ عن دينه حتى يقعَ فلقتين على الأرض )) ، شو أصابنا نحن ؟ ما أصابنا شيء من هذا العذاب الأليم الذي أُصيب به الأولون ، مع ذلك صبروا وصبروا حتى نفذ الصبر فأذن الرسول - عليه السلام - لمن شاء منهم بالهجرة ، وبعضهم بقي يأكل العذاب ويتلقَّى العذاب حتى جاء الأمر بالهجرة إلى ... .

... علماني فهو ذاك ، جو العرب جو قُريش في بيت الله الحرام هو الجو الوثني العلماني الملحد ، التاريخ يُعيد نفسَه ؛ إما أن يصبر وإما أن يُهاجر ؛ (( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا )) ، فإن استطاع أن يُهاجر فَبِها ، وإلا فليس له إلا الصبر ، مع الانشغال بالعلم والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن حتى يأتي الله - عز وجل - بالفرج .

أما القيام بالثورات الدموية وبالانقلابات الليلية في ليلة لا قمر فيها فهذا ليس من صنع الإسلام أبدًا ، ليس في الإسلام ثورات ، وليس في الإسلام انقلابات ؛ لأنها لا تأتي إلا بالشَّرِّ الأكبر ، نريد أن نفرَّ من الشَّرِّ الأصغر فنقع في الشَّرِّ الأكبر ، والواقع في العصر الحاضر يؤكِّد لكم هذه الحقيقة ، فلا جرمَ أنه كان من عقائد السلف أنه لا يجوز الخروج عن الحكام - هم يعنون طبعًا الحكَّام المسلمين الذين ينحرفون في قليل أو كثير ، في قليل أو بعيد عن الأحكام الشرعية - ؛ لماذا لا يجوز الخروج ؟ لأن هذا الخروج سيؤدي إلى سفك الدماء ثم لا يُحقِّق الغرض المنشود ، أما إذا كان الحاكم غير مسلم فعرفتم الجواب ؛ أن نصبر على ذلك ، وأن نهتمَّ بأنفسنا ، وبتعلُّمنا لديننا ، وتربيتنا لأولادنا على هذا الإسلام ، ومن الإسلام أن نُغذِّي نفوسنا ونفوس أولادنا بتحمُّل الأذى في سبيل الله - عز وجل - ، وأن لا نتصوَّر أن الدنيا تصبح جنَّةً بالنسبة للمسلمين ، هذا أمر مستحيل ، الأمر كما قال - عليه السلام - : ( الدُّنيا سجنُ المؤمنِ وجنَّةُ الكافرِ ) ؛ فمن كان سجينًا فمعنى ذلك أنَّه يكون تصرُّفه في حدود ضيِّقة جدًّا إلى أن يأذن الله - عز وجل - بالفرج .

نعم .

مواضيع متعلقة